سلسلة كتابات غسان كنفاني إلى غادة السمان (٣٦)

مكاتيب

_____________

_________________________

عزيزتي غادة

لست أطمع منك بالعودة، فالعصافير لاتسكن أعشاشها مرتين، وحين نفضتي عن ريشك كسل القرار عرفت أنا أنك لن تعودي.

ولكن كيف تركتك تذهبين؟ كيف لم أربط نفسي إليك مثلما ربط السندباد نفسه إلى ريش الرج؟ ليس عندي أيتها الطليقة، ياخبزي ومائي وهوائي، إلاالندم، وبعيدة في قراره توجد بذرة الشجرة القادمة.

بلى.. سأراك مرة أخرى، ذات يوم، ترانا يومذاك – سنكسر من حول جلودنا يراقات النسيان التي سنبنيها فوق اللحظات النادرة في حياتنا كي لانظل صرعى الخذلان.

إنّ العمر خديعة، ياطليقة، وإلاكيف أن يكون عمري معك عمراً، وعمري دونك عمراً أيضاً، وكيف يمكن بعد هذين العمرين أن أراك مرة أخرى وتكونين أنت وأكون أنا؟ لماذا لا؟.

ماذا أقول لك؟ إن النسيان هو أحسن دواء إخترعه البشر في رحلتهم المريرة ومع ذلك فأنا لن أنساك، أنت تخفقين في رأسي مثل جناحي عصفور طليق أمام بصري ينثر ريش الطائر الذي حط وطار مثل لمح البصر.

(غسان كنفاني)