تعقيب على موضوع البلاغات للأثرياء فقط!..فرض رسوم على الإجراءات الجنائية.. قرار باطل

الأستاذ/ التاج عثمان- محرر (حضرة المسؤول) بصحيفة (أصداء سودانية)، لكم التحية والتقدير وبقية العقد الفريد في إدارة وهيئة تحرير الصحيفة لجهودكم المستدامة بسبر أغوار المشاكل وإقتراح الحلول لها.. طالعت بإهتمام وإعجاب بالغين تعليقكم على قرار فرض رسوم مالية على الإجراءات الجنائية أمام النيابة العامة، المنشور بـصفحتكم المميزة (حضرة المسؤول)، الصادرة الثلاثاء الموافق الثالث من يونيو الجاري، والذي جاء تحت عنوان: (البلاغات للأثرياء فقط) أسمحوا لي لو تفضلتم بالتعقيب على هذا القرار.
إطلعت على ما اثرتموه بشأن قرار وزير المالية السوداني والنائب العام بفرض رسوم على الإجراءات الجنائية، وهو حقيقة أمر يثير تساؤلات قانونية ودستورية حول مدى مشروعيته، نتناولها فيما يلي:
1-السلطة القانونية لفرض الرسوم:
ــ وزارة المالية لا تملك سلطة فرض ضرائب او رسوم جديدة، حيث أن هذا الإختصاص يعود للسلطة التشريعية، والوحدات الحكومية قد تقترح رسومها بناء على تقديراتها، ويقتصر دور وزارة المالية على تنفيذ هذه التعديلات التي تجيزها السلطة التشريعية
2-الآثار المحتملة لفرض الرسوم
ــ فرض رسوم على الإجراءات الجنائية قد يؤدي إلى تقييد حق المواطنين في الوصول إلى العدالة خاصة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف.. وهذا قد يتعارض مع المبادئ الدستورية التي تكفل حق التقاضي والمساواة امام القانون.
3-ما موقف الوثيقة الدستورية من فرض رسوم البلاغات الجنائية؟:
ــ وفقا لأحكام الوثيقة الدستورية للفترة الإنتقالية في السودان لعام 1919 (وتعديلاتها)، تمثل الإطار القانوني الأعلى المنظم للسلطة خلال المرحلة الإنتقالية.. وفيما يتعلق بفرض رسوم على البلاغات والإجراءات الجنائية فإن موقف الوثيقة الدستورية يٌفهم من خلال المبادئ العامة التي تنص عليها، حتى وإن لم تذكر الرسوم على البلاغات الجنائية صراحة.
4-الموقف القانوني في الوثيقة الدستورية
1ــ الحق في التقاضي والمساواة امام القانون.. المادة (47
لكل شخص الحق في التقاضي وتكفل الدولة سيادة حكم القانون وتكفل الوصول إلى العدالة دون تمييز
2ــ الحقوق والحريات الأساسية المادة 41
-الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متساوية دون تمييز
المادة (50
-لا يحظر أي إجراء او قانون ينتقص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة”.. وعليه فإن فرض رسوم على فتح البلاغات الجنائية يمكن ان ينظر إليه كعائق مالي اما اللجوء للقضاء، وبالتالي يعد تقييدا غير مشروع للحق في الوصول إلى العدالة، وهو ما يتعارض مع النصوص المذكوره أعلاه.
5-الجانب المالي والإداري: صلاحية فرض الرسوم والضرائب.. المادة (11): لا تفرض اية ضرائب او رسوم او أموال عامة إلا بقانون
6-الإستنساخ القانوني
أ: لا يجوز لأي جهة تنفيذية مثل: (النيابة العامة او وزارة المالية)، فرض رسوم على الإجراءات الجنائية بدون قانون صادر عن السلطة التشريعية، وإذا تم فرض هذه الرسوم بقرار إداري دون تفويض قانوني، يكون هذا الإجراء باطلا من حيث المشروعية الدستورية.
ب: بناء على ما سبق فإن فرض رسوم على الإجراءات الجنائية دون تفويض من السلطة التشريعية قد يعتبر غير دستوري، وقد يشكل إنتهاكا لحقوق المواطن في الوصول إلى العدالة.. ومن الضروري مراجعة هذه السياسات لضمان توافقها مع الدستور والقوانين المعمول بها.
ج: النتيجة النهائية ــ الوثيقة الدستورية تمنع فرض رسوم على البلاغات الجنائية ما لم يكن ذلك بنص قانوني صادر من السلطة التشريعية وبحيث لا يخل بحق المواطن في الوصول إلى العدالة.. وأي قرار تنفيذي يفرض مثل هذه الرسوم يعتبر مخالفا للدستور ويمكن الطعن فيه امام القضاء الإداري.. وعليه ننصح وزارة المالية والنائب العام، صديقنا مولانا، الفاتح الطاهر، بالتراجع عن القرار أعلاه.. ولكما الإحترام والتقدير
د. عماد الدين بشير آدم- مستشار قانوني سابق بوزارة العدل ــ السودان