الجذور القريبة من الماء لا يذبلها الموت
رغد عبد الله
من الغريب جداً أن تقتلع جذورك من العلاقة التي راهنت بكل قلبك على صلاحها وبعدها لا تعود الشخص ذاته !.
الشخص الذي دخلها بكامل شغفه وحماسه وخرج منها ميتاً ..
وليس هنالك من عوضٍ قادر على ترميمه، وليس هناك من أمان قادر على تهدئته ، يبقى في حالة ترقب لأي تهديد قد يأتي يزعزع كيانه لأنه ما عاد نفسه وما عادت هي ذاته المطمئنة ..
الغريب من كل هذا أن أغفر لك كل الأشياء المميته التي طرحت قلبي جريحآ ونازفآ ولا أغفر لك كون هذا القلب ماعاد نفسه !. و ماعادت نبضاته تنبض بالسلام والحب ، وليس هناك من شئ في الحياة بأكملها قادر على تهدئته والربّتَ عليه وليس هناك من شيء له إستطاعة أن يحرك سكونه الموحش بشعور جميل.
الأغرب من كل هذا الذي حدث ! .. أنّ الغفران قد يأتي على كل التفاصيل المؤذيه حتى التي جعلتنا ننتحب طوال الليالي التي عشناها لوحدنا، على وحشة الطريق الذي سلكناه بدون أدنى مساعدة ، على كل أمل خاب فينا ، وقد لايأتي الغفران هذا على أنفسنا .
قد نغفر كل الاخطاء ماعدا ذلك الخطأ الذي غيرّنا من الداخل وغير نظرتنا للأشياء وكأننا لسنا نحن بل إنسلخنا من جلودنا وقلوبنا حتى ماعدنا ندركها أو نبصرها للحد الذي ننظر إلى وجوهنا في المرآه ونتساءل من نحن؟ وماذا نبتغي من الحياة وأين ذهبت أحلامنا وشغفنا ؟!
إنني آلامسُ يديك وأبحث فيهما عن دفئ قديم أمرر أصابعي بهدوء بين عروق يديك ، أحاول باحثة عن شعوري ولكنني لا أستطيع .
إنني أجد البرودة تسري في جسدي وكأنني جثة هامدة لا تشعرُ بشيء ، أحاول البحث عن ذلك الشعور الضائع بين صورنا ، أقاصيصنا ورسائلنا.. ولكنني أستعّر منه !
صدقني.. الأمر أشبه بجندي دخل أرض المعركة بكل قوته وصلابته وخرج منها حياً منتصراً بأعجوبة ..ولكنه ماعاد نفسه وماعاد الإنتصار غايته ، لأن ماحدث في أرض المعركه هزّ كيانه للدرجة التي تمنى فيها الموت..
الموت أحباناً ينقذنا .. ينقذنا من مرارة الشعور بالموت في كل تفاصيلنا ، الموت أحياناً ينقذنا من الذكريات والأسى وغربة الوجوه ، الموت أحياناً يأتي ليُنهي مأساتنا لأن هذه المأساة ستطول بطوال عمرنا وما من شيء ينهيها إلا الموت.
لذلك موت الجندي في أرض المعركة بعد كل ماحدث فيها يكون هيناً أمامّ مَنْ خرج منها حياً حاملاً داخله ذكرياتها التي زعزعت سلامه وهزت أمانه.
أنا خرجت منك بذات الطريقه خرجتُ منهكاً وغريباً وليس مهماً إن خرجت منتصراً أم لا ، لأن شعور الإنتصار لوحده احياناً يأتي كجرح!
كيف ننتصر بقلوبنا على ذلك الشخص الذي أسْكناه فيه ؟
كيف ننتصر على ذلك الشخص الذي اعتبرنا محضّ قربه هو الإنتصار بحد ذاته، حتى ما عادت المفاهيم نفسها و ماعاد الإنتصار قربه أو حبه، ولا عادت السُكنه هي سَكنه ..
آثم.. صدقني آثم مَنْ يترك في قلب أحدهم ندبه لا تمحى .. آثم من تركه مفزوعا طوال حياته ..
كل شيء يمر .. يمر بقسوته وشتاته إلا ذلك الجرح الذي يأتي كريح عاصفه تقتلع الورد من قلبك وتنتشل الربيع من روحك ثم لا يعود كل شيء كما كان .
لعله موقف واحد .. لعلها كلمه بل لعلها نظره عابره ..
صدقني إنها ليس بمقدار الفعل بل بمقدار الاثر .
* كاتبة من السعودية