د.لمياء عبد الغفار لـ(أصداء سودانية) : ” ستضيع أجيال بسبب الحرب “

 

  • أجرينا عمليات إجهاض لـ(فتيات) إغتصبتهم مليشيا الدعم السريع
  • حدثت هزة عنيفة في التماسك الإجتماعي بسبب الحرب
  • تم حرق وتدمير المراكز العلاجية لجمعية تنظيم الأسرة
  • الحكومة يجب أن تلعب دور كبير في توجيه المنظمات للمناطق الأكثر حوجة
  • هناك أجيال ستضيع بسبب الحرب و(اليونيسيف) تتحدث عن (12) مليون طفل خارج التعليم
  • لم تتم معاملة السودانيين في بعض دول اللجوء بالصورة المطلوبة من المنظمات الأممية

حوار – طارق كبلو:

الدكتورة لمياء عبد الغفار خبيرة في مجال العمل الإنساني وناشطة في مجال عمل المرأة ، تقلدت عدد من المواقع في مؤسسات القطاع العام أبرزها، رئيس للألية الوطنية لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة و مستشارالسياسيات للاتحاد الدولي لتنظيم الأسرة ، ورئيس لجنة التدريب والتشغيل بمبادرة إسناد السودانيين المتأثرين بالحرب في مصر، والدكتورة لمياء لديها خبرات كبيرة ونشاطات عديدة نتعرف عليها من خلال هذا الحوار، مستصحبين ما يحدث في السودان وأثارالحرب التي طالت البلاد وتأثرت بها قطاعات واسعة ،بالأخص المرأة.. فإلى مضابط الحوار…

*مرحب بيك دكتورة؟
-مرحب بيك أستاذ طارق ، وأهلا بـ(منصة أصداء سودانية)
*نتعرف عليك ؟
-أنا عملت بعدد من المؤسسات الحكومية والخاصة أبرزها المجلس القومي للسكان ،وعملت في إدارة المرأة بوزارة التنمية الإجتماعية ، ودا خلاني قريبة من السياسات التي تمت صياغتها في فترات مختلفة خاصة المتعلقة بالمرأة في السلم والحرب, والسودان صاغ خطة للمرأة في السلم والأمن عبر وزارة التنمية الإجتماعية.
*من الأشياء غير المقبولة ما تعرضت له النساء و الأطفال وكانت الحرب ضد الناس وممتلكاتهم و إنتهاكات كثيرة تعرضت لها المرأة, نود أن نتحدث عن ذلك وتأثيره حاضراً ومستقبلاً ؟
-الحرب التي تدور في السودان كان لها تأثير كبير على النساء والرجال والأطفال وفئات ذوي الإعاقة ، والحرب بدايتها كانت في العاصمة الخرطوم المكتظة بالسكان, حيث يقارب عدد المواطنين في الخرطوم 15 مليون، وهذا ما جعل أثر الحرب واضح جداً و الأسر السودانية إضطرت لمغادرة منازلها ومناطقها بسبب الحرب والسلاح والقصف, ومع ظهور السلاح الجديد الذي إستخدمته قوات الدعم السريع وهو سلاح العنف ضد النساء والإنتهاكات الإنسانية في ما يخص العنف الجنسي والإستغلال الجنسي ، والزواج القصري والإغتصاب ودي من الأسباب الرئيسية لترك الأسر لمنازلها والخوف من الإهانة والإذلال و إنتهاك كرامة الإنسان والمرأة, و بعد إتساع الدائرة الجغرافية في الجزيرة ودارفور وكردفان وكان لها تأثير كبير في إعادة نزوح الناس حيث تم النزوح من الخرطوم للجزيرة و من الجزيرة للقضارف وبعدها الناس عبرت الحدود إلى دول الجوار ، مثل جنوب السودان وارتريا وتشاد ومصر وإثيوبيا ، وكانت مصر هيالدولة التي إستقبلت أكبر عدد من اللاجئين السودانيين حيث لجأ إلى مصر أكثر من مليون سوداني حسب ما أعلن من إحصائيات.

*حالة اللجوء والهجرة لمكان غير مألوف ونمط حياة غير مألوف وتأثيره النفسي .. النزوح واللجوء كان بشكل مختلف و دون ترتيب ،ماهي تأثيراته النفسية على الكبار والصغار ؟
-المفاجاة التي حدثت للسودانيين بسبب الحرب و العنف الذي حدث لهم ونهب ممتلكاتهم حيث أدت الحرب إلى إفقار الإنسان السوداني, وحتى القطاع الخاصة تعرض لأضرار كبيرة جداً، والحرب أدت إلى إفقاركل السودانيين ، ولم توجد بعد الحرب فرص للعمل ولا فرص لكسب العيش الكريم ، والذين لجأوا إلى خارج السودان بعضهم خرج بمدخراته القليلة وأحلام و آلام كبيرة ، وكان الكثيرين يعتقدون أنهم سيرجعوا إلى بلادهم وديارهم بعد أشهر معدودة, ولكن المؤسف أن الحرب الآن قاربت للعامين و الناس وصلت لمراحل صعبة وهناك من عادوا إلى السودان وهم يواجهون تحيدات كبيرة للعيش في الولايات الأمنة ، وهي أيضاً تضررت من أثار الحرب ، أبرزها إرتفاع أسعار الإيجارات بسبب التضخم، وضيق فرص العمل ومصدر الدخل لا يفي بالإلتزامات حتى في حال عودتهم إلى وظائفهم ، التحديات كبيرة ، فضلا عن الخدمات الصحية الضعيفة و ظهور الكوليرا و حمى الضنك وغيرها من الوبائيات ، التي حدثت بسبب عدم وجود الخدمات الصحية وضعف الصحة العامة ، ومسألة التعليم ، (دي قصة) مختلفة, هناك أجيال ستضيع بسبب الحرب واليونيسيف تتحدث عن 12 مليون طفل خارج التعليم في السودان وهذا في حد ذاته تحدي كبير ، لأن هؤلاء الأطفال يتعرضون لتحديات نفسية كبيرة بسبب الحرب ، وعدم وجود المدرسة و الأصدقاء والبيئة المناسبة التي يجب أن ينشأوا فيها ، وفي كثير من دول اللجوء أيضاً تواجه اللاجئ السوداني تحديات كبيرة ، ولا يتم تنفيذ الإتفاقيات الدولية لأن اللاجئ منذ دخوله البلد المضيف يجب أن تتوفر له الحقوق الأساسية التي كفلتها مواثيق حقوق الإنسان والمواثيق الدولية وهي أن يجد مكان أمن للعيش ، وأن تقدم له الخدمات الصحية وحفظ كرامته ،لكن للأسف السودانيين في دول اللجوء لم يجدوا هذه المعاملة ، (ما دايرين نقول في تمييز), ولكن السوريين كانت أوضاعهم أفضل في المعاملة في كثير من الدول ، حتى مفوضية اللاجئين نفسها معاملتها للاجئين السوريين والاوكرانيين وغيرهم تختلف عن معاملة السودانيين ، وتمت تغطية إحتياجاتهم بأكثر من 90 % ، وهنا يقفزالسؤال لماذا السودانيين بالذات، وصحيح الأسر والمغتربين و بعض الجهات المجتمعية قدموا دعمهم للسودانيين داخل وخارج السودان ولكن هناك جهات أخرى أيضا كان يجب أن تلعب دور أكبر وتلتزم ، خاصة المنظمات والمؤسسات الأممية.
*المنظمات الدولية والجمعيات يجب أن تلعب دوركبير, كيف تنظرين إلى إمكانية الإستجابة لإعادة الحال في محورالهجرة واللجوء ؟
-في السودان (منظمة أوشا) هي المنظمة الكبيرة المسؤولة من الإشراف على أداء الوكالات الأممية التي تعمل في السودان, وهي التي تصدر كل التحديثات والتقارير, منظمة أوشا أصدرت خطة للإستجابة الإنسانية في العام 2024 م، وضعت مبلغ أكثر من 6 مليون دولار تم تغطية ما يقارب 50 % فقط من المانحين من المنظمات الدولية ، وتساؤلنا لماذا لا يستجيب المانحين لمكتب الأمم المتحدة ، وفي بداية الأزمة معظم المنظمات العاملة عادوا إلى السودان ، وهذه من نقاط الضعف لأنه لا يوجد موظفين رغم إدعاءاتهم بأن الأوضاع في السودان غير مستقرة ، ولا توجد ممرات أمنة لإيصال المساعدات كل هذه الإدعاءات تم ضحدها و تجربتنا في جمعية الأسرة السودانية بدأنا العمل منذ ثاني يوم للحرب عبرالهاتف والإنترنت وتم توزيع الأدوار، وتم إعتماد قائمة القابلات من قبل وزارة الصحة الإتحادية في ولاية الخرطوم بعد حصرها من قبل الجمعية، وقمنا بتوزيع شبكة القابلات في كل السودان ، وهناك تاثير إيجابي حيث تمت عدد من عمليات الإنجاب في المجتمعات وهذا مثال واحد ، الأمثلة الأخرى ، بعد إسبوعين من الحرب قمنا بفتح مكاتبنا في 14 ولاية و باشرت جمعية الأسرة السودانية عملها في تقديم الخدمات الصحية للأمهات والأطفال حديثي الولادة وتقديم الخدمات الأخرى ، وعملنا في الجمعية في مجال الرعاية الصحية للأسر ، وبعدها بدأت المساهمات تصلنا من المانحين عبر حسابات الجمعية في البنوك ، و(مافي مشكلة أنو يجيك تمويل من الخارج وفرق عملك تقدر تشتغل أثناء الحرب رغم وجود تحديات) ، نعم إننا فقدنا أرواح زملاء أعزاء خلال تقديمهم هذه الخدمات في دارفور وتم حرق العيادات المتنقلة ونهبت عدد من العيادات الثابتة في بعض الولايات، ولككنا رغم ذلك لم نوقف العمل ورغم ذلك إستمرينا في تقيدم المساعدات للنازحين في معسكرات الإيواء عبر العيادات المتنقلة وعبر الفرق المتجولة وتقدم الخدمات, وخلال تواجدنا للعمل في أوساط النازحين تحدث للجمعية عدد كبيرمن النساء عن الإنتهاكات التي مورست ضدهم وأعمال الإغتصاب التي تعرضوا لها ، وأعطينا الناجيات حبوب الإجهاض وأجرينا عدد من عمليات الإجهاض في المستشفيات والمراكز الصحية, وهذه الإستجابة عرفتنا على ما حدث للنساء في الحرب حتى للناجيات، والحكومة يجب أن تلعب دور في توجيه المنظمات للمناطق الأكثر حوجة وتكون هناك تقارير تعكس الممرات الأمنة لمرور المساعدات بالتنسيق مع مفوضية العون الإنساني في الولايات.
*معالجة حالات الإغتصابات والإجهاض هذه وصمة صعبة في حياة المرأة ، العلاج النفسي لمثل هذه الحالات كيف يتم ؟
-الحرب أثارها في كل الدول قاسية ، وهي حرب مختلفة تماما عن الحرب التي دارت في الجنوب و الحرب في دارفور ، في هذه الحرب الناس فقدوا الحاضر والمستقبل ، وفقدنا الأمان الداخلي ونحن الآن نتمنى أن تتوقف هذه الحرب تقيف, وبعد أن تتوقف (حترجع وفي ذهنك كثير من الأسئلة هل حنقدر نرجع ونعيش) ، والتماسك الإجتماعي حدثت فيه هزة عنيفة والحكومات السابقة كانت تنبذ القبلية و الجهوية ونحن الأن نتحدث عن القبائيل ودولة 56 وهذا نقاش صعب ، لذلك التعايش مجدداً يحتاج زمن لأن القضية ليست نزوح أو لجوء ، وكانت الحرب محاولة لمحو السودان من الوجود ، (ورجوع الدولة ماحاجة سهلة) وتحتاج إلى تكاتف الجهود من كل الجهات.
*اللافتات والثقافات المتداولة بين السودانيين .. نحن عندنا حاجات سيئة تمت ممارستها خلال الحرب ، هل صحيح ؟
– من الأثار النفسية للحرب .. نحن الأن يجب أن نتكلم بايجابية ولابد من بث الأمن ، الإنسان السوداني حزمة من قيم ونحن طبعنا (بشوشين) ونتعامل ب (طيبة كبيرة) ، والحرب أوضحت بعض السلبيات لأن السرقات التي تمت لم تكن كلها من قبل المليشيا , هناك سرقات تمت من بعض الجيران والناس البعرفوك ، والناس النزحوا للولايات في الجزيرة تم استغلال نزوحهم وكانت أسعار الايجارات والسلع فيها إستغلال كبير ، والوافدين كان يجب أن يسكنوا بدون مقابل ، وأي شخص كان (داير يوفر لبكرة) ، ونحن عندنا قيمة كبيرة من التسامح ، المرتزقة من الخارج آثروا سلباً على السودانيين ، ونخشى أن تستمر أثارالحرب النفسية, وهذا كله محتاج جهد كبير لعودة الأطفال لحياتهم الطبيعية مثلا, وهذه ليست مسؤولية الأب والأم بل مسؤولية الدولة, والمرأة قامت بأدوار كبيرة في الحرب وأمنت أبناءها من العنف والنساء خرجوا وهم مسؤولين ويوفروا إحتياجات الأسرة, والمرأة السودانية صمدت وصبرت خلال هذه الحرب
*أخيرا ماذا تقولين؟
-يجب أن نعلي قيمة الوطن ونتحدث عن أدوار عظمى للمرأة السودانية ونتمنى الرجوع للوعي و الصواب.