الدعم السريع الذي كان

 

علي عسكوري

*يخالف سجل مليشيا الدعم السريع ربما كامل حركات التمرد في العالم قاطبة, فما قامت به ليس تمردا إنما محاولة انقلاب وسطو فاشل على السلطة، حولته لحرب ضد المواطنين للنهب والقتل والسلب دون هدف سياسي.

*تنشاء التمردات دائما خارج سلطة الدولة بمجوعات قليلة العدد وبعمليات قتالية محدودة النطاق آملة أن تنمو وتكبر بعد أن تجذب إليها آخرين يتفقون معها في الأهداف التى أعلنتها والشعارات التى رفعتها, ومع إزدياد عدد الملتحقين بها يتوسع نطاق عملياتها و قتالها وهكذا، تنجح أو لا تنجح في اهدافها ذلك امر تحدده متغيرات وعوامل كثيرة. ما يهمنا هنا ان  التمردات تنشاء خارج الدولة و تعلن اهدافا معلومة لتجذب بها آخرين إلى صفوفها.

*أما مليشيا الدعم السريع فقد نشأت في حضن الدولة وتحت بصرها ورعايتها، وقاتلت معها,  إختارت الدولة أسذج الشباب بقيادة تاجر حمير وأغدقت عليه فانضم إليه من هم أكثر سذاجة منه طامعين في أموال الدولة، أي مرتزقين.

*لم يكن للمليشيا أي أهداف سياسية سوى أنها أداة وظفتها الدولة لمقاتلة الحركات المسلحة في دارفور ثم دفع لها آخرون ليقضوا وطرا منها.

 

*كانت النقلة المهمة في عملية إرتزاق المليشيا  مشاركتها في حرب اليمن مما فتح لقائدها باب التواصل مع جهات خارجية، وكانت تلك أكبر اخطاء النظام البائد, فإن كانت المليشيا تقاتل للإرتزاق من حكومة السودان فليس هنالك مانع في الإرتزاق من آخرين أكثر مالا وذهبا, فالإرتزاق هو الإرتزاق داخليا كان أم خارجيا، بل إن الإرتزاق الخارجي أفضل لأنه يدفع بالعملات الصعبة، وبدلا من الموت من أجل جنيهات قليلة لا يقمن الصلب، أفضل الموت من أجل ريالات ودراهم يوفرن رغدا في العيش, لقد كان للفساد الذى ضرب النظام البائد دورا أساسيا في السماح للمليشيا بالإرتزاق الخارجي, كان ذلك خطأ استراتيجيا قاتلا دفع ثمنه الشعب السوداني في هذه الحرب.

*فكرة أن تحاول مجموعة قبلية محددة السيطرة على بلاد السودان بأكملها وإخضاعها بقوة السلاح، فكرة مجنونة في جوهرها  أو انتحار معلن.

*ترى من أوعز للمليشيا أن بوسعها فعل ذلك! من قال لها إنها لو هزمت الجيش ستخضع بقية مكونات المجتمع السوداني لحكمها تلقائيا! الراجح عندي أن مجموعة الاطاري هي من أوعزت للمليشيا القيام بانقلابها مدعومة بقوى الرباعية, وفيما نذكر فقد كان (عنطيز المليشيا وزبانيته) يتحدثون أنهم يسيطرون على ٩٠% من العاصمة، ولا أحد يعلم لماذا لم يشكلوا سلطتهم وهم بكل تلك السيطرة! من يشترى الوهم يعيش الكوابيس.

*ذكرني طيش المليشيا وانتحارها  مسرحية (نقابة المنتحرين) في ثمانينات القرن الماضي، وأعتقدت وقتها أن أسم المسرحية مجاف لطبيعة الأشياء، لكننا عشنا لنرى ونشاهد مجموعة هدفها الأساسي الإنتحار، وقد إنتحر عشرات الآلاف من (عناطيزها) في معركة يعلمون أنها خاسرة، رغم ذلك يصرون على مواصلة الانتحار الجماعي..! لا احد يعلم من اجل اى هدف ينتحرون بهذه الطريقة البلهاء.

*كان متوقعا أن تقوم (التنسيقيات) التي ظهرت مؤخرا بدعوة ابنائهم لوقف الإنتحار المستمر حقنا للدماء، و دعوتهم لتسليم ما معهم من سلاح للجيش قبل أن يجهز الجيش على من تبقى منهم، لكن لا يزال صوت التنسيقيات ضعيفا وحركتها بطيئة للغاية فكلما تأخرت كلما زاد عدد المنتحرين.

 

*كتب وسيكتب التاريخ انه كانت هنالك مجموعات من مكونات قبلية محددة حاولت السيطرة على الدولة و اخضاع السودانيين لسلطتها بقوة السلاح وانتهت محاولتها بخسران مبين وخسرت عشرات الآلاف من شبابها أن لم يكن المئات وقصم الجيش ظهرها واكلت الكلاب الضالة جثثهم في شوارع وطرقات الخرطوم! ورغم موقفي المعلن من المليشيا والله انى لاحزن ان ينتهي بنى ادم بتلك الطريقة المأساوية، لا أحد يواريه التراب وتحرق او تتحلل جثتة كالسوائم النافقة! من أجل ماذا ينتحرون.

*ستصبح محاولتهم اليائسة قصة عن الانتحار الجماعي الغبي تتناقلها الأجيال وحكاوي ترويها الامهات والحبوبات للصغار! تركوا جراحا غائرة في الضمير الجمعي للسودانيين، وهي جراح ربما يطول اندمالها هذا إذ اندملت أصلا

*ستحدث الحرب توازنات داخلية جديدة في دارفور و ستجد هذه المجموعات صعوبة كبيرة في الدفاع عن مضاربها بعد ان انتحر غالب شبابها في حرب خسروها من ايامها الاولي. خسرت المليشيا الحرب مع الجيش والشعب والآن تواجه مصيرا مظلما في حواكيرها، ومن الافضل لقياداتها وكبارها لملمة ما تبقي من ابنائهم ليدافعوا بها عن حواكيرهم بدلا من الموت سمبلة في اراضي مجموعات اخري ستقاتلهم حتى يعودوا من حيث اتوا او تفنيهم. وفيما نعلم لن تتنازل أي مجموعة في السودان عن أرضها، طالت أم قصرت الحرب. *سيتم قتلهم أو طردهم إلى مناطقهم تصاحبهم اللعنات و ذكرى دماء الآلاف من الأبرياء من ضحياهم, لم يقتصروا قتالهم على الجيش بل اعتدوا دون مبرر على مجتمعات لا دخل لها بما يفعلون فكسبوا عداوتها وارغموها على دخول الحرب، فالكل ضدهم الآن وسيخسرون.

*كتبت لهم في فبراير الماضي ودعوتهم للاستسلام، ولو فعلوا لكان قادتهم والآف الشباب قد نجوا.. لكنهم لم يستبينوا النصح تسيطر عليهم فوبيا الانتحار في حرب يعلم القاصي والدانى انهم خسروها.

*هل يوجد رجل عاقل بينهم..! ام كلهم من غزية.

 

هذه الأرض لنا