المناظرة الرئاسية و السودان الآخر في مفاهيمهم (٣-٣)
علي عسكوري
يذهب الإرث الفكري والممارسات السياسية في اثينا وروما والكنيسة عميقا في مفاهيم مؤسسة الدولة في الغرب، فأغلب الأسر الأرستقراطية التي تتحكم في مؤسسة الدولة في الغرب حتى اليوم لها علاقات تاريخية ضاربة الجذور مع الكنيسة الكاثلوكية وافكارها التي شكّلها القديس والفيلسوف أكيوناس، وإن تراخت قبضة تلك الأسر على شعوبها قليلا نتيجة لنموالوعي بالحقوق وانتشار العلوم، إلا أن نظرة مؤسسة الدولة في الغرب للشعوب الأخري تظل هي النظرة التي استنها أرسطو وأسس لها أكيوناس.
بخروج أوروبا من القرون الوسطى وسقوط الإمبراطورية الرومانية مطلع القرن التاسع عشر وتوسع الحملات الإستعمارية على الشعوب الأخرى ، حمل الغربيون معهم نفس افكار أكيوناس ليعاملوا بها الشعوب التي استعمرتها، من واقع تجربة الاستعمار والمجازر العديدة التي ارتكبوها في شعوب كثيرة حول الأرض يمكننا الزعم بأن نظرتهم للشعوب لم تتجاوز نظرة ارسطو التي طورها أكيوناس. لقد صحب قساوسة الكنيسة الجيوش الغازية اينما ذهبت وشهدوا كثيرا من مجازر الشعوب التي تم غزوها دون سبب وصمتوا عن ذلك. بحثت كثيرا عن احتجاج من الكنيسة الكاثلوكية عن ابادة الهنود الحمر في الأمريكيتين او حملات تجارة الرق في افريقيا ولم اعثر علي شىء ذا بال، وما زالت الكنيسة الكاثلوكية تلتزم الصمت عن مرافقة قساوستها للجيوش الغازية وصمتهم عن المجاذر والإبادة.
هذه باختصار جذور نظرة الغرب للشعوب الأخري التي تكونت عبر القرون، اجترحها الفيلسوف اليوناني أرسطو وفصلها وعمقها القديس اكيوناس، وما تزال ماضية (بضابانتها) حتي اليوم.
ومع علمنا المسبق بأسس ومفاهيم الحضارة الغربية ونظرتها للآخرين، هل يتوقع أحد ان يخرج مرشحا رئاسة لدولة هي قائدة العالم الغربي عن تلك الأسس والمفاهيم الراسخة! فنحن في نظرمؤسسة الدولة الغربية لسنا أكثر من رعاع ودهماء نصلح فقط للإسترقاق (معذرة)، لن يهمهم ان سفك السودانيون او الأفارقة دماء بعضهم لقرون، بل ربما يفضلون افريقيا خالية من السكان كما حاولوا سابقا عندما استرقوا شبابها وتاجروا بهم عبر الاطلنطي.
لا ينف ما اوردناه ان في الغرب مصلحين يعملون لتحقيق العدالة والعيش مع الآخرين علي قدر المساواة لكنهم ما يزالوا قلة قليلة ضعيفة التأثير، اذ تظل مؤسسة الدولة في الغرب التي تسيطر عليها ذات الأسر الأرستقراطية القديمة المستندة علي الكنيسة الكاثلوكية بذات مفاهيم الإمبراطورية الرومانية وافكار ارسطو واكيوناس.
آمل أن يكون هذا المقال قد سلط قليلا من الضوء على لماذا تجاوز المرشحين الرئاسيين لحرب السودان وقدم بعض الإضاءات لؤلئك الإخوة الذين تبرموا من تجاوزهما لحرب السودان، ففاقد الشئ لا يعطيه، بالبلدي (نحن أصلا ما محسوبين معاهم إلا بتلك الصورة التي اشرنا إليها، وليس هناك اي مبرر ليشيروا لـ (عبيد أفارقة يقتلون بعضهم البعض في همجية في مجاهيل افريقيا).
نحتاج ان نعرف بدقة كيف ينظر الآخرون لنا حتى نحدد مسارنا علي المدي البعيد،هذا ما افتقدناه فى السابق ونفتقده اليوم وسيتم خداعنا وافتراسنا مرة أخرى إن لم نفهم ونستوعب المنطلقات الحقيقية للآخرين، حتي نجترح طريقا جديدا للمستقبل.
باختصار نحن في نظرمؤسسة الدولة عندهم لسنا سوى فريسة ينصبون لها الشراك على الدوام، لماذا إذن يذرفون علينا الدموع ويذكرونا في مناظراتهم.
ورحم الله أمرئ عرف قدر نفس
هذه الأرض لنا.