قصص وحكايات بطولية من جحيم الحرب (1)
الأم التي أنقذت بشجاعتها بناتها الثلاث من الإغتصاب

- نساء سودانيات ينتزعن الحياة من رحم الموت
- طيار المسيرات الذي أنقذ جده من الموت فقتله (المهاويش) بدم بارد
- الفدائية (حواء إسماعيل) التي أدخلت الرعب في نفوس الدعم السريع
- تزوجها دعامي تحت تهديد السلاح فهشمت رأسه بفأس أثناء نومه مخمورا
- المسنة التي رفضت مغادرة منزلها رغم تهديد المليشيا بقتلها
تحقيق ــ التاج عثمان:
قصص وحكايات بطولية نادرة خرجت من جحيم الحرب لسودانيين وسودانيات واجهوا بشجاعة نادرة مليشيا الدعم السريع المتمردة المدججة بالسلاح بصدور عارية حماية لأعراضهم ودفاعا عن منازلهم وممتلكاتهم ليرسموا لنا لوحات وطنية خالدة تسجل بأحرف من نور في تاريخ هذا الوطن.. (أصداء سودانية) توثق جانبا منها عبر هذا التحقيق…
حكاية الطيار محمد:
محمد فيصل موسى صالح، شاب في مقتبل العمر، تخرج حديثا من كلية علوم الطيران وعمل لفترة كابتن مسيرات.. عند إندلاع الحرب نزح مع أسرته لمدينة سنجه عاصمة ولاية سنار..وبعد إقتحام مليشيا الدعم السريع لمدينة سنجة وما صاحب ذلك من إطلاق كثيف للرصاص من مختلف الأسلحة، أسرع للحي الشمالي حيث كان جده المسن والمريض وحيدا بأحد المنازل هناك غير قادر على الحركة، ووسط الرصاص الكثيف من فوقه جازف بحياته وقام بحمل جده على ظهره واوصله بأمان لمنزل بعيد من القصف.. ثم عاد محاولا إنقاذ بعض الأطفال فشاهده بعض أفراد المليشيا وقاموا بإطلاق زخات من أسلحتهم من الخلف فسقط في الشارع وهو ينزف بغزارة، ولما حاول بعض الشباب إسعافه بنقله للمشفى منعهم أفراد المليشيا فمات بدم بارد على قارعة الطريق.. ضحى بنفسه لإنقاذ جده فلقى مصرعه بغدر (الملاويش) الأوباش، مسجلا لوحة بطولية سودانية نادرة.
الفدائية حواء:
حواء إسماعيل، التي إشتهرت في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور بلقب (الفدائية)، تعد واحدة من ايقونات الحرب.. فهي أصلا موظفة في مؤسسة خاصة بالفاشر، لكنها بعد هجوم المليشيا على مدينتها تحولت إلى مقاتلة (شرسة) في صفوف المقاومة الشعبية للدفاع عن الفاشر أثارت الرعب والخوف في نفوس (المهاويش).. تحكي حواء الفدائية قصتها البطولية بقولها في زهو وثقة:
عند هجوم مليشيا الدعم السريع على الفاشر لم يكن لدينا خيار آخر غير الدفاع عن مدينتنا وأطفالنا وعرضنا، فحملنا السلاح ومعي مجموعة من النسوة المناضلات وانخرطنا في القتال.. كان الموت يحيط بنا من كل حدب وصوب، لكننا تمسكنا بخيار المقاومة، وأثبتنا بذلك ان المقاومة ليست أمر خاص بالرجال وحدهم.. كنت مع غيري من النسوة والفتيات المقاتلات المناضلات نؤمن: بأن الأمل يولد من بين الركام.. وان الحياة تنتزع من رحم الموت والقتال.. وان النساء أقوى من آلة الحرب.. كنا نقاتل دفاعا عن مدينتنا وأطفالنا وعرضنا بشراسة أذهلت أولئك الأوباش المرتزقة وكانوا يفرون من أمامنا نحن النساء المقاتلات كالجرذان المذعورة.
إنتقام عروس:
شهدت عاصمة إحدى الولايات التي إستباحها (المهاويش) عملية إنتقام (بطولية) لفتاة تزوجها أحد افراد الدعم السريع قهرا تحت تهديد السلاح، ورغم إغداقه عليها بملايين الجنيهات وتزيين صدرها ويديها بالمصوغات الذهبية، المسروقة بالطبع، وإقامة حفل باذخ لها مع زملائة المهاويش، إنتقل بها لأحد المنازل (المنهوبة)، الفاخرة بحي آخر من أحياء المدينة المستباحة لقضاء شهر العسل وسط حفاوة زملائة المرتزقة وزغاريد بعض النسوة المتعاونات مع المليشيا.. وعندما إختلى بها تظاهرت أنها تريد تجهيز نفسها له بالدخان والعطور، لم تظهر أي معارضة بل تجاوبا مصطنعا حيث كانت تضمر له شرا وهو في الحقيقة ليس بشر بل يجسد فصلا من فصول البطولات السودانية بطولة نسائية سودانية.. فإنصرف عنها مؤقتا وإنضم لزملائه في الجانب الآخر من المنزل يحتسون العرقي ويتعاطون البنقو.. وبعد ساعات جاء يترنح مخمورا لغنيمته محاولا النيل منها، إلا أنه هوى على السرير بعد ان لعب الخمر بعقله وأفقده وعيه تماما فنام نومة أهل الكهف يصدر منه شخيرا مزعجا.. وبعد ان تأكدت العروس (الشجاعة) من نومه العميق حملت فأسا كبيرا وإنهالت على رأسه فحطمته تحطيما، ومن شاهده وصف بأن رأس الدعامي، (عريس الغفلة)، تهشم تماما لا تفرز منه لا عين ولا اذن، تحول لكوم من اللحم والعظم المخلوط بالدم.. ولم تكتفي بذلك بل توجهت بعد ذلك لمنزل أسرتها وحكت لهم ما حدث مع عريسها الواهم وقامت بترحيلهم بسرعة خارج المدينة خوفا من إنتقام زملائة (المهاويش) عند إكتشافهم لاحقا ما فعلته بزميلهم عريس الغفلة.
شجاعة أم:
تسلل عدد من أفراد المليشيا المتمردة لإحدى قرى شرق الجزيرة الكبيرة وبدأوا في إقتحام منازل سكانها يبحثون عن الأموال والذهب.. وداخل إحدى منازل القرية لفت إنتباهم (الشره) ثلاث صبيات وهبهن الله سبحانه وتعالي بجمال آخاذ، فتحركت الرغبة الحيوانية المسعورة تجاه الشقيقات الثلاث وحاولوا إدخالهن لإحدى غرف المنزل لإلتهامهن ونهشهن في (وليمة جنسية) شهية كما كانوا يتهامسون فيما بينهم، فسمعتهم والدة الصبيات فحالت بينهم وبين بناتها ومنعتهم من الإقتراب منهن قائلة في تحدي وشجاعة وثبات:” لن تغتصبوا بناتي، وإذا أصريتم على ذلك فاقتلوني قبل إغتصابهن”.. وتقدمت نحوهم، بينما كانت تحمي بناتها الثلاث خلفها رغم أن الوحوش كانوا يشهرون سلاحهم في صدرها.. وفجأة تدخل القدر، حيث تم إستدعاء أفراد المليشيا من قائدهم فخرجوا من المنزل وتركوها مع بناتها مشيرين أنهم سيعودون لقتلها ثم إغتصاب بناتها.. وحسب الشهود من جيران تلك المرأة أنهم عادوا فعلا مرة أخرى لكنهم لم يجدوا لا الأم ولا بناتها الثلاث، حيث أنها سارعت بالخروج من منزلها برفقة بناتها وغادرت القرية فأنقذت بناتها بشجاعتها النادرة والتي ليست مستغربة من المرأة السودانية، بينما جن جنون أفراد المليشيا وصبوا جام غضبهم قتلا وإإتصابا في نساء تلك القرية المستباحة.
بطولة مسنة:
الواقعة التالية كنت شاهد عيان عليها، جرت فصولها بمدينة سنجة عاصمة ولاية سنار حيث كنت حبيسا داخلها بعد إقتحامها بواسطة الجنجويد.. المرأة المسنة تمت لي بصلة قرابة.. بعد يوم من إقتحام المليشيا المدينة تصادف أنني كنت في زيارة لها بمنزلها بالحي الغربي لتفقد حالها بعد أن طلبت مني بناتها محاولة إقناعها الخروج من المدينة التي إستباحها (المهاويش)، إلا انها رفضت قائلة لي: أنا إمرأة كبيرة في العمر فماذا سيفعل بي الدعم السريع.. لن اخرج.. وبعد سويعات قليلة إقتحم المنزل عدد من أفراد المليشا المسلحين وطلبوا منها الخروج من المنزل لأنهم يرغبون البقاء فيه.. فرفضت رفضا قاطعا الخروج وترك منزلها لهم، قائلة لهم بتحدي: لن أخرج واترك لكم منزلي إلا بعد قتلي.. وفعلا لم تخرج وإنصرف الدعامه لحالهم، وهددوها أنهم سوف يعودون مرة أخرى للمنزل وإذا وجدوها فسوف يقتلوها.. فلم تعر تهديدهم إنتباها بل ظلت داخل منزلها.. وبعد يومين عادوا ولم يصدقوا ان المسنة لا تزال تقيم بمنزلها فأشهروا سلاحهم نحو صدرها فلم تخف بل قامت من سريرها تتوكأ على عصاتها وخاطبتهم بتحدي واضح:”قلت لكم من قبل لن أغادر منزلي، فأقتلوني فالموت أهون لي من الإستيلاء على منزلي”.. تعجبوا من أمرها وتركوها وغادروا لحالهم.. وظلت تقيم لوحدها بمنزلها لقرابة الشهرين حتى تم تحرير المدينة بواسطة الجيش.. وهي بذلك رسمت لوحة بطولية رائعة، وجسدت ان حواء السودانية تعد من أشجع نساء العالم
الحلقة القادمة:
ــ الجيش الأسود.. نساء في قلب معركة الكرامة.
ــ بطولة معلمة بالمعاش من أبو كدوك.
ــ غرفة طوارئ البراري.. ملحمة بطولية تحت نيران القصف المحموم.
ــ عوضية كوكو.. امرأة إستثنائية.