كيف يُهرب ذهب المليشيا للخارج؟؟

 

  • مسؤولون بالمخابرات اليوغندية والجنوبية متوروطون بتهريب الذهب
  • ما هو علاقة طحنون (شقيق أبن زايد) بأكبر شركات الذهب في السودان؟
  • كيف تحول حميدتي من تاجر ابل لأمير حرب واثرى أثرياء السودان
  • من يساعد المليشيا على التنقيب عن اذهب والماس واليورانيوم في (سونقو)؟؟

إعداد للنشر وترجمة: أصداء سودانية
كشف تقرير خطير نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أعده (ديكلان والش) عن تورط دول ومسؤولون لدول الإقليم في تهريب الذهب التابع للمليشيا والذي تقوم باستخراجه من مناجم سونقو في محمية الردم في جنوب دارفور ،وتتبع التقرير الذي حمل أسم (حمي الذهب في قلب حرب السودان) و طرق التهريب ومن يقوم بالتهريب وكيفية دخول المليشيا وقائدها المتمرد حميدتي في تجارة والذهب وكيف تحول من تاجر ابل إلى أمير حرب في السودان .
وحطمت الحرب اقتصاد السودان، وحولت جزءاً كبيراً من العاصمة التي كانت ذات يوم مصدر فخر إلى أكوام من الأنقاض. ولكن تجارة الذهب تزدهر. فقد تجاوز إنتاج وتجارة الذهب ، مستويات ما قبل الحرب وهذا مجرد الرقم الرسمي في بلد يعج بالتهريب.والواقع أن مليارات الدولارات من الذهب تتدفق من السودان في كل اتجاه تقريبا.
مسرح جريمة عملاق
ولكن بدلاً من استخدام المكاسب غير المتوقعة لمساعدة جحافل الجوعى والمشردين، تستخدم المليشيا الذهب لتمويل قتالها.ويساعد في دفع ثمن الطائرات بدون طيار والأسلحة والصواريخ التي قتلت عشرات الآلاف من المدنيين وأجبرت أكثر 11 مليون شخص على النزوح من منازلهم. إنه الجائزة التي يحصل عليها المرتزقة الذين نهبوا العديد من البنوك والمنازل حتى أصبحت العاصمة الآن أشبه بمسرح جريمة عملاق، ويتباهى اتباع المليشيا بسعادة بأكوام من المجوهرات المسروقة وسبائك الذهب على وسائل التواصل الاجتماعي.
تاجر الابل وأمير الحرب
وتوصف (نيويورك تايمز) قائد المليشيا بانه تاجر إبل تحول إلى أمير حرب، وقد أصبحت قواته قوية بعد استيلائها على أحد أكثر مناجم الذهب ربحية في السودان في عام 2017 (جبل عامر). وأصبح المنجم حجر الزاوية لإمبراطورية بمليارات الدولارات حولت مجموعته المسلحة، إلى قوة هائلة.و باع حميدتي المنجم لاحقًا للحكومة مقابل 200 مليون دولار، مما ساعده في شراء المزيد من الأسلحة والنفوذ السياسي.الا ان كل هذا لم يكفي تاجر الإبل بل قاده طموحه للحرب مع الجيش السوداني.
واشتد لهاث وسعي حميدتي على الذهب بعد اندلاع الحرب التي خطط لها . وفي إحدى هجماته استولى على المنجم الذي باعه للحكومة. وبعد أسابيع، زحفت مليشيته على مصفاة الذهب الوطنية في العاصمة أيضًا، وسرقوا سبائك الذهب بقيمة 150مليون دولار حسبما قالت الحكومة.
الامارات والذهب
وتعمل الإمارات على إشعال فتيل الحرب. ففي ساحة المعركة، تدعم المليشيا، وترسل إليها طائرات بدون طيار وصواريخ قوية في عملية سرية تحت ستار مهمة إنسانية.ولكن عندما يتعلق الأمر بالذهب، يساعد الإماراتيون أيضًا في تمويل الجانب المعارض. تمتلك شركة إماراتية، مرتبطة من قبل مسؤولين بالعائلة المالكة، أكبر منجم السودان. وتسلم جزءًا كبيرًا من المال لآلة الحرب .
وسائل التهريب
وتنقل الدراجات النارية والشاحنات والطائرات الذهب من البلاد عند كل منعطف، وتنقله عبر الحدود (المسامية) مع الدول المجاورة للسودان. وفي نهاية المطاف، ينتهي الأمر تقريبًا في الإمارات ، الوجهة الرئيسية للذهب المهرب من السودان، وفقًا لوزارة الخارجية السودانية.
وعلى طول الطريق لايصال الذهب إلى الإمارات ، يأخذ المستفيدين من التهريب نصيبهم ( المجرمون، وأمراء الحرب، ورؤساء التجسس، والجنرالات، والمسؤولون الفاسدون في دول مختلفة). يشبه البعض الآن (ذهب السودان) بما يسمى بـ(الماس الدموي) وغيره من معادن الصراع.

إمبراطورية الذهب
وفي ركن من دارفور لم تمسه الحرب إلى حد كبير، كانت المليشيا تبني بهدوء عملية تعدين ذهب واسعة النطاق وسرية ،وتوسعت في مشروع تبلغ قيمته مئات الملايين من الدولارات سنويًا، بمساعدة مرتزقة فاغنر. وفي الغابات المحيطة بمنطقة (سونغو)، في محمية الردوم يعمل عشرات الآلاف من عمال المناجم في حفر رملية في منطقة غنية بالذهب واليورانيوم والماس. وتوفر المناجم وظائف نادرة.ومناجم سونقو تعتبر أحدث فرع من أعمال عائلية ضخمة لـ(آل دقلو) بدأت قبل الحرب.
وعندما استولى حميدتي على منجم جبل عامر تحول لأكبر تاجر ذهب في السودان بين عشية وضحاها قام بتوجيه الأرباح إلى شبكة تضم ما يصل إلى 50 شركة دفعت ثمن الأسلحة والمرتزقة، كما تقول الأمم المتحدة. وأصبح حميدتي ثريًا جدًا من الذهب لدرجة أنه عرض علنًا مليار دولار في عام 2019 لتحقيق الاستقرار في اقتصاد السودان المتعثر .
وتقوم شركته (الجنيد) بالترسيخ لأمبراطوريته لاحقا عبر الذهب والأسلحة وركزت (الجنيد) على مئات الأميال المربعة حول سونغو، وكان الإنتاج في مختلف أنحاء المنطقة نشطًا، وفقًا لشهود عيان وصور الأقمار الصناعية والوثائق التي حصلت عليها الصحيفة .
ووجد تقرير سري قدم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نوفمبر أن ما قيمته 860 مليون دولار من الذهب تم استخراجه من مناجم تسيطر عليها المليشيا في (سونغو) هذا العام وحده.والتي يوجد بها أكثر من 13 موقع نشط للتنقيب.
وزار صحفيون المنطقة هذا العام ورووا أن المليشيا كانت تقوم بدوريات في مصنع ذهب (الجنيد)، مع وجود موظفين روس خلف أسوار عالية.
وكانت مناجم السودان بمثابة إغراء كبير لشركة (فاغنر)، قبل عامين. ومنذ ذلك الحين، قدمت وثائق جديدة حصلت عليها (نيويورك تايمز) تفاصيل أكثر عن شراكة فاغنر مع المليشيا للتنقيب عن (الماس) بالقرب من (سونغو).وتمتلك المليشيا سوقًا جاهزة لذهبها في الإمارات، حيث تم تهريب 2500 طن من الذهب غير المعلن من إفريقيا، بقيمة مذهلة تبلغ 115 مليار دولار، بين عامي 2012 و2022، وفقًا لدراسة حديثة أجرتها منظمة (سويس إيد) للتنمية.
وقبل الحرب، كان حميدتي ينقل ذهبه جواً مباشرة إلى الإمارات وبعد الحرب كان عليه ان يجد طرقاً جديدة عبر الدول المجاورة .
قصة طائرة مطار جوبا
هبطت طائرة فاخرة في جوبا، في الخامس من مارس ، في مهمة لجمع مئات الصناديق المعبئة بالذهب غير المشروع. وقال ثلاثة أشخاص متورطين في الصفقة أو مطلعين عليها إن الحمالين كانوا يتذمرون وهم يحملون صناديق مليئة بالذهب، بقيمة حوالي 25 مليون دولار، على متن الطائرة. حافظ مسؤولو المطار بشكل سري على محيط حول الطائرة، التي كانت بارزة في المطار الرئيسي.ولم تكن الطائرة التي هبطت في جوبا في لالتقاط الذهب من النوع المعتاد الذي يستخدمه العديد من المهربين في أفريقيا.
وكانت طائرة (بومباردييه جلوبال إكسبريس)، وهي طائرة رجال أعمال طويلة المدى ومسجلة في أمريكا ،ولطاقمها تاريخ مشبوه وطويل في التهريب فقبل 7 أشهر، تم القبض على قائد الطائرة والمضيفة في زامبيا بعد وقت قصير من هبوطها في طائرة خاصة أخرى. وقال المحققون الزامبيون الذين داهموا تلك الطائرة إنهم صادروا خمسة بنادق و5.7 مليون دولار نقدًا و602 سبيكة من الذهب المزيف.
وعلى النقيض من تلك الرحلة، سارت هذه لالتقاط ذهب المليشيا بسلاسة، ربما لأن الصفقة شملت شبكة من المسؤولين الأقوياء من دول متعددة ساعدوا في تسهيل الطريق.
وبعد اتت الطائرة من أبو ظبي، بعد توقف لفترة وجيزة في يوغندا قبل الهبوط في جوبا. ورغم أن الطائرة كانت تتسع لـ 15 راكبًا أيضًا، إلا أن اثنين فقط كانا مدرجين في بيان حصلت عليه (صحيفة التايمز) .احدهما قريب لحميدتي والراكب الآخر ضابط استخبارات كبير في يوغندا.ونفي المسؤول اليوغندي لـ(نيويزرك تايمز) وجوده بالطائرة . لكن الأشخاص الثلاثة المتورطين في الصفقة أو المطلعين عليها قالوا إنه شوهد واقفًا خارج الطائرة بينما كان الحمالون يحملونها صناديق الذهب .

ويبدو أن مسؤولين إقليميين آخرين شاركوا في الصفقة أيضًا. وقال اثنان من الأشخاص المطلعين على التحويل إن الذهب جاء من دارفور عبر مدينة واو. وتم نقله إلى جوبا على متن طائرة ركاب تجارية تديرها استخبارات جنوب السودان.وفي السادس من مارس ، هبطت الطائرة في أبو ظبي، قبل الساعة الثالثة صباحاً بقليل، في مطار البطين التنفيذي .
ورفضت شركة فلاي أليانس للطيران، وهي الشركة التي تتخذ من فلوريدا مقراً لها والتي تدير الطائرة وتعلن عنها على موقعها على الإنترنت، الإجابة على أسئلة حول الرحلة، بما في ذلك من استأجرها .
واكدت (نيويورك تايمز) ان الإمارات هي مركز رئيسي للمليشيا، وتستخدم شركات واجهة يسيطر عليها حميدتي وأقاربه لبيع الذهب وشراء الأسلحة، وفرضت امريكا عقوبات على 11 شركة تابعة للمليشيا معظمها في الإمارات، وغالبًا بسبب ارتباطها بتجارة الذهب .
كوش وطحنون
وزعمت (نيويورك تايمز) ان مستثمرون اماراتيون يمتلكون منجم للذهب في السودان يسمي (كوش) ويقع على بعد 222 كيلو متر من الخرطوم ويدير المنجم ظاهريا مسؤول تنفيذي روسي(بوريس ايفانونف). وفي عام 2021 استحوز مستثمرون اماراتيون غامضون على المنجم باسم شركة (إميرال ريسورز) وهي شركة جديدة أسسها إيفانوف ،ويقف وراءها لاعب أكبر وهو بحسب (نيويورك تايمز) مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد (شقيق محمد بن زايد). وقالت شركة إميرال في ردها على اسئلة الصحيفة ان الشركة مملوكة لمجموعة استثمارية في ابوظبي لكنها رفضت ذكر اسماءهم .
وفيما ذكر مسؤول سوداني كبير لـ(نيويورك تايمز) ان إيفانونف مدرج بسجلات وزارة المعادن كمالك لمنجم كوش ،الا ان شركة اميرال نفت ذلك واكدت ان ايفانوف ترك الشركة العام الماضي وان الشركة امارتية .
وتبقي العديد من الاسئلة التي تحتاج لاجابات وربما فتح تقرير (نيويورك تايمز) الباب أمام تلك الاسئلة الحائرة .