و إنفرط العقد الحلقة الحادية عشر

من المسافة صفر _ د/سلوي حسن صديق 

 

كان دخول التتار الجدد الي مدينة واد مدني بمثابة إنفراط العقد، فقد أوي اليها الناس زرافات و وحدانا بعدما حل بولاية الخرطوم ما حل . اصبحت كما الأمهات هي البديل و الحاضنة للكل بلا فرز او تمييز .

سارت حياتهم فيها بما تيسر و باشروا اعمالهم الجارية وبعضهم إمتهن مهنة جديدة ليعتاشوا منها عشما في تغيير الحال وإستبشارا بفرج قريب.

إطمأن الناس الي ان قربهم من العاصمة سيقصر ايامهم في النزوح والهجرة وماهي إلا ايام معدودات حتي يبدا الجيش يرتب الأوضاع و يستعيد الأمن ..عشم وحب وانتظار .

وهكذا مضت حياة الناس حبلي بالحكاوي والقصص التي فاقت تصور العقل السليم ومابين مصدق و مسلم للحياة الجديدة في الولاية المضيافة ومكذب لواقع الحال،

حدث مالم يكن في الحسبان.

لقد إجتاح البغاة المدينة دخلوا عليها من كل اقطارها و بلا مقدمات كانوا كمطر بلا سحاب اورعد.

تشتت الناس كلهم، النازخون واهل البلد الاصيلون . ضاقت عليهم الأرض بما رحبت بعد ان جرب الكثيرون منهم معاملة الأوغاد وعرفوا وتعرفوا من خلالها علي اخلاقهم وتأكدوا انهم قوم بلا مثل ولاصفات كأنهم لم يسمعوا بكلمة أسرة او مجتمع او حياة سوية .

اناس يجمعهم القتل والدمار وتفرقهم الغنائم و الأموال .

كان رب الاسرة وبطل القصة ممن نزح بعد الحرب بعد حياة امنة في الخرطوم الوادعة الجميلة .

بذل من اجلها سني غربته وهيأ لها كل شئ ليكون السودان محطته الاخيرة و ملاذه الآمن هو و اسرته الصغيرة الحنونة.

إغتنم فرصة قبول إبنته بالجامعة فحزم امره وهزم تردده في العودة ثم توكل علي الله يحدوه امل في العطاء اللامحدود لبلد الجمال التي احبها حد الوله.

كانت ايامه بعد العودة مثل الاحلام دائما ما يكتب ويبوح محدثا الناس عن جمال لحظاته وفرحته ببناته وانهن وووالدتهن جنته في الارض .

كانوا مختلفين في كل شئ ، شعارهم الحب والعطاء كانوا يجهرون حيث يخفي الناس مشاعرهم .

لا يتهيبون البوح وكيف يتهيبونه وهو حياتهم الجميلة .

في ذاك اليوم القاسي خرج الناس وتشتتوا علي اطراف الشوارع كلهم علي جوانبها يبتغي سبيلا .

منهم من اضمر التوجه جنوبا ومنهم من ينتوي التوغل الي داخل الولاية وكلهم يخشون علي بناتهم واسرهم ويبحثون عن طوق النجاة خاصة وأن كثير من النازحين جاءوا بلا امتعة فقد سلبهم الاوغاد مالهم وعرباتهم.

جلست اسرته الصغيرة بصحبة الاسرة الكبيرة ومجموعات من الاهل في انتظار ما يقلهم نحو الوجهة التي يقدرها لهم المولي.

في ذلك الوقت العصيب والهمس الجهير والنحيب والجميع غير منتبه ولا مكترث من علو الاصوات والجلبة جاءت عربة كبيرة خاطفة كالبرق كأنها بلا كوابح ومن سرعتها وحركتها الغريبة إنقلبت فهوت في مجموعتهم .

كان المشهد حزينا وتفاصيله قاسية ومؤلمة فقد إحتسب رب الاسرة ومن معه خمسة من العائلة كلهم ارداهم الحادث قتلي.

شاءت الاقدار ان يكون من بين المفقودين زوجته الحبيبة التي عاشت معه انضر ايامه واسعد لحظاته.

ثم صغيرته كانت هي الاخري مفقودة .

كرر نداءاته فقد كان فقدها لغزا والما وحسرة

حتي تبين في اليوم التالي ان جثمانها تحت العربة المقلوبة في الترعة المجاورة.

اخذ الاب المكلوم يجمع شتات ما تبقي من العائلة والاسرة الصغيرة ثم توجه لمدينة اخري وبصحبة صغيرتين هما من تبقي له من الاسرة إحداهما مصابة من جراء الحادث اللعين..

جرح نازف ودموع ودم وافئدة مزقها الحزن .

الحمد لله علي قضائه..وقاتل الله الأوغاد ثم قاتلهم ومن سلطهم علي اهل السودان.