لست وحدك يا ازهار (الحلقة الثالثة)

من المسافة صفر _ د.سلوي حسن صديق 

 

لست وحدك يا ازهار.. عبارة كان يشارك بها مستخدمو الوسائط الاعلامية الشابة ازهار وهي ترسل النداء تلو النداء (نداء من ازهار لو في زول ممكن يدفن جدتي التي توفت منذ تسعة ايام في منزلها بشارع البلدية).
كان النداء حارقا ومؤثرا يقطع نياط القلوب ويدميها حين يتكرر ليحكي ما وصل اليه الحال مع جبروت وفظاعة التتار الجدد الذين يمنعون كل شئ رغم علمهم بكل شئ .
يسمعون استغاثة الناس ولهفتهم علي الخروج كاحساس طبيعي من اجل الحياة والدفاع عنها ولكن استغاثتهم تضيع ادراج الرياج بلا وجيع او سميع.
تنتمي الجدة لواحدة من الاسر العريقة التي ساقتهم الاقدار للسكتي في هذه البيوت المعتقة حول السفارات والمقار الحكومية بشارع البلدية،
وبحسب طبيعة الاشياء لم يكن هنالك ما يمنع او يهدد من مشاركة المواطنين مثل هذه الاحياء،وحتي ايام الاستعمار لم يمنعها احد .

 

في هذه الأحياء كل شئ كان مرتبا وطبيعيا حتي صباح الحرب..
اخذت الجدة مقعدها الصباحي لتنال قسطها من الشمس وهي المقعدة بالمرض، بعد ان خرج من يرعاهم هي وزوجها الي قضاء اغراض الصباح.
الحياة حولهم تضج بالحركة وقد ألفتهم اطقم حراسات السفارات والفوهم يعرفونهم بالاسماء ..يتبادلون معهم القفشات عن الجديد في الحي والامال وعذب الامنيات.
حياة عمرها عشرات السنوات لم تتبدل ولم تخرج عن نسقها،كل شئ هادئ بذات هدؤ الانفس وتقبلها لاقدار الله.
مع الحرب وانتشار القناصة علي الاسطح تبدل الحال واصبحت الحياة مستحيلة ان وجدت في اصلها ..
سمعت الاسرة بخبر وفاة الجدة بعد ان اعيتهم الحيل للوصول، فالأوغاد حول المساكن يمنعون الخروج ولايسمحون حتي بالظهور..لقد فاقت قسوتهم حد الخيال،والمشاهد بلا حصر وكلها مما لا يعقله عقل او يتحمله قلب او نفس سوية .
كانت اللحظات قاسية علي الاسرة وقد علموا من الوصف ان الجد خرج ايضا للشارع الكبير فاصطادته طلقة ثم نقله بعد مجازفة انسانية الي مستشفي المعلم.
بقيت الجدة بين تلك الجدران حتي ماتت جوعا ومرضا وخوفا بلا حول ولاقوة..
اقسي مافي الواقعة معايشة خيال صراع اللحظات الاخيرة للجدة ..كيف مرت عليها تلك اللحظات وكيف تحملتها وهي الحنينة التي تعودت ان تسعد قلوب كل الناس.
ماتت الجدة علوية وبقيت سيرتها الحسنة بين الناس والاهل والاحفاد، ولكن ميتتها حفرت حفرة عميقة وهوة لن تردمها التبريرات والاقوال . بشاعة الجريمة وقسوتها لم تترك متنفسا للسماح او العفو او حتي للايام لتزيل جراحها.
قاتل الله الجنجويد ومن سلطهم علي الابرياء،دعاء لايمل الجميع من ترديده..اللهم امين اللهم استجب