آخر الأخبار

نازحو الفاشر بمنطقة العفاض… تفاصيل وحكايات ُمبكية (1)

  • نازح: فقدت زوجتي وأُم عيالي جراء مسيرة نسفت رأسها أمامي
  • المليشيا تغتال شاب رميا بالرصاص امام والديه وشقيقته
  • نازحة: عصابات الدعــ*م السريع مارست معنا أساليب قذرة في الطريق بين الفاشر والدبة
  • وفاة طفل صغير وسط الصحراء من العطش أثناء رحلة النزوح من الفاشر للدبة
  • الحاجة فاطمة: ما حدث داخل الفاشر من المليشيا مجـ*ـازر بشرية مروعة لا يصدقها إلا من شاهدها

العفاض ــ عادل الحاج:
قصص وحكايات مؤلمة لحد البكاء.. مجاذر مروعة لم تشهد مثلها الحروب في كل العالم من قبل.. فظائع لا يصدقها إلا من شاهدها مباشرة إرتكبتها مليشيا الدعم السريع المتمردة في حق سكان الفاشر الأبرياء أثناء رحلة نزوحهم من الفاشر بشمال دارفور إلى مدينة الدبة بالولاية الشمالية.. المأساة إرتسمت على كل وجوه سكان فاشر السلطان الذي نزحوا لمدينة الدبة بعد ان قطعوا مسافة 826 كيلو مترا وسط الصحراء الجرداء القاحلة والتي تشرفت بإحتوائها لقبور عدد من الشهداء الذين قضوا نحبهم نتيجة العطش والإصابات والمرض إلا أن حفاوة وإستقبال مواطني الدبة أزاحت عن كاهلهم أطنان من الحزن والآسى والرعب والإرهاق.. (أصداء سودانية) تنقل عبر هذا التحقيق الميداني من داخل مخيم (أزهري مبارك) لنازحي الفاشر بالعفاض شمال مدينة الدبة بنحو 30 كيلو مترا قصص وحكايات مؤلمة تجسد بطش وقهر وتوحش مليشيا الدعم السريع المتمردة تجاه المواطنين الأبرياء

 

غُصة حلق:


(مروة عوض) من سكان الفاشر الذين حضروا ضربتها الأخيرة من مليشيا الدعم السريع، إلتقيت بها داخل معسكر العفاض فقالت لي والغُصة تمسك حلقها: “عانينا كثيراً من هذه الحرب البغيضة والتي فقدنا بسببها أرواح كثير من أهلنا وممتلكاتنا، وتركنا خلفنا عدد كبير من سكان المدينة عالقين بها ما بين الحياة والموت.. فخلال الأيام الأخيرة لي بالفاشر إزداد تدوين المدينة بكثافة، حيث فقدت شقيقتي التي تكبرني زوجها، فيما أصيب أحد إخوتي بكسر في قدمه، الى جانب قتل إبن خالتي الشهيد (عصام منصور) البالغ من العمر 22 عاماً رمياً بالرصاص رحمه الله رحمة واسعة، أما شقيقي الشاب (معاوية عوض) فهو ما يزال ضمن المفقودين في مدينة الخرطوم ولا نعرف مصيره حتى هذه الحظة..هذا بجانب فقدان إبن عمتي (محمد حامد) المشهور بـ( بيتر) خلال أحداث الفاشر الأخيرة، أسأل الله تعالى أن يتقبل موتانا وموتى جمع المسلمين وأن يرد غائبينا سالمين غانمين.. ونتقدم بالشكر والعرفان لصحيفة (أصداء سودانية) هذا المنبر الأعلامي الكبير، ممثلا في الأستاذ الصحفي (عادل بشرى)، والتي أحست بأوجاعنا وآلامنا وتكبدت مشاق الترحال ووصلتنا داخل المعسكر، جزاكم الله خير وسدد خطاكم ووفقكم في عكس معاناة أهل الفاشر.

 

أساليب قذرة:


تقول الحاجة (م.ن.م)، هكذا رمزت لإسمها نزولا لرغبتها: ” قطعت مع مئات الأسر المسافة بين الفاشر والدبة بالولاية الشمالية في رحلة شاقة محفوفة بشتى أنواع المخاطر،لا سيما الأساليب القذرة التي تنتهجها قوات الدعم السريع المتمركزة على طول الطريق، من تجريح وإهانة لنا، هذه المليشيا المتمردة الباغية والظالمة السودان بأسره ويلات وعذابات لا ينساها الوطن الحبيب وأهله الطيبين، والذين ذاقوا الأمرين من هؤلاء الوحوش الكاسرة.. قطعت الرحلة الصعبة والخطرة من الفاشر إلى الدبة حيث تركت خلفي بيتنا المتواضع جداً و الذي تهالك من جراء القصف الذي طال هذه المدينة الصامدة والآمنة، فلقد تركنا وراءنا جيراناً أعزاء علينا جميعاً، لا ماء، ولا أمان، ولا طعام، ولا منازل تأويهم لأن القصف بالمدافع الثقيلة طال كل أحياء المدينة، ولكن نؤمن تماماً ان الله سبحانه وتعالى سيحفظهم نستودعهم الله جميعاً.. وبعد رحلة طويلة وشاقة تحفها المخاطرمن كل جهة إستغرقت 5 ايام وصلنا إلى الدبة بالولاية الشمالية، بعد أن ذقنا الإهانات من إرتكازات الدعم السريع على امتداد المسافة من الفاشر بشمال دارفور وحتى الدبة بالولاية الشمالية، والتي تبلغ نحو 826 كيلومتراً، حيث استقبلنا أهل الشمالية بحفاوة بالغة أنستنا جزءاً من جراحات وآلام تلك الحرب البغيضة.
وفي مدينة الدبة العامرة بأهلها اخوتنا (البديريه الدهمشيه) استقبلنا استقبالاً حافلاُ من مواطنيها، حيث استقبلنا رجل البر والإحسان (أزهري المبارك) في معسكر إيواء ضخم يقع ناحية الشمال الجغرافي من الناحية الأخرى لنهر النيل الخالد، وذلك بنحو 30 كيلومتراً، حيث نصبت لنا الخيام وجهزت لنا بكل ما نحتاجه من أمتعة تعيننا على المعيشة السهلة من مياه ووجبات، وإقامة حفلات ترفيهه لأطفال النازحين علها تنسيهم المذابح المروعة التي شاهدوها بمدينة الفاشر من المليشيا، وذلك بعد ثلاث سنوت قضيناها بكل قساوة وشظف عيش جراء الحرب التي قضت على الأخضر واليابس في مدينة فاشر السلطان والتي كانت آمنة طيلة الأزمنة والدهور السابقة.

 

عيون باكية:


الحاجة فاطمة (ب) الطاعنة في السن تحدثت لي وهي تذرف الدموع التي كانت تنسال من عينيها المتورمتين من فرط البكاء:” ما رأيته داخل مدينة الفاشر لا يتحمله حتى الرجال الاقوياء.. لقد رأينا الموت بأعيننا.. شباب في ريعان الشباب يقتلون أمامنا بوحشية تدمي القلوب الصلبة من قبل قوات الدعم السريع المتوحشة، فالجرائم التي إرتكبها هؤلاء الأوغاد لن ننساه ولن ينساه العالم كله جراء الجرائم البشعة التي إرتكبوها في حق البشرية وفي حق الأطفال والشباب والنساء والرجال الذين فقدناهم في تلك الأيام العصيبة بمدينة فاشر السلطان.
فخلال مغادرتنا للفاشر جراء الحرب الطاحنة التي تدور رحاها هناك، رأيت بأم عينّي شاب في مقتبل العمر لم يتجاوز عمره 22 عاما ً وهو يرمى بالرصاص أمامي مباشرة لأنه قاوم جندي من جنود الدعم السريع ولم ينصاع لأوامره القاضية الإبتعاد عن أسرته المكونة من والدية الكبيرين في السن وشقيقته الشابة والتي كانت تحمل مولودا صغيرا في حجرها، وصبي يافع لم يتعد عمره 15 عاما.. وعلى الرغم من توسلات ذلك الشاب الذي حاول بكل جسارة مرافقة أسرته في رحلة المجهول خارج الفاشر والتي كانت تنتظر الجميع، إلا أن أحد أفراد المليشيا المتمردة الحاقدة صوب له سلاحه نحو صدره فارداه قتيلا امامنا سابحا في بركة من دمائه الطاهرة.. وجراء هذا المنظر القاسي واللا إنساني سقطت أمه مغشياً عليها وتبعتها إبنتها ــ شقيقة القتيل ــ والتي إنهارت هي الأخرى لحظة إطلاق النارعليه، فيما سقط طفلها الصغير من بين يديها المرتجفتين، حيث كان الطفل الرضيع يصرخ صراخاً شديداً ومتواصلاً، كأنما يشاطر أسرته في هول هذه المصيبة التي ألمت بأسرتهم.. أما رب الأسرة ووالد الشاب القتيل فقد كان يذرف الدموع الغزيرة من عينيه رغم انه كان يبدو متماسكاً من المنظر البشع الدامي الذي لحق بفلذة كبده أمام عينيه وأمام مرأى الجميع، ولم يجد ما يعبر به عن مقتل إبنه أمامه سوى أن يبتهل بالدعاء إلى إبنه الذي اغتيل بجانبه وأمام عينيه، ومن بين الأدعية التي كان يرددها بينما جثمان إبنه الشهيد مسجى امامه: (اللهم أجعل إبني المغدور به شهيدا في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا يارب العالمين، فإنك ولي ذلك والقادر عليه).
قصص مؤلمة:


ويروي أحد النازحين الذين وصلوا لمخيم الدبة للتو، فضّل عدم ذكر اسمه: “هناك قصص مؤلمة كثيرة خلال نزوح الأسر من الفاشر إلى الدبة بسبب الحرب الطاحنة التي استهدفت سكان المدينة الآمنة والصامد بشكل كبير ومروع.. فواحدة من هذه القصص، وفاة طفل نتيجة العطش الحاد الذي تعرض له نتيجة تعطل الشاحنة القديمة والمتهالكة والتي كانت تقل نازحين في منطقة صحراوية بين الفاشر والولاية الشمالية، حيث كانت تحمل 12 أسرة هاربة من جحيم الحرب وويلاتها، فنفاد مياه الشرب أدى إلى وفاة الطفل المذكور، بينما اصيب عدد من ركاب العربة بالجفاف وبعضهم بالإغماء جراء العطش وسط الصحراء القاحلة، وبمجرد وصولهم المخيم تم نقلهم بسرعة لمستشفى الدبة والغابة.
فاجعة كبرى:
ويقول النازح (ي.م) بصوت باكي مؤثر: فقدت زوجتي وأم عيالي، رحمة الله عليها وتقبلها شهيدة من شهداء الوطن، إثر إصابتها بمسيرة نسفت رأسها أثناء خروجنا من مدينة الفاشر إلى الولاية الشمالية، فما كان لنا بد إلا ان نتأخر ليوم كامل لستر الجثمان وتشييعه إلى مثواه الأخير بمقابر الفاشر وسط حضور كبير من أبناء فاشر السلطان الذين شاركونا تلك اللحظات المؤثرة والمؤلمة، رغم سقوط القذائف والدانات من حولنا وفوقنا.