آخر الأخبار

العقيدة العسكرية الوطنية للجيش السوداني… رؤية استراتيجية متوازنة

 

عبدالله محي الدين الجنايني

*تُعد العقيدة العسكرية الوطنية منظومة فكرية ومؤسسية تُوجّه فلسفة الدفاع وأسلوب توظيف القوة في أي دولة في العالم.

وهي بالنسبة للجيش السوداني تمثل إطارًا جامعًا يدمج بين التراث التاريخي العميق للسودان والالتزام بالقانون الدولي الإنساني

ومبادئ الأمم المتحدة، بما يعكس

هوية السودان الحضارية ورسالة جيشه في حماية الوطن والإنسان

معًا

*أولًا: الأسس الفكرية والأيديولوجية:

تستند العقيدة العسكرية السودانية إلى ثلاثة محاور رئيسية

أ- المرجعية الحضارية والدينية:

تنبع من منظومة القيم المستمدة من الموروث السوداني الضارب في عمق التاريخ، ومن المبادئ الإسلامية التي تُعلي من شأن العدل والرحمة وصون الكرامة الإنسانية. فالعمل العسكري، في جوهره، خاضع لرقابة الضمير والإيمان بالله، وموجّه لخدمة الوطن دون تعدٍ أو ظلم

ب- الهوية الوطنية الجامعة:

تؤكد على الولاء المطلق لدولة السودان وشعبها، وتنبذ العصبية بكافة أشكالها — القبلية، أو الجهوية، أو العقائدية — باعتبار أن وحدة التراب الوطني هي الركيزة الأساسية لبقاء الدولة واستقرارها.

ج- الالتزام بالقيم الإنسانية العالمية:

تتكامل العقيدة الوطنية مع مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك احترام سيادة الدول، عدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة، التزامًا بميثاق جنيف ومعايير حقوق الإنسان.

*ثانيًا: المبادئ الاستراتيجية:

تحدد العقيدة العسكرية كيف تُستخدم القوة المسلحة بما يخدم الأهداف الوطنية العليا، وفق قواعد المنطق العسكري والاعتبارات القانونية الدولية، وتشمل:

أ- الدفاع الوطني المشروع:

تقوم العقيدة على مبدأ الدفاع الشرعي عن وحدة السودان واستقلاله، ورفض العدوان أو التهديد الخارجي، انسجامًا مع المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة التي تقر بحق الدفاع عن النفس.

ب- الردع الاستراتيجي:

تعمل القوات المسلحة على بناء قدرة ردع فعالة، تهدف إلى منع النزاع قبل وقوعه عبر الجاهزية القتالية العالية، دون السعي لفرض القوة خارج نطاق السيادة الوطنية.

ج- المرونة العملياتية:

تعتمد القيادة العسكرية على التحليل الموقفي المتغير والتقدير المستمر للبيئة الجيوسياسية، بما يسمح بتكييف الخطط والتكتيكات وفق متطلبات الأمن الوطني والواقع الميداني.

*ثالثًا: الجانب التقني والتنظيمي:

أ- التدريب والتأهيل المستمر:

يرتكز إعداد الجندي السوداني على مبدأ العقل المنضبط والقلب المؤمن، مع التركيز على التعليم العسكري المهني والتدريب المتقدم في مجالات التكنولوجيا الدفاعية، والقيادة، والاتصال الميداني.

ب- التسليح والتكامل العملياتي:

تسعى العقيدة إلى تطوير القدرات الدفاعية عبر التوازن بين الكم والنوع، وتفعيل التكامل بين القوات البرية والجوية والبحرية، بما يحقق التنسيق الفعّال في العمليات المشتركة.

ج- البناء التنظيمي المستقل:

تقوم العقيدة على مبدأ الاستقلالية في اتخاذ القرار العسكري الوطني، بعيدًا عن أي تبعية سياسية أو خارجية، مع مراعاة الرقابة الدستورية والالتزام بمبادئ الشفافية والمساءلة.

*رابعًا: الولاء والانتماء:

يمثل الولاء للدولة السودانية وشعبها الركيزة الأخلاقية العليا للعقيدة العسكرية. فالجندي السوداني هو حارس الوطن والمواطن، لا يُقاتل لغير علم السودان ولا ينتمي إلا لضميره الوطني.

*ويُعد هذا الولاء حجر الزاوية في بناء جيشٍ موحّدٍ، محترفٍ، يحمي الدولة المدنية ويحافظ على مؤسساتها، ملتزمًا بالدستور وبالشرعية القانونية.

 

*ونستطيع أنْ نخلص إلى أنَّ العقيدة العسكرية الوطنية للجيش السوداني ليست مجرد توجيه ميداني أو تنظيمي، بل هي إطار فلسفي وأخلاقي واستراتيجي يُوازن بين ضرورات الأمن ومتطلبات الإنسانية.

*وهي بذلك تعكس رؤية وطنية تتسق مع مبادئ السلام العادل، والدفاع المشروع، و احترام الكرامة الإنسانية – في انسجامٍ تام مع روح ميثاق الأمم المتحدة، ومقاصد القانون الدولي.