مجموعة ( حارس معاليها ) للشامي محمود تمثل ثلاث محطات سردية ترك تجنيسها للمتلقي

 

قراءة الشاعرة السودانية / أريج محمدأحمد

المجموعته القصصية الجديدة التي اختار لها القاص الجيبوتي محمود شامي عنوان ( حارس معاليها ) وهو ذات عنوان القصة ٢٣ من المجموعة والتي يطرق من خلالها باباً جديداً في عالم السرد القصصي القصير بعد رسوخ قدميه في الكتابة الروائية إذ صدرت له ثلاث روايات شكلت حضوراً جميلاً في الساحة الأدبية العربية والإفريقية من خلال حضورها في المعارض الدولية للكتاب…
وتتكون المجموعة من ثلاثون نصا (٣٠ نصاً )، تتنوع مضامينها وأحجامها وألوانها بين القصة القصيرة والسرد الوجيز والأقصوصة، والومضة الشعرية المفعمة بالرقة ، حاول الكاتب تقسيمها إلى ثلاثة محاور، جسدها في شكل لوحات سردية رائعة، وجزأها الى ثلاثة أقسام جاءت على التوالي:-
– الجزء الأول: محطات بلا ارقام بلا هويات .. .ويتضمن ١٦ نصاً
– الجزء الثاني : محطات في الذاكرة .. 7 نصوص
– الجزء الثالث : من ذاكرة الوجع .. 7 نصوص.
تراوحت النصوص بين الأجواء السريالية إلى العبثية مع استخدام الأسلوب التجريبي بعبارات بديعة وجميلة وجذابة يتمازج فيها الشعر بالنثر، والواقعي بالرمز، والوجداني بالصوفي ، والتنويع على مستوى الأساليب البلاغية الشيء الذي يحيلنا على فضاءات الواقعية السحرية ، وإلى السرد الملتزم بالقضايا الإنسانية المتعلقة بعشق الوطن والإخلاص له، والنضال في سبيل العدالة الاجتماعية، والتحرر والانعتاق من ربقة الاستغلال والقهر والتسلط والقمع، الى جانب السرد الواقعي التصويري الذي يرسم تفاصيل حياتية معاشة، ويتطرق لمحطات أكثر مأساوية يمثلها شخوص مغرقون في بساطتهم ومشاكلهم، وتتنوع اهتماماتهم اليومية، ومشاربهم من المناضل ، الى الشهيد ، والجندي ، والعامل ، والمخبر ، والمهاجر ، والأجير ، والحارس الشخصي ، والعاشق ، والمقامر ، والمومس، والوسيط الانتهازي وغيرهم الكثير قدمهم الكاتب بصورة دقيقة ومفصلة …
هذا التفاوت في الأساليب الفنية، والثراء في الأفكار والرؤى أضفى على النصوص مسحة جمالية خاصة استعان فيها القاص بالاقتباس والتناص والاستعارة والمجاز، والبوح، والأسلوب الوصفي، واستخدام جملة من النصوص الإبداعية لأنطون تشيخوف، ونزار قباني، والتاريخ، وبعض اللهجات المحلية العريقة … وقد تمكن الأستاذ محمود شامي من خلال مجموعته القصصية (حارس معاليها) أن يعكس مدى الثراء الفكري والأسلوبي لديه فتميزت المجموعة بأسلوب سلس ممتع وشيق يغري بالقراءة، ولغة متناغمة ذات طابع جذاب ومرهف وشفيف، وشحنة إنسانية تعج بقضايا إجتماعية شكل فيها الوطن والمواطنة، والهوية، والاغتراب، والهجرة، والتهجير، والمقاومة الهاجس الأساسي، ولكن بصور متفاوتة على حسب كل قصة مما أعطى للمجموعة بعداً إنسانياً يعكس الواقع البائس لأبطال المجموعة وما يعانونه من ضغوطات نفسية، وقهر مجتمعي، وفقر ومعاناة قاسية كنتاج طبيعي تعيشه الشعوب التي رزحت تحت نير الاحتلال والحكومات الفاسدة والحروب وتداعيات كل ذلك ….
وبالرغم من قتامة المشهد أفلح القاص في أن يضفي عليها مسحة من المشاعر الانسانية الجياشة، والروح الجمالية التي تخللت نسيج تلك العلاقات الإشكالية المتشابكة التي طرحها خلال هذا العمل الابداعي فأكسبته جمالاً ورقة…
المجموعة إجمالاً تبحر بقارئها عبر عدة موضوعات متنوعة، وأفكار ورؤى ابداعية رائعة بكل المقاييس، من حيث ثراء السرد، وجمال الطرح، وتنوع الأساليب الفنية التي اتسمت بالتشويق والجرأة الخالية من الابتذال، الى جانب التطرق لقضايا إنسانية عديدة متنوعة شائكة وحساسة تتعلق بالهوية وبواقع مصير بلاده بكل تفاصيلها التاريخية والجغرافية وتنوعها الإثني واللغوي والحضاري.