آخر الأخبار

عبد القادر سالم والموشحات الأندلسية… ( لحمة منسية بين ضفاف الطرب)

 

كابتن محمد حسن الطاهر

*في رحيل الفنان السوداني الكبير عبد القادر سالم، لا نودّع صوتًا فحسب، بل نودّع ذاكرةً موسيقيةً كانت تجسيرًا بين ضفاف النيل وأصداء الأندلس. وبينما نرثي هذا الصوت الذي خفت، نعود إلى جذور الفن الذي جمع بينه وبين الموشحات الأندلسية، تلك اللحمة المنسية التي تربط بين وجدانين تفصل بينهما الجغرافيا وتوحدهما الروح.

فنٌّ من ذهبٍ مطرّزٍ بالشعر:

*الموشحات الأندلسية هي شكلٌ فنيٌّ شعريٌّ وموسيقيٌّ نشأ في الأندلس في القرن التاسع الميلادي، تميّز ببنيةٍ شعريةٍ غير تقليدية، تتألف من أقفال وأبيات تتناوب بين الفصحى والعامية، وتُغنّى غالبًا بمرافقة آلات كالعود والناي والرباب. ارتبط هذا الفن بالأندلس لأنه وُلد من رحم التعدد الثقافي والديني الذي ميّز تلك الحقبة، حيث تمازجت العربية بالأمازيغية والإسبانية واللاتينية، فكان الموشح تعبيرًا عن هذا التداخل الحضاري.

الفن اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع:

*في عالمٍ تتعدد فيه اللغات وتختلف فيه الثقافات، يبقى الفن هو:

– اللغة الوحيدة التي لا تحتاج إلى ترجمة.

– القادر على اختراق الحواجز، وتوحيد الوجدان، وإثارة المشاعر ذاتها في قلوب الناس مهما اختلفت ألسنتهم.

 

قال أحد الفلاسفة:

الفن هو الحقيقة الوحيدة التي لا تحتاج إلى إثبات.

*وبهذا المعنى، فإن الموشحات الأندلسية وأغاني عبد القادر سالم ينتميان إلى ذات العائلة.. عائلة الإحساس الإنساني المشترك.

عبد القادر سالم والموشحات (تشابه الروح واختلاف السياق):

*رغم أن عبد القادر سالم لم يغنِّ موشحات أندلسية بالمعنى التقليدي، إلا أن ثمة خيوطًا خفية تربطه بهذا الفن العتيق في التشابه:

– كلاهما اعتمد على الشعر الغنائي الرقيق، الذي يصف الحب والطبيعة والحنين.

– كلاهما وظّف المقامات الموسيقية الشرقية، وإن اختلفت الآلات.. كلاهما وُلد من بيئةٍ متعددة الثقافات.. الأندلس بتنوعها الديني والعرقي، وكردفان بتنوعها القبلي والإثني.

-الموشحات نشأت في بلاط الملوك، بينما نشأ فن عبد القادر في الساحات الشعبية.. الموشحات تميل إلى التعقيد اللحني، اما عبد القادر فكان يميل إلى البساطة التي تُلامس القلب مباشرة.. الموشحات تُغنّى غالبًا جماعيًا، أما عبد القادر فكان صوتًا فرديًا يحمل عبق الجماعة.

وداعًا لصوت كردفان:

*غاب عنا عبد القادر سالم، أحد أعمدة الغناء السوداني، وصوت كردفان الذي حمل ترابها في حنجرته. لم يكن مجرد مغنٍّ، بل كان سفيرًا للثقافة السودانية،   ومجددًا في الأغنية الكردفانية، وناقلًا لتراثها إلى آفاقٍ عربيةٍ وعالمية

برحيله، فقدنا جسرًا بين

الماضي والحاضر،

البادية والمدينة،

السودان والعالم

*لكن كما بقيت الموشحات الأندلسية رغم زوال الأندلس، سيبقى صوت عبد القادر سالم حيًّا في الذاكرة، يهمس لنا بأن الفن لا يموت، بل يتحوّل إلى طيفٍ يرافقنا، ويذكّرنا بأننا، رغم اختلافاتنا، نغني بلغةٍ واحدة: لغة القلب

*رحم الله عبد القادر سالم، وجعل صوته نورًا في عليائه