مصير مجهول لأسرتين .. عصابات الصحراء.. (مليشيات) من نوع آخر تتربص بالفارين

 

  • الطفلة (سهير) ماتت بدم بارد وسط الصحراء
  • قطاع طُرق أصابوها برصاصة في البطن ولفظت أنفاسها الأخيرة قرب أبوحمد
  • ماذا قالت الشهيدة (سهير) لوالدتها قبل وفاتها بلحظات داخل العربة البوكس؟
  • طلق ناري تسبب في تهتك أنسجة وعصب الرجل اليسرى لوالدها
  • (أصداء سودانية) تتحصل على تقرير الوفاة من مستشفى عطبرة وإستمارة الفحص الجنائية من مستشفى أبو حمد

تحقيق ــ التاج عثمان:
* ضحايا الحرب كثيرون لكن حالة الطفلة (سهير) أكثرها إيلاما ومأساوية .. نزحت من مدينة سنجة مع عائلتها قاصدين الشقيقة مصر هربا من بطش وقسوة الجنجويد لتجد نفسها مع عائلتها في مصيدة جنجويد من نوع آخر .. ماتت سهير في قلب الصحراء بواسطة إحدى عصابات قطاع الطرق .. أصابوها بطلق ناري في بطنها فظلت تنزف لمدة (8) ساعات كاملة لتموت بدم بارد قبل عودة العائلة لمدينة أبو حمد في محاولة لإسعافها وإنقاذ حياتها لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة قبل وصولهم لمدينة أبو حمد بحوالي (15) كيلو .. (أصداء سودانية) نجحت في التواصل عبر الهاتف بوالدها من مدينة عطبرة بعد مراسيم الدفن بمقابرها ليكشف للصحيفة تفاصيل مأساوية ومؤلمة عن مصرعها
يقول والدها (عارف إسماعيل فارس)، ويسكن الحي الشمالي بسنجة، يعمل أعمال حرة: “أصبح الوضع الأمني والمعيشي بعاصمة ولاية سنار (سنجة) لا يحتمل ولا يطاق بعد إستباحتها بواسطة المليشيا المتمردة والبطش والتنكيل بمواطنيها، بجانب إنعدام كافة وسائل الحياة خاصة الطعام والذي وصل لمرحلة المجاعة الكاملة، قررت إنقاذ عائلتي والتوجه بالتهريب للشقيقة مصر نظرا للتكلفة الباهظة للوصول إليها من بورتسودان بالطائرة او حتى بالباخرة للسويس.. خرجنا من سنجة بعد عدة محاولات فاشلة حيث كانت المليشيا تمنع خروجنا لكننا نجحنا في النهاية مغافلتهم والتسلل منها بإعجوبة حتى وصلنا مدينة عطبرة ومنها لمدينة أبو حمد والتي إستغلينا منها بوكس تهريب ودخلنا صحراء أبو حمد، وكان عددنا في البوكس (13) شخصا، (10) أشخاص في الصندوق الخلفي وعائلتي من ضمنهم، و(3) في الكابينة بجانب السائق.
وبينما كانت العربة البوكس تنهب وتجتاز بصعوبة رمال الصحراء شاهدنا أسرتين يجلسون على الأرض، رجال ونساء وأطفال سبق ان تعرفنا عليهم بإحدى إستراحات الطريق وكانوا يستغلون عربتي بوكس، وكان يقف أمامهم (7) أشخاص ملثمين يحملون رشاشات فاخبرنا سائق البوكس قائلا:
“إننا نواجه عصابة من قطاع الطرق ولو إستسلمنا لهم فسوف ينهبون كل ما لديكم من طعام ومياه وأموال ومصوغات ذهبية وموبايلات والعربة البوكس التي نستغلها ليتركوننا وسط الصحراء عرضة للموت عطشا وجوعا ولذلك سوف اعود بكم لمدينة أبو حمد”.
وقبل ان يسمع السائق رأينا إستدار بسرعة فائقة وأخذ ينهب رمال الصحراء عائدا بنا لمدينة أبو حمد، فامطرنا قطاع الطرق بوابل من رصاص رشاشاتهم، ويبدو أنهم كانوا ينوون تعطيل البوكس بإتلاف إطاراته الخلفية لكن رصاصة منها أصابت إبنتي في البطن وأخرى أصابتني في رجلي اليسرى وكنا نجلس داخل صندوق العربة الخلفي، كان ذلك في تمام الساعة الرابعة والنصف عصرا يوم السبت الموافق الخامس من أكتوبر الجاري.. وفي النهاية نجحنا في الهرب منهم حتى وصلنا منطقة الآبار بعد (5) ساعات والتي مكثنا فيها حوالى الساعتين لعطل أصاب عربتنا.. فإستغلينا عربة ثانية أقلتنا ناحية مدينة أبو حمد لكنها تعطلت هي الأخرى فإستعنا بعربة ثالثة.. وظلت إبنتي تنزف من الجرح بغزارة لحوالي (8) ساعات كاملة وكانت صابرة بطريقة غريبة ولم تفقد الوعي، بل كانت تقول لوالدتها: :انا عطشانة يا أمي .. أديني موية”، لكننا لم نلبي طلبها لخطورة شرب الماء في مثل هذه الإصابات.. وقبل وصولنا مدينة أبو حمد بحوالي (15) كيلو لفظت إبنتي (سهير) أنفاسها الأخيرة وهي تنظر لأعلى وتبتسم بينما كان وجهها يشع ضياء بطريقة غريبة غير معهودة.. ماتت إبنتي (سهير) البالغة من العمر (11) سنة، الطالبة بالصف الخامس بمدرسة أم المؤمنين الإبتدائية بسنجة في هدؤ وسكينة ولسان حالها يقول: “ربنا يجازي اللي كان السبب” .. والحمدلله على ما أراد الله .. وإنني عبر صحيفتكم (أصداء سودانية) أحمل جريمة مقتل إبنتي فلذة كبدي لمليشيا الدعم السريع قبل قطاع الطرق الذين نفذوا الجريمة، لأن الجنجويد أجبرونا ببطشهم وقسوتهم على مغادرة مدينتنا الحبيبة سنجة طلبا للآمان، خاصة بعد تصفيتهم لكثير من مواطنيها”.
تقرير الطبيب الشرعي
فور وصول العائلة توجهوا بالجثمان مباشرة لمستشفى أبو حمد التعليمي وتم تشريح جثمانها بأمر تشريح صادر من نيابة أبو حمد، جاء فيه:” زمن الوفاة: الساعة الخامسة مساء بتاريخ 6/10/2024م.. سبب الوفاة: إصابة بطلق ناري بالبطن.. ووافق وكيل النيابة على دفنها”.. وتم نقل الجثمان لمدينة عطبرة حيث تمت مواراتها الثرى بمقابر عطبرة وشيعها الآلاف بعد سماعهم بمأساتها الموجعة.
الفحص الجنائي
كما تحصلت الصحيفة على (إستمارة الفحص الجنائية) الخاصة بـ(عارف إبراهيم فارس) والد الشهيدة (يسرى)، حيث جاء فيها:” بعد فحص المذكور أعلاه تبين وجود (3) جروح في الركبة الشمال نتيجة لرصاصة لكنها لم تخترق العظم، وتسببت في تهتك الأنسجة وإصابة العصب وتقرر إجراء عمليتين جراحتين له، الأولى: لترميم الأنسجة وإستكشاف للعصب.. والثانية: توصيل العصب”.
أخيرا
سألت والد شهيدة الصحراء (يسرى):هل ستعود لمصر؟ ام لسنجه؟ ام ستبقى في عطبرة؟.. أجاب: ” لن أعود لسنجه فأسباب خروجي لا تزال قائمة حتى بعد التحرير وأتمنى ان يكون قريبا وينصر قواتنا المسلحة على هذه الشرذمة الباغية التي أحالت حياة المواطنين إلى كابوس.. وبالطبع لن أعود لمصر عبر التهريب بعد ما فقدت إبنتي وإذا تطلبت إصابتي العلاج بمصر فسوف أسافر لها بالطريقة الرسمية.. وحاليا سابقى مع عائلتي بعطبرة لمباشرة العلاج.. وعبركم أتقدم بالشكر والعرفان لأهلي ومعارفي وكل مواطني مدينة عطبرة لوقوفهم ومساندتي في محنتي ومشاركتهم المقدرة في تشييع إبنتي الشهيدة (يسرى) لمثواها الأخير بمقابر عطبرة.. كما لا يفوتني الإشادة والشكر لصحيفة (أصداء سودانية) ــ إدارة وصحفيين ــ لإنفعالهم بالحادث وحرصهم على نقل تفاصيله الحقيقية لقرائها وللرأي العام السوداني بالداخل والخارج .. جزاهم الله جميعا عنا كل خير.. كما أنصح وأناشد كل عائلة او شخص يحاول دخول الشقيقة مصر عبر التهريب ان لا يقدم على هذه الخطوة الخطيرة المحفوفة بالمخاطر، من عطش وجوع ومرض وتوهان في الصحراء”.