
عام الطوفان الأول ورسالة العدالة
عادل الحامدي
يكاد العام الأول من الطوفان ينتهي، ومعه ذهبت أرواح عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء إلى الديار التي لم يعد من الذاهبين إليها أحد، وتغير وجه غزة بالكامل، حتى لكأنها لم تكن موجودة في التاريخ.. ولا شيء تغير في عالمنا العربي المتسابقة بلدانه إلى تكرار ذات الانتخابات التقليدية التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من نكبات وويلات.. نسب الفوز العالية التي لم يحصل عليها خاتم الأنبياء والمرسلين المدعوم برسالة السماءبين بني البشر، هي الرسالة الأبرز لشعوبنا الموجوعة لا أقول بجرح غزة وفلسطين وأقصاها، وإنما بغياب الآدمية عنه، بعد أن استحال إلى مجرد رقم للاستخدام ليس إلا..
ربما يكون من الترف الفكري والسياسي والإنساني أن يكتب أحدنا عن أس البلاء في عالمنا العربي، وهو غياب التثمين الحقيقي لقيمة الإنسان، الذي كرمه الله عز وجل وجعله خليفة له في الأرض.. في ظل حروب الأبادة التي لم تعد تقيم وزنا للإنسان أصلا.. ولعل بعض قراء هذه الصحيفة السودانية المثقلة بهموم شعب أصيل تدفعه فطرته إلى حب الخير للجميع، وتقديم الإنساني على غيره من الأولويات.. يسألني: وما حاجتنا إلى ديمقراطية غربية تبين أنها لا تعدو أن تكون خدعة لتحطيم أوطاننا والاستقواء عليها بقوانين منافية لديننا وهويتنا وأصالتنا؟
ويسألني قبل ذلك أيضا: عن أي ديمقراطية وحريات تتحدث يا هذا، بينما ملايين السودانيين في مخيمات النزوح وبلدان اللجوء، فقط لأنهم أرادوا أن يعيشوا أحرارا في بلادهم، حتى بقليل من الكسرة اليابسة والقيلة الذاوية؟
ويزيدني ثالث السؤال الأكثر إيلاما: يا هذا، ما أقسى حديث الواقفين على الربوة وهم يقرأون واقعنا من موقع التأمل عن بعد في موت واقف لآلاف العرب والمسلمين من السودانيين وغيرهم منذ أكثر من عام.. أي من قبل أن يبدأ الطوفان على مقربة من الأقصى؟
من السودان إلى غزة، إلى طرابلس وصنعاء ودمشق وقبلهم بغداد.. البقاء على الحياة وحده يعتبر إنجازا لشعوب بأكملها، ذنبها الوحيد أنها تحلم بأن تترجم معاني الإنسانية والقوانين الدولية ذات الصلة بحقو الإنسان إلى أمر واقع.. وهذا هو في الحقيقة أساس معاناتنا جميعا، عندما نقتنع فعلا بأننا بشر يحق لنا ما يحق لغيرنا ويجب علينا ما يجب على غيرنا، وأنه لا يوجد قانون يجعل منا بشرا من درجة ثانية أو ثالثة أو رابعة ويحول دوننا ودون تحقيق شروط آدميتنا..
عشرات الآلاف استشهدوا من دولنا العربية والإسلامية وهم يدافعون عن قيم الحياة والإنسانية والعدالة والمساواة.. لكن الأكيد أيضا أن قوى الظلم والاستكبار والاستعلاء تتألم وهي أقرب من أي وقت مضى إلى التهاوي، وصور ذلك متعددة إن في غياب الأمن والاستقرارلا فيها، أو في ظل أزمات اقتصادية خانقة تنذر بانفجار اجتماعي محتمل.. وعموما فالأيام دول..
لقد أثبت عام الطوفان الأول، بكل أحزانه ومآسيه الإنسانية التي تابعناها جميعا عبر مختلف قنوات العالم الفضائية، أن الدونية ليست قدرا حتميا على العرب والمسلمين وأبناء العالم الثالث، بل هي ثمرة جهود استعمارية ذات طبيعة امبريالية سرعان ما تتهاوى أمام إرادة الحياة، والقناعة التامة بالثابت من القيم الإنسانية التي خلقنا الله عليها، وهي أننا كلنا لآدم وآدم من تراب..
الرسالة الأهم التي يمكن استخلاصها من عام الطوفان الأول، أن الأمن والاستقرار والسلام هو نتيجة وليس منطلقا.. المنطلق هو العدل والمساواة بين بني البشر في الحقوق والواجبات، ومتى ما انعدم العدل انعدم الأمن والاستقرار وغاب السلام..
كاتب وإعلامي مقيم في لندن