
حسين خوجلي الإعلامي غير المُنْصَف
بعين مفتوحة_ د.خالد البلولة
يعد حسين خوجلي أحد القامات الإعلامية السامقة في المجال الثقافي والسياسي في السودان، منذ أن أصدر صحيفته الوان في عهد الرئيس نميري عام ١٩٨٤م كأول جريدة مستقلة وكانت تضم كوكبة من الاعلاميين، د.محمد عوض البارودي ،أمين حسن عمر ،المحبوب عبد السلام والوليد مصطفي وعادل الباز واخرين.بذل حسين جل وقته وجهده للفعل الاعلامي والثقافي واستثمر فيه مواهبه وماله بالصبر والأناءة والعزم.
أسس استديو المساء الذي صار فيما بعد اذاعة المساء وقناة امدرمان الفضائية.في مؤسساته الأعلامية تعلم وتدرب وتخرج على يديه عشرات الصحفيين والاعلاميين والمخرجين والمذيعين.
(١)
* أذكر جيدا يوم ان عقد حسين خوجلي مؤتمرا صحفيا في طيبة برس بعد قرار الأجهزة الامنية إغلاق صحيفة الوان بحجة نشرها خبرا عن تحليق طائرة بدون طيار فى سماء دارفور ..اذكر في ذلك المؤتمر الصحفي الذي تحدث فيه عن اسباب إغلاق صحيفته أشار الى اسباب التوقيف والدوافع من ذلك واظن الجميع يعرف الدافع الحقيقي من وراء اغلاق صحيفة الوان.وقال ساخرا يومذاك الشخص المكلف من السلطة وقتها طلب حذف خبر ثقافي(سبحان الله اصبحوا يفهموا في الثقافة).
(٢)
أعتقد الاستاذ حسين خوجلي بحكم عمله الإعلامي فهو أكبر من الانتماءات الحزبية الضيقة، هناك من ينسبه الى المؤتمر الشعبي بحكم معرفته بعراب الاسلاميين الترابي وآخرون يرونه مؤتمرا وطنيا قحاً عندما يجري حوارا مع البشير واذا وجدته يتحدث عن يحيى بولاد بحكم العلاقة التاريخية بينهما تظنه ينتمي الى واحدة من حركات دارفور المتمردة،ولكنه يكفيه فخرا ان يكون سودانيا وفيه أخلاق السودانيين ومروءتهم.
* لم تربطني بحسين معرفة شخصية من قبل وتعرفت عليه أول مرة يوم ان ذهبت اليه عارضا عليه تحرير صفحة تهتم بالإعلام الاذاعي (راديو وتلفزيون)والتأثير الكبير الذي يؤديه في حياة الناس وبدأت تحريرها تحت مسمى(دنيا اذاعة دنيا تلفزيون)واحتفى بها ومدير تحريره أحمد عبد الوهاب ولم تستمر سوى عددين وتوقفت .
* جاءت المرة الثانية بطلب منه شخصيا بواسطة الزميل الخلوق عبدالقادر الحبيب وذلك للعمل معه في قناة امدرمان فترة عملي بالقناة امتدت لثلاثة اشهر وغادرت القناة(التقيت) فيها حسين عن قرب كانت مهتمي في قناة امدرمان ادارة المحتوى البرامجي(الإعداد) وحاولت جاهدا بذل خبراتي المتواضعة التي اكتسبتها في التلفزيون القومي وبينتُ له أن (المحتوى) لا ينفصل عن المعادل البصري (الشكل) وهذا يتحقق بصقل مهارات بعض المتعاقدين بالتدريب المستمر قبل واثناء العمل و الذي لا يستجيب للتدريب عليه البحث عن فرص عمل في مكان آخر، ولتنفيذ ذلك رشحت له بعض الخبرات في العمل التلفزيوني منهم الاستاذ ميرغني عجيب لقيادة تدريب الفنيين من المصورين والمخرجين ومدراء الانتاج لضبط العملية الانتاجية واقترحت ايضا انهاء تعاقدات بعض المتعاونين، كل ذلك في سبيل تطوير الشاشة والتقيت هناك بعض الشباب المتميزين مثل انس رضوان وعثمان مصباح الذي أنجزت معهم عددا من البرامج (رائدات امدرمان) و(تهادوا تحابوا) وبعض البرامج التوثيقية منها برنامجا وثائقيا مع رجل من منطقة الجموعية ساهم في بناء ناديي الهلال والمريخ وصك العملة وكان لي مع اخرين شرف التوثيق له ابان عملي بقناة امدرمان
* لم يقتنع حسين بفكرة (انهاء تعاقد اي شخص،إلا اذا رغب الشخص من نفسه في المغادرة) وكان يعمل في القناة معدين ومصورين مخرجين مجتهدين لكنهم يفتقرون لاساسيات الانتاج التلفزيوني من ابتكار للافكار وإعدادها وتكوين المشاهد خاصة تصوير البرامج ذات الطبيعة الوثائقية او إخراجها وبعضهم محبط اما لأسباب شخصية تخصهم او يَرَوْن في القناة محطة عبور الى محطات أكثر ثراء وشهرة (هكذا كان تقديري وربما لم اصب التقدير).
* طلب مني حسين مقابلته بعد الثالثة ظهرا تقريبا وأعدنا مناقشة الامر مرة ثانية وشرح الأمر مِن زوايا مختلفة ،بصراحة لم اقتنع بوجهة نظره وقلت له :انت صاحب العمل والرأي الأخير لك ربما هناك أسباب لا تريد الإفصاح عنها) وقال (تخيل نفسك مكاني) واضاف عبارة مازالت ترن في اذني (القناة دي فيها ناس انت ماعارف ظروفهم نحن ما قاعدين نديهم قروش كتيرة)، أفصح الرجل عن معلومات غائبة عني واحترمته وكبر في نظري وغادرتها بعد ذلك وكانت تجربة ثرة وثرية.
(٣)
*يدير الاستاذ حسين خوجلي مؤسسة إعلامية خاصة يدفع لها من حر ماله لتقدم خدمة إعلامية وثقافية ويعتمد فيها على مجموعة من البرامجيين بخبرات قليلة لم تتح لهم الدولة فرص عمل في مؤسساتها، ويعبر من خلالها عن قناعاته وأفكاره لم يحمل سلاحا ولم يرفع بندقية انما رفع قلمه وسناه في وجه القبح وبذله (للخير والحق والجمال) وهو الشعار الذي زين به صحيفته ألوان وقناته امدرمان واذاعته المساء وظل ينافح بقلمه ويجاهر بصوته من اجل الحقيقة حتى ضد الإنقاذ وظلمها.
* أعددت حلقة عن مشروع الجزيرة في برنامج بقناة امدرمان واستضفنا فيها الاستاذ عبد الله الزبير محافظ المشروع الأسبق وتحدث فيها حديثا، عن سياسات الانقاذ تجاه المشروع والظلم الذي حاق بالمشروع من جراء تلك السياسات وتوقع معظم العاملين ان هذه الحلقة ربما تضع القناة تحت عين الأجهزة الامنية وتقوم بإغلاقها تزامن ذلك مع توجيه صوت لوم لاذاعة المساء ولفت نظر المذيعة اوصلني الاستاذ عبد الله الزبير اوصلني بسيارته الى نفق جامعة الخرطوم في طريقي الى الحلفاية، وقال مازحا(الليلة بعد حلقتك دي الله يستر عليك وعلى) هذه سياسة حسين التحريرية في مؤسساته الاعلامية ومن ضمنها القناة. لذلك استغربت عندما اعتقلته لجنة التمكين سيئة الذكر، كونه من الاسلاميين.
* فترة عملي في قناة امدرمان (ثلاثة إشهر) لم يتدخل حسين في اختيار ضيف أو اعترض على أحد او تدخل في تفاصيل فنية وكان يقترح بعض الأفكار البرامجية ونعمل على تطويرها ونتشاور معه ومنها حلقات عن بعض الرائدات السودانيات واقترح هو نفيسة المليك ولظروف صحية اعتذرت واقترحنا فائزة عمسيب ود.عائدة محمد علي ود.سعاد الفاتح واحسان الغبشاوي ووافق بدون تردد.
إسهام حسين خوجلي في الفعل الثقافي يجعله يستحق التكريم والتبجيل والتقدير والاحترام، من كل السودانيين بمختلف توجهاتهم الفكرية والمعرفية والسباسية والاختلاف او الاتفاق معه لايفسد الود ولا يحرمه لمسة الوفاء لما قدمه وانصافه بما يستحق .
*هذا ما علمناه عنه والانسان يشهد بما يعلم ..
ونسأل الله الشفاء للأستاذ حسين خوجلي وان يعود والسودان اكثر قوة ومنعة.