آخر الأخبار

“مأساة روعة”… العنف الزوجي في السودان يصل حد القتل

متابعات:أصداء سودانية

في مدينة مروي بالولاية الشمالية في السودان تحول يوم عمل عادي إلى مأساة هزت أركان مجتمعه، فقد تعرضت نائبة اختصاصي التخدير روعة علاء، التي تعمل في أحد مستشفيات المدينة، لهجوم وحشي من قبل زوجها، الذي سدد لها 16 طعنة أودت بحياتها على رغم محاولات الأطباء إنقاذها.

قصة روعة، التي بدأت بطموح مهني وانتهت بجريمة قتل مروعة، ليست سوى حلقة في سلسلة طويلة من العنف الزوجي الذي تراوح فصوله بين التهديد والضرب وصولاً إلى القتل، إذ نجد خلف الأبواب المغلقة، نساء كثيرات يعشن تحت وطأة الخوف في ظل غياب حماية قانونية ومجتمعية حقيقية.

تصاعد العنف

عكست حادثة روعة معاناة نساء كثيرات في السودان، إذ تتكرر خلف الجدران الحكاية نفسها بصور مختلفة، من تهديد بالقتل وضرب مبرح وعزلة قسرية، بينما يلتزم المجتمع الصمت أو يكتفي بالتعاطف الموقت. بعض الناجيات قبلن كسر حاجز الخوف وروين شهاداتهن عن العنف الذي حول بيوتهن إلى ساحات صراع وخوف دائم.

منى البالغة 28 سنة تحكي كيف وقف زوجها ممسكاً بسكين، مهدداً بقتلها إن غادرت المنزل. أما سارة وهي في منتصف العقد الثالث فقد تعرضت للضرب المبرح بالعصي حتى فقدت الوعي، وأصيبت بكسر في ذراعها، لكنها فضلت الصمت خوفاً من الفضيحة. بينما قررت رحاب البالغة 31 سنة الهرب من منزل الزوجية بعدما ضربها زوجها أمام أطفالها، لتجد نفسها عالقة بين العزلة وضغوط الأهل. هذه القصص، على اختلاف تفاصيلها، تلتقي كلها عند قاسم مشترك واحد، بيت تحول من ملاذ آمن إلى ساحة عنف وخوف.

أرقام صادمة

المحامي السوداني سعد الدين محمد قال “موضوع العنف الزوجي غالباً ما يمنح صفة خلف الأبواب في السودان، لكن البيانات الرسمية تكشف عن مأساة أعمق.

بحسب ’اليونيسيف‘، أكثر من 3 ملايين امرأة وفتاة كن عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي قبل تصاعد الحرب، والرقم هذا ارتفع إلى 4.2 مليون مع اندلاع النزاع. وفي تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووكالات أممية أخرى، ظل أكثر من 6.7 مليون شخص في السودان في مرمى العنف الجنساني، بينهن حالات من العنف تجاه الشريك والاعتداءات الجنسية وتهريب البشر والتجريح النفسي والجسدي.

كذلك، تشير تقديرات حديثة إلى أن 33.5 في المئة من النساء السودانيات تعرضن للعنف الجسدي من قبل شريك أو زوج خلال العام الماضي”.

وعن القانون السوداني وموقعه من العنف تابع محمد “التشريع السوداني ما زال يفتقر إلى نصوص واضحة تجرم العنف المنزلي باعتباره جريمة مستقلة، إذ يكتفي القانون الجنائي بعقوبات عامة على الأذى الجسيم أو القتل من دون الإشارة صراحة إلى العنف بين الأزواج”، وأضاف “قوانين الأحوال الشخصية التي تستند في أجزاء منها إلى أعراف اجتماعية محافظة، تمنح الزوج سلطة واسعة في إدارة شؤون الأسرة، وهو ما يستغل أحياناً لتبرير العنف أو التخفيف من عقوبته. هذا الغياب للتجريم الصريح، إلى جانب ضعف آليات الحماية مثل مراكز الإيواء وخطوط المساعدة، يجعل الضحايا عالقات في دائرة مغلقة من الخوف والصمت، ويترك الجناة في كثير من الأحيان بلا رادع حقيقي”، ولفت أيضاً إلى أنه “وفقاً للقانون الجنائي السوداني لسنة 1991، تعد جرائم العنف الزوجي، بمختلف صورها، مخالفة للقانون، وتشمل الضرب أو الإيذاء الجسيم وفق المادة 139، التي تجرم التسبب عمداً في أذى جسيم يعرض حياة المجني عليه للخطر أو يفقده منفعة عضو أو حاسة. بينما التهديد وفق المادة 144، التي تجرم كل من يهدد آخر بارتكاب جريمة ضد نفسه أو ماله أو شرفه بقصد ترويعه. أما القتل العمد وفق المادة 130، التي تنص على أن من يتسبب عمداً في موت شخص يعاقب بالإعدام أو الدية أو السجن، كما ينص قانون الأحوال الشخصية لسنة 1991 في المادة 75 على التزام الزوج حسن المعاشرة وعدم الإضرار بالزوجة قولاً أو فعلاً، ويجيز للزوجة طلب التفريق إذا لحق بها ضرر لا يحتمل”.

ظاهرة ممنهجة

في السياق ذاته، قالت الناشطة الحقوقية السودانية سارة أحمد وهي منسقة في إحدى المبادرات النسوية لمناهضة العنف “حين ننظر إلى قصص مثل الطبيبة روعة علاء أو الطفلة آمنة، ذات الأعوام الـ14، التي قتلت على يد زوجها بعد أشهر من الزواج القسري، ندرك أن العنف المنزلي في السودان ليس استثناء، بل هو ظاهرة ممنهجة تحميها ثقافة الصمت.

ففي غالب هذه القضايا نرى القاتل يحاكم وفق نصوص عامة في القانون، من دون أي اعتبار لكون الضحية زوجة أو لظروف العنف المسبق. والأسوأ أن بعض الأسر ترفض حتى تقديم البلاغ حفاظاً على السمعة، لذا نحن أمام واقع تتواطأ فيه الأعراف مع الثغرات القانونية، فتدفن الضحايا مرة في القبر، وأخرى في ذاكرة مجتمع يختار النسيان”.

أما الناشطة الحقوقية خالدة أبكر فقالت “بموجب قانون مكافحة العنف ضد المرأة والطفل السوداني لسنة 2021، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر لسنة 2014، يعاقب مرتكبو جرائم العنف الأسري أو الجسدي بالسجن والغرامة، وتصل العقوبة إلى الإعدام في حالات القتل العمد، وفق المواد 130، 139، و142 من القانون الجنائي السوداني”.

برامج توعية

من جانبها، رأت المسؤولة في المجلس القومي للمرأة سامرين مصطفى أنه على “على رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فإن الجهات المتخصصة في الدولة وضعت مكافحة العنف ضد المرأة ضمن أولوياتها عبر إطلاق خط ساخن لتلقي البلاغات وتوفير مراكز إيواء آمنة”، وأضافت مصطفى “هناك خطط يجري الإعداد لها تشمل سن قوانين أكثر صرامة لردع المعتدين، وتوسيع برامج التوعية المجتمعية، وتدريب الكوادر الأمنية والقضائية للتعامل الحساس مع قضايا العنف الأسري”.