كامل إدريس والإمتحان الصعب

بعد .. و.. مسافة

مصطفى ابوالعزائم 

*قطعاً لن يتفق الجميع على إختيار الدكتور كامل الطيب إدريس ، رئيساً للوزراء بكامل الصلاحيات أو بجزء منها ، هناك خصوم لكل النظام يتربصون به ، ويتحينون الفرص لإسقاطه، وهؤلاء لهم تقديرات خاطئة بلاشك، ذلك لأن بلادنا تمر بظرف إستثنائي خاص ، وتحارب في معركة الكرامة والتي تعني القتال من أجل إبقاء الدولة حتى لا تتفكك وتذهب ريحها.

  *هناك من يريد رئيس وزراء غير كامل إدريس، وقد سعى البعض لذلك منذ فترة طويلة، وهناك متخاذلون يريدون رئيس وزراء محدود الصلاحيات، وآخرون يريدونه بكامل الصلاحيات دون تدخل من أي جهة كانت، حتى ولو كان رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان.

 *غدا وربما قبل الغد سترتفع أصوات تعارض تعيين عضويين جديدين في مجلس السيادة ، وأعني سلمى عبدالجبار المبارك، ود. نوارة أبومحمد محمد طاهر،  وقد يعترض البعض على إعادة السيدة سلمى مرة أخرى لعضوية المجلس، ونحن لا نعرف تقديرات من رشحها وأعادها لعضوية المجلس مرة أخرى.

  *هناك حالة من الغموض والتعتيم على ما يجري على مستويات الحكم الأعلى، لكننا آثرنا الصمت تجاه ما يجري تقديراً للظروف الإستثنائية الخاصة وظروف الحرب التي تمر بها بلادنا، لكن هناك نقاط لابد أن نقف عندها، وأولى هذه النقاط سلطات مجلس السيادة الانتقالي، وهو حقيقة لا يقوم بدوره السيادي فقط، بل يقوم بدور تنفيذي، وهذا من الأمور المربكة ، خاصة وإن الملفات التنفيذية والإشراف عليها تم تقسيمها بين أعضاء المجلس، ونحسب أن قرار الأمس الخاص بابعاد أعضاء المجلس عن إدارة الملفات التنفيذية هو قرار صائب، لكن يبقى أمر مهم وهو التصريحات التي يطلقها أعضاء مجلس السيادة ، وبعضها يناقض بعضها، كأنما هناك أكثر من راي وأكثر من توجه داخل المجلس ، لذلك نرى أن يصدر قرار عاجل بتعيين ناطق رسمي بإسم مجلس السيادة الانتقالي ، مثلما هناك ناطق رسمي بإسم الحكومة ومثلما هناك ناطق رسمي بإسم القوات المسلحة ، ومثلما هناك ناطق رسمي بإسم كل ولاية وكل وزارة.

  *مهمة الأخ الدكتور كامل إدريس ستكون عسيرة ، بعض الذين مارسوا الصلاحيات المطلقة لن يقبلوا بالقيود ، وبعض الذين كانوا يريدون توجيه من هم في درجة أقل من درجات الحكم لن يقبلوا بالمراجعات.

  *المهمة صعبة وسهلة في ذات الوقت ، وذلك بأن نحتكم جميعنا إلى دستور حقيقي، دستور يفرق بين السلطات ويحفظ حقوق المواطنة وحقوق الجميع ، حكاماً ومحكومين ، وليس أقرب إلينا الآن من دستور 2005 م ، الذي توافقت عليه غالبية القوى السياسية عقب توقيع إتفاقية السلام الشامل ، ولكن لم يتم العمل به حقيقة لتقديرات أمنية خاصة بنظام الإنقاذ في ذلك الوقت.

  *في تقدير الكثيرين إن أهم التّحدِّيات التي تواجه الحكومة الإنتقالية او حكومات ما بعد الثورة عموماً هي التّحدِّيات الأساسية لكل أنظمة الحكم ، وهي واحدة ، تتمثل في ما نسمّيه الآن ب (معاش الناس) أو ( قُفّة المُلَاح ) أو (الأمن الغذائي) بلغة العصر، ثم يأتي بعد ذلك (الأمن العام ) والذي يعني الطمأنينة العامة من عدم الإعتداء على الأرواح والممتلكات وعدم التعدّي على أمن الدولة من خلال قوات مُسلّحة قويّة وقادرة على حماية الحدود الممتدة ، وهذا يتطلّب علاقات خارجية متوازنة خاصة مع دول الجوار المباشر أو الجوار الإقليمي لمنع تمركُز أي قوىً معادية للدولة في أيٍ من تلك الدُّول ، إضافة للسّعي الجاد لبناء مشروعات تنمية متدرجة الأحجام حسب الحاجة والقدرات ، يتم استغلالها كواحد من الطرق الخاصة بإستغلال الموارد الطبيعية ، وهذه تشتمل على إستغلال المياه السطحية والجوفية مع العمل على إستغلال كل الأراضي الصالحة للزراعة في مختلف ولايات وأقاليم البلاد خاصة التي توقّفت فيها التنمية والزراعة والرّعي في مناطق الحرب والنّزاعات ، وذلك لإعادة توطين أهلها وعودتهم الى مناطقهم والخروج بهم من دائرة النزوح ودوائر الفقر … ثم على الحكومة الجديدة أو أي حكومة قائمة أو قادمة ، العمل على تنظيم عمليات التنقيب الأهلي عن الذهب ، والعمل على تنمية الأسواق المحليّة التي تخدم المعدّنين ، وتوفير بقية الخدمات المرتبطة بالبيئة والصحة في تلك المناطق . وهناك أمر آخر وعاجل ، هو إعادة ولاية الدولة ومسؤوليتها على التجارة الخارجية بحيث يؤول الأمر كما كان من قبل إلى وزارة التجارة والصناعة عن طريق الرخص التجارية وعن طريق الكوتات والحصص التي يمكن من خلالها الوقوف على كل الوارد من سلع وبضائع بالتعاون مع وزارة المالية وبنك السودان . ثم هناك مهمة غائبة وهي مسؤولية الدولة عن تحديد كامل إحتياجاتها من السّيارات والآليات وذلك عن طريق النقل الميكانيكي ، حتى يتم قطع الطريق أمام الفساد وتخصيص شركاتٍ أو أفراد لإستيراد السّيارات والشاحنات والآليات دون ضوابط بما يُعدُّ هدراً للمال العام … وكذلك الحال بالنسبة للأثاثات المكتبية والمدرسية لتكون حِكْراً على المخازن والمهمات ، وهكذا الحال بالنسبة لأعمال الصيانة والمباني الحكومية عامة بدلا عن الرمي بها في أحضان الشركات الخاصة والمقاولين.

*وقبل الختام لابد لنا من الإشارة إلى محادثة هاتفية سبق أن جرت بيني وبين الأخ الدكتور كامل إدريس قبل فترة، تعرفت فيها على رؤيته ورؤاه لتطبيق نظرية الحكم الرشيد ، ولا أملك الآن إلا أن اسأل الله له الإعانة والتوفيق.