آخر الأخبار

مسار الحركة الشعبية ومسيرة مالك عقار …للقصة بقية وأكثر من رواية

  • لأول مرة منذ أكثر من 40 سنة على التأسيس حوار في الهواء الطلق حول تطورات الحركة الشعبية
  • هل عبدت( نيفاشا) من خلال متونها وحواشيها الطريق نحو الانفصال؟
  • الوحدة الجاذبة ترك المؤتمرالوطني والحركة الشعبية (بابها مواربا) ثم سمحا للتيارات الانفصالية في الشمال والجنوب أن تعمل بحرية

تقرير دكتور – إبراهيم حسن ذو النون:
بطريقته التي ألفها الأستاذ جمال الدين عزالدين النور عنقرة المعروف ب (جمال عنقرة) والتي تقول على أنه (يشتغل محل فاضي) أن يقدم الجنرال مالك عقار اير بطريقته المعروفة والمبنية على (العمق في التناول) وبهدوئه المعهود والذي يمثل أحد أبرز القيادات التاريخية للحركة الشعبية الأم.. والآن رئيس الحركة الشعبية ( القيادة الثورية الشمال) والذي قدم من خلال فعالية مركز عنقرة للخدمات الصحفية أول أمس بالعاصمة الإدارية المؤقتة بورتسودان ورقة (سيرورة الحركة الشعبية.. التحولات والتطورات ) والتي من خلال قراءتي لها سبرت غور أكبر حركة مسلحة في السودان لعبت أدوارا مهمة في الحياة السودانية خلال الفترة من 1983م حتى 2005م على نطاق جمهورية السودان بقيادة الراحل الدكتور جون قرنق ومازالت تلعب أدوارا مهمة برغم انقسام السودان لدولتين وبرغم انفصال الحركة الشعبية بين الدولتين وبرغم تعدد تيارات الحركة الشعبية شمال والتي تقاسمتها قيادات تاريخية في الحركة الأم (الجنرال مالك عقار والجنرال عبد العزيز آدم الحلو والاستاذ ياسر سعيد عرمان )..وهذه قصة أخرى.
من فصل الجنوب؟:


من خلال المستخلصات التي تم نشرها وبثها في وسائل الإعلام والمنصات الرقمية للفعالية التي حضرتها قيادات نوعية من أهل ساس يسوس ومجتمعية من قادة النظام الأهلي وإعلاميين ومهنيين من أصحاب المهن المجاورة لموضوع الندوة من أساتذة جامعات ومحامين وقانونيين والقوات الحية في المجتمع (شباب طلاب مرآة) يبدوأن الجنرال مالك عقار اير قد حاول الإجابة على سؤال من فصل جنوب الجنوب ؟ وكأني به من خلال إجابته على السؤال أنه أراد استصدار شهادة براءة لأهل جنوب السودان وللحركة الشعبية من الجريرة التاريخية التي ارتكبت في السودان والمتمثلة في فصل الجنوب السوداني من الدولة الأم..حيث وجه الجنرال مالك عقار اتهامات صريحة للبعض الذين قال عنهم (إن انفصال الجنوب من أخطاء الشماليين وأن الذين تسببوا في الإنفصال لايزالون يمشون بيننا في الأسواق وأن الانفصال لم يكون نتيجة خيار شعبي فحسب بل كان نتاج سياسات وتوجهات خاطئة من قيادات شمالية).
نعم الجنوب انفصل ولكن:


بكل تأكيد أن ما تفضل به الجنرال مالك عقار اير سواء اتفق حوله الناس أواختلفوا معه يمثل نتاجا طبيعيا لواقع أحوال البلدين (جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان) ما بعد انفصال الجنوب السوداني والتي بالطبع لا تسر( لا العدو ولا الصديق) فلاحصل الجنوب على (عنب الشام) ولا حافظ السودان الشمالي على(بلح الشام)..وقصة من تسبب في انفصال الجنوب السوداني عن البلد الأم (السودان) طويلة تداخلت فيها عوامل أخرى ولكن أبطالها لاعبون كثيرون وطبقت فيها استراتيجيات غربية معلومة ومعروفة وبعضها مجهولة أو لم يكشف عنها حتى الآن وربما لم يحن أوان كشفها.. وأعتقد أن فصل جنوب السودان كان الحدث الأهم خلال الخمسين عاما الماضية وبالتالي أن الضرورة تقتضي أن يتم عبر مركز بحثي متخصص دراسة هذا الحدث والذي القى بظلاله السالبة ليس على البلدين فحسب بل على المنطقة من حولهما.. ففي الوقت الذي تتجه فيه دول وحكومات نحو الاندماج والوحدة انفصل الجنوب السوداني وبتقديري أن بعض الشماليين ومن كل التيارات الاجتماعية والسياسية قد أسهموا من خلال سياسات رسمية أو ممارسات شخصية ومجتمعية في النتيجة التي انتهى إليها الحال بفصل الجنوب وهذا من وجهة نظري ما رمى إليه الجنرال عقار.. ولكن تحميل الشماليين لوحدهم المسئولية من وجهة نظري يحتاج لمزيد من التدقيق لأن هناك بعض الشواهد تقول إن الانفصال كان لا بد أن يقع نتيجة ظلامات تاريخية وأسباب سياسية أخرى لا بد من سبر غورها وبرغم كل ذلك أعتقد أن المزيد من الموضوعية لنقاش هذا الموضوع الشائك والمعقد هو الطريق الأمثل خاصة وأن وطننا السودان على (حافة جرف هار) يتطلب إخراجه من عنق الزجاجة الذي دخل فيه.
نيفاشا والوحدة الجاذبة:


لا شك أن اتفاقية السلام التي تم توقيعها في نيفاشا الكينية في 9 يناير 2005م بين الحكومة السودانية ممثل في حزبها الحاكم آنذاك المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بقيادة الدكتور الراحل جون قرنق وبحضور وتوافق دولي وإقليمي كثيف قد سبرت غور مشكلة جنوب السودان والمناطق الاخرى التي انتقلت إليها الحرب (جبال النوبة (جنوب وغرب كردفان وتلال الانقسنا(إقليم النيل الازرق) وابيي وشرق السودان حيث ناقشت الاتفاقية الأسباب الجذرية والتاريخية للمشكلة وتناولت مبادرات الحلول السابقة وخيارات الحلول المتاحة حيث أعطت الاتفاقية جنوب السودان الأخذ بخيار الوحدة أي بقاء السودان موجودا أوانفصال الجنوب عن الدولة الأم عبر استفتاء وإعطاء وضعيات خاصة المنطقتين (جبال النوبة وتلال الانقسنا) وإعطاء أبيي وضعية خاصة من خلال بروتوكول خاص بها مع إعطاء شرق السودان اعتبارا لمشكلته التي انتهت بإعطائه نصيب من السلطة والثروة.. فاتفاقية نيفاشا صحيح انها خاطبت جذور المشكلة ولكنها عند التنفيذ وقعت في أكثر من تحدي مما جعل وقوع الانفصال أمرا حتميا..وبالطبع أن حادث طائرة الدكتور جون قرنق والذي أودى بحياته قد القى بظلال كثيفة على المشهد الذي انتهى إلى الانفصال.. فهذا الحادث بكل تأكيد مثل علامة فارقة في ملف الحرب والسلام في السودان بل أثر في المآلات اللاحقة التي حدثت في السودان.. وفي تقديري أن الإجابة على سؤال من قتل جون قرنق سيفك شفرة سؤال من فصل جنوب السودان فمن المعلوم أن الدكتور الراحل جون قرنق قد تبنى من خلال مشروع السودان الجديد وحدة كل الأقاليم الجغرافية والثقافية السودانية بقومياتها المختلفة لأنه كان على قناعة بأن التعدد والتنوع الذي يذخر به السودان يمكن أن يكون أساسا للوحدة بين كل أجزاء السودان.
ومعلوم أيضا أن هناك جهات متربصة إقليمية وعالمية بالسودان والسودان معلوم أنه في قلب الاستراتيجيات الدولية المتصارعة حولها والتي تهدف لتقسيمه وتفكيكه ومعلوم مشروع الشرق الأوسط الجديد والذي تتبناه الاستراتيجية الأمريكية والذي يهدف لتقسيم السودان لخمس دول الجنوب وقد قسم بالانفصال والغرب في مرحلة تدوير الأزمات (الحرب الماثلة) والشرق وحتى الشمال.
ضيع خيار الوحدة الجاذبة:


ومن التحديات التي أظهرتها تطبيقات اتفاقية نيفاشا خلال الفترة الانتقالية هو تحدي الوحدة والتي لتكون معينا لاهل الجنوب لاعتبارها جاذبة لهم ليغلبوها كخيار ولكن المؤسف أن طرفي الاتفاقية المؤتمر الوطني والحركة الشعبية شغلتهم الشواغل الخلافية بينهما مما ضيع خيار الوحدة الجاذبة حتى وجد السودانيون الانفصال قد وقع عبر الاستفتاء فى 9 يناير 2011م وأصبح نافذ في11يوليو 2011م حيث رفع علم الدولة الوليدة في العاصمة الجنوب سودانية (جوبا) مما جعل الشاعر الكبير خالد عباس شقوري وهو ينظم مرثية للفنان الوحدوي (شول منوت) يثري الوطن السودان الذي قسمه عناد حاكموه فقال: ماببكي شول ببكي العناد القسم النيل والوطن.
عموما يظل السؤال قائما وهو هل عبدت اتفاقية نيفاشا الطريق الذي افضى لانفصال جنوب السودان والذي حمل الجنرال مالك عقار مسئولية انفصاله الشماليين وهذا بالطبع ومع التقدير والاحترام لوجهة نظره لا يقبل على اطلاقه ولكن من المهم أن تناقش الحركة الشعبية وبعد أكثر من أربعين عاما من التأسيس والانطلاق وفي الهواء الطلق عبر ندوة مركز عنقرة حول تطوراتها فإن ذلك يمثل خطوة في الاتجاه الصحيح.. ولنا عودة مرة أخرى حول الورقة الرئيسة للندوة.