العودة الى سنار

علي عسكوري
١٩ اغسطس ٢٠٢٤
اذن، وقعت الحرب التى كان يتحاشاها الجميع وتفرق الناس إلى كل فج عميق وخربت العاصمة والمدن الاخرى وقتل الالاف واصيب مثلهم ولا تزال رحى الحرب تدور.
من يقرأ التاريخ القريب يدرك ان هذه الحرب كانت متوقعة منذ تمرد توريت ١٩٥٥، فبنية الدولة الامنية وجغرافيتها تجعل منها ممكنة لأصحاب النوايا الشريرة.

كانت احداث ١٩٧٦ او ما اصبح يعرف بالمرتزقة مؤشرا مهما على امكانية وقوع الحرب في الخرطوم، ثم تلتها غزوة ٢٠٠٨ التي قامت بها حركة العدل والمساواة. كان الحدثان بمثابة تأكيد على ان غرب البلاد عبارة عن اراضي مفتوحة تصعب مراقبتها على الاقل لاتساع الرقعة. ثم جاءت الثالثة، و(التالتة واقعة) كما يقول الحرفاء، من نفس المنطقة الغربية ولدرجة كبيرة من حواضن اجتماعية لها ارتباط مباشر مع المحاولة الاولي.

في الثلاث محاولات استطاعت القوات الغازية دخول العاصمة والقتال داخلها. تمت هزيمة ورد المحاولتين الاولتين في فترة زمنية قصيرة، اما المحاولة الحالية فقد استصعب ردها بالنظر لكبر القوة المشاركة في الغزو وكمية ونوع العتاد و التواجد المسبق لها في اماكن عديدة داخل العاصمة.
تكرر محاولات الغزو اضافة للحركات الاخرى التي تقاتل في دارفور و جبال النوبة وقبل ذلك في النيل الازرق، وما يحدث من احتقان في شرق السودان، بل حتى في شماله، يطرح سؤالا مركزيا عن مقبولية نظام الحكم الذى خلفه الحكم الثنائي وما قاد اليه من دعاوي التهميش والمظالم.

ما اود ان اذكر به القارىء، هو ان معظم مناطق السودان، ما عدا دارفور وجنوب السودان سابقا، كانت تحت حكم الدولة السنارية التي اختلف المؤرخون حول طبيعتها هل كانت كونفدرالية ام فدرالية. والكونفدرالية بالطبع يصح عليها (اتحاد دويلات)، بينما الفدرالية (لا يوجد لها تعريف علمى دقيق متفق عليه) وان كانت غالبية المنظرين تتفق على انها تفويض الصلاحيات السياسية وملكية الموارد للولايات مع خضوع الولايات في بعض القضايا كالامن القومى والعلاقات الخارجية والعملة والعلم الخ للحكومة الفدرالية (امريكا، الهند مثالا).
اذن، ايا كان موقفك، فقد كانت سنار دولة فدرالية في حدها الادنى، بل كان للعبدلاب جيش خاص بهم وكان لهم حق اعلان الحرب دون موافقة سنار وهو الامر الذى دفع بعض المؤرخين للزعم بأن دولة سنار كانت كونفدرالية.

إن اسوأ ما فعله الاستعمار التركي بعد سيطرته على البلاد، هو ادخال نظام الحكم المركزى وكانت تلك اول مرة في تاريخها منذ عصور ما قبل التاريخ تعرف المجموعات التي تسكن بلاد السودان الحكم المركزي. ولكن حتى الخديوية (اعتقد في عهد الحكمدار ممتاز باشا ١٨٧١) اضطرت لتقسيم السودان الى ولايات شبه مستقلة عن بعضها تتبع كل ولاية للخديوى مباشرة).
ما يهمنا في هذا الامر هو اننا رمينا جانبا تاريخ اسلافنا في الحكم الفدرالي او الكونفدرالي وتمسكنا بحكم مركزي قابض انتهى بناء الى حرب ضروس، دعك من دعاوي التهميش وخلافه.

من واقع هذه الحرب المدمرة يجب ان نكون قد تعلمنا ان نظام الحكم المركزي لا يناسب بلادنا نهائيا، وان علينا ان نبحث عن فدرالية موسعة جدا تقارب الكونفدرالية حتى ينصرف كل سكان اقليم لتنمية اقليمهم.
ما يؤلمني في هذا الامر ان اغلب القوى السياسية خاصة جماعة (تقدم) تتمسك ايما تمسك بالدولة المركزية وتستميت في الدفاع عنها ولم تقم ابان فترة حكمها بأي محاولة مهما كانت صغيرة نحو تأسيس الحكم الفدرالي. المضحك هو ان من بين مكونات جماعة تقدم حركات تدعي انها حملت السلاح ابتداء لوقف التهميش، لكنها الأن تسعى لاستعادة الدولة المركزية التى تسببت في التهميش! ومن الغريب والصادم ان يعمل انسان ضد أهدافه المعلنة. لذلك، هولاء عندي طلاب سلطة فقط لا قضية لهم، او انهم بافتراض حسن النية سذج لا يدركون انهم يعملون ضد اهدافهم..! ولكن هذا هو السودان على اي حال وهذا عدد من قادته يحددون اهدافا مات من اجلها رفاقهم ثم يتبدلون ليعملوا ضد ذات الاهداف!

زبدة القول، ان مؤتمر الحوار السوداني / السوداني متى ما قام يجب ان يركز على مناقشة والاتفاق على دستور الحكم الفدرالي فقط، ليذهب بعد ذلك كل اهل اقليم ويشرعوا ما يريدون لادارة حياتهم.
بمعنى اخر يجب ان نرمي النظام الذي ادخله الاستعمار ونعود إلى تركة اسلافنا وما اتفقوا عليه.. اي العودة لسنار ونظام حكمها.
بالمناسبة، بعد هذه الحرب، إن عدنا لنظام سنار طواعية كان بها، وإن لم نعد، فالواقع يقول أنه قادم لا محالة inevitable، فقط ربما يستغرق الامر بعض الوقت.. انى اري شجرا يسير..!

هذه الأرض لنا