العلاقات الصينية الإفريقية.. الفرص والتحديات
السفير د. صلاح حليمة
شهد العقدان الماضيان تناميا وتصاعدا لتحركات قوى قطبية وشبه قطبية, الصين, روسيا, الهند, الولايات المتحدة ودول غربية وقوى إقليمية عربية، وأخرى بالجوار العربى تركيا وإيران ـ بهدف استثمار موارد القارة البكر وثرواتها الضخمة المتنوعة تحقيقا لمصالح ذات أبعاد أمنية وسياسية واقتصادية.
لقد تمحور الصراع والتنافس على مقدرات القارة الإفريقية وثرواتها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضى وحتى الآن، بين الصين وأمريكا، ولكن فى إطار اصطفاف، أو استقطاب وتقاطع بين القوى الإقليمية والدولية. لقد بدأ واضحا ومؤخرا أن النفوذ وقد تشكل بصورة تدريجية على مدى تلك الفترة لصالح الصين مقابل تراجع نسبى لدور الولايات المتحدة ومن خلفها حلفاؤها الغربيون.
واقع الأمر أن الصين برؤية إستراتيجية اعتمدت فى تحقيق هذا الإنجاز الاستراتيجى عبر آليات فاعلة إيجابية وبناءة فى إطار علاقاتها مع دول وشعوب القارة الإفريقية، تمثلت أساسا فـى آلية رئيسية هى منتدى التعاون الصينى الإفريقى ( منذ عام 2000 كل 3 سنوات)، وآليات مساعدة تبدو شبه مستقلة، ولكنها تتقاطع معها. أولاها، مبادرة الحزام والطريق ( بدأت عام 2013) بمشاركة 150 دولة تساهم بحوالى 40% من اجمالى الناتج العالمى ثلثى سكان العالم ـ وإن كانت تتعلق أساسا بالبنية التحتية فإنها تتعلق ايضا بتنمية إقليمية، لدول ومناطق معينة على امتداد المبادرة لتبدو فى المجمل برؤية عامة وكأنها تنمية عالمية. وفى الحالتين أى البنية التحتية والتنمية الإقليمية هناك استفادة محققة لبعض دول وشعوب القارة الإفريقية ومن بينها مصر. وثانيتها، منتدى التعاون العربى الصيني، حيث يتقاطع مع منتدى الصين إفريقيا بوجود عشر دول عربية / إفريقية من بينها مصر فى الإطار العربى مما يتيح فرصا وآفاقا أرحب لتعميق العلاقات بينها وبين الصين لتشكل إضافة إلى الرصيد التراكمى المتوافر عبر الآلية الاولى. وثالتثها: عضوية دول عربية/ افريقية بتجمع دول البريكس من بينها مصر. ومما لاشك فيه أن هذه العضوية تتيح لها فرصا تعزز من علاقاتها بالصين أيضا يضاف الى الرصيد التراكمى العلاقات الصينية الإفريقية، ورابعتها: العلاقات الثنائية بين الصين ودول إفريقيا والتى تشهد زخما قويا مع العديد منها بما ينعكس على العلاقات بين الصين ومجمل الدول الإفريقية أيضا.
فى المقابل، ولمواجهة المنتدى الصينى الإفريقى تبنت الإدارة الأمريكية فى عام 2019 إستراتيجية إفريقيا المزهرة للتعاون المشترك بين الجانبين، مستهدفة زيادة حجم التبادل التجارى والاستثماري، وذلك عبر 17 وكالة حكومية، إلا أن الاستراتيجية لم تحظ بالتأييد الكافى لتصبح قانونا، وظلت حبيسة فى إطار يتبع توجيهات السلطة التنفيذية الرئاسية والتنسيق بين الوكالات ففقدت كثيرا من فاعليتها.
جاء منتدى التعاون الصينى الإفريقى فى نسخته التاسعة فى سبتمبر 2024 ببكين، تحت شعار «التكاتف من أجل دفع التحديث وبناء مجتمع صينى إفريقى رفيع المستوى ذى مستقبل مشرق», ليعزز من فرص توسيع نطاق التعاون وتعميقه بين الجانبين على المستويين الحكومى والشعبى عبر القوى الناعمة ـ فى مجالات:
أولا، قائمة، أبرزها البنية التحتية والعلاقات التجارية والاستثمارية، حيث أضحت الصين الشريك التجارى الأول مع افريقيا بحجم تبادل تجارى بلغ نحو 282 مليار دولار ( عام2000 حوالى 14 مليار دولار)، حتى يونيو عام 2024 تم إقرار تعريفات جمركية صفرية على 98% من المنتجات الخاضعة للتعريفة، إبرام اتفاقات حماية الاستثمار ومنع الازدواج الضريبى مع 34 دولة ومع 21 دولة على التوالي، بلغ حجم الاستثمارات فى البنية التحتية 2006 حتى 2021 نحو 195 مليار دولار، كانت الصين قد خصصت عام 2015 نحو 60 مليار دولار لمشروعات افريقية على مدى ثلاث سنوات ، كما خصصت 50 مليار دولار عام 2018 على مدى ثلاث سنوات.
وثانيا مستحدثة، فى إطار خطة عمل من بين مخرجات المنتدى، تعد نقلة نوعية فى إطار العلاقة بين الجانبين، تم تخصيص 50 مليار دولار لمشروعات لدول القارة الإفريقية فى المجالين الصناعى والزراعى والبنية التحتية الكبيرة، ومشروعات ترتبط بالاقتصاد الأخضر ونقل التكنولوجيا الحديثة ومنتجات صديقة للبيئة، بجانب مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة والهيدروجين الأخضر، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. فضلا عن مجالات اجتماعية ترتبط بالقطاع الصحي.
واقع الأمر أيضا أن المردود الأمنى والسياسى لتلك العلاقة يتمثل فى كسب الصين أصوات كتلة تصويتية تضم ما يقرب من 55 دولة فى المحافل الدولية، وبالمقابل تأييد الصين لقضايا تلك الدول عند المقتضى، بل وإمكانية أن تضطلع بدور فى تسوية نزاعات بين دول بالقارة، كما أن تلك العلاقة تتيح للصين إمكانية أن تقيم قواعد عسكرية لتأمين مصالحها الاستراتيجية فى إطار الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وهو ما حدث بالفعل بإقامة قاعدة عسكرية بجيبوتى، واخرى يتجه بل ربما جار إقامتها بدولة فى غرب إفريقيا.
يبدو جليا من واقع ما تقدم ان مصر بحكم اعتبارات كثيرة تتمتع بوضعية متميزة فى الآليات الأربع المشار اليها، ويمكن استثمار هذه الوضعية لتعظيم المصالح الإستراتيجية المصرية فى مجالات عديدة ذات بعد أمنى وسياسى واقتصادى تتعزز معها الشراكة المصرية الصينية.
تتبقى الإشارة الى تحديات تواجه العلاقات الصينية الإفريقية، تتعلق الأولى بمشكلة الديون المستحقة للصين تجاه الدول الإفريقية وتصل الى نحو 135 مليار دولار تم إقراضها لدول إفريقية للتنمية وتحتفظ الصين بنحو 20% أو كل الديون المستحقة على الدول الإفريقية لدول العالم. وهناك مقترحات بشطبها او تخفيفها أو تكون مقابل مشروعات… والثانية تتعلق بزيادة الصادرات الإفريقية إلى الصين بنحو 300 مليار دولار، وهناك تفاهمات تجرى فى هذا الصدد .