متناثرات إبداعية

_________________________
_________________________
_________________________
قصة قصيرة جداً
( مصباح ونمل وحضن )
قطع حبله السري بيده ،
عدد قليل من النمل أخذ يرقص ويتراقص ..
حينما إنطفىء المصباح وذهب الضوء .. صدرٌ دافىء يضمه .!
حسن علي البطران
_________________________
أُغادر ..
الشاعرة روضة الحاج / السودان
حين غادرتُه
قال لي
لا تُطيلي الغيابَ
بكى وبكيتُ
وودَّعني ثم غابْ
أغادرُ
يا وطنَ السُمرِ
لكنَّ قلبي
تعذَّرَ أن يستقلَّ معي
طائراتِ الغيابْ!
وها هو ذا
يتعفَّر في تربِكِ العطرِ
يجري كنيليك عذباً
يُغنِّي
بكلِّ معانيكَ
ذوَّبَ فيكَ حُشاشتَه
ثم ذابْ!
أُغادرُ
لكنَّ روحي هنالك يا وطني
يا مهيبَ الجنابْ
تُحلِّقُ في كل شبرٍ
وتطرقُ بالحبِّ يا وطني
كلَّ بابْ!
_________________________
قصة قصيرة / عابرة ٣
هاجر مصطفى جبر / الفيوم . مصر
لا أحب نهاية يناير ، عندما يجف البحر و يتجاسر كل جبان للمس القاع ….يغمض البحر عينيه كطفل يؤمن أننا لا نراه …
كلانا عراه الغياب …كلانا يشتهي الموت كأخر سبل الحياة …
وحدي أعرف أن البحر نقي بلا الماء …
تلك القطرات التي إذا ما اجتمعت كانت أداة قتل … بلا أدلة …بلا شهود .
كم كتم الماء أنفاسًا … كم أوكل له كل عاجز غسل العجز و العار .
………………
” أراكَ “
كلمة تختصر محادثة لم تُكتب ، عام من الغياب … لم تتواضع وتكتب علامة استفهام !!
كثير من الكلام يوشوش أصابعي … من العتاب حتى الكراهية … ” حتمًا “
تم الإرسال .
نفس الموعد ” الخامسة عصرًا ”
تحت الشجرة التي لا تفتح أغصانها إلا لنا – نعم أراها مع كل فراق تُطوى على ذاتها كمظلة محمولة – قالت :
كنت أنتظر شِعرك
ما إن يقال اسمك تحط سحابة من الهدوء و الترقب ….
الكثير من الحزن وشبح العبث الراقص
لم أسمعك مذ تخرجتَ
لكن أثق أن تلك السحائب تتبعك
تلك الأشباح تطلبك للرقص دومًا …
الكثير من الأسئلة ، التي أعرف كرهها لها ، أكتفي بلثم الأصابع … الشفاه … العنق مع ما تيسر ….
لا تحبني … يثيرها حزني … تعود كلما أخذتها شهوة الحزن …
من أنتِ … ؟
سؤال معلق مذ أعوام …
لم ترغبين أن تظلي عابرة .. امنحيني اسمك و استوطنيني .
كل مرة أقول لن أقبل الغياب …
لن أسمح بالعودة … سأوقف عربدة الشفاه … سأقطع الشجرة ثم قبل الرحيل أرويها …
_________________________
عرفتك صدفة بعيداً عن الزمن
سعيد إبراهيم زعلوك / مصر
عَرَفتُكِ… قبل أن يُخلَقَ الزّمن
عَرَفتُكِ،
منذُ فجرِ الأرضِ،
حينَ كانَ النورُ يخطو حافيَ القدمينِ
من رحمِ الظلامِ،
وحينَ كانتِ الأنثى صلاةً بيضاءَ
ترتّلُ للعشقِ فوقَ غصنِ السلامْ،
وكانتِ الكلمةُ نجمةً
تضيءُ ليلَ الهوى،
والرّناتُ ألحانًا من رحمةِ الأيّامْ،
وكانَ الحبُّ يسكنُ في السّحابِ،
ويغمرُ الأرضَ، كالأنفاسِ… كالأنعامْ،
وكنتِ – أنتِ – سِحرًا خالصًا
يَكسرُ الأختامَ،
ويهزُّ قيدَ الأوهامْ.
حبيبتي،
ما كنّا في الهوى صدفةً…
ولا عَبَثًا من غفلةِ الأيامْ،
ما كنّا ظلًّا عابرًا في ليلِ العاشقين،
بل كنّا القصيدةَ حين تُولدُ من رحمِ الحنين،
كنّا رحيقًا للشفاهِ،
وعبيرًا للعاشقِ المتعبِ… من الآلامْ.
صَلِّي…
ليُشرقَ شمسُ روحي،
ويتهدّلَ الليلُ في أعماقِ الظلامْ،
ليُورِقَ القلبُ بالسعادة،
وتَخصُبَ الأرضُ بالسلامْ،
ولا تُعجلي بالرّحيلِ،
فقد انكسرَ السّيفُ الذي فرقنا،
وارتوى جرحُ الكلامْ.
تعالي،
ففي صدري براكينُ اشتياقٍ،
وفي روحي أنينُ الغيمِ إن ضاقَ به السحابْ،
وقُربُكِ لي…
زادي إذا جاعَ القلبُ،
وماؤي إذا عطشَ العُمرُ،
وطعامي إن نَفَدَ الحُلمُ من الأيّامْ.
_________________________
نص / وجع مقيم
سمية جمعة / سوريا
ليل يفتق آخر جيوب الألم،يزاحم وحدتي،يسترق السمع على حكاياتي،كيف اغريه بالنوم، يتمطى ،يتثاءب أعتقد بانه نسيني،يباغتني بشهقة تعيدني لزمن كان نديمي حينها على مائدة البوح، يساهر حروفي يغري لغتي كي تشهد آخر جنوني.
أسيرمعه حافية القلب ،أدوس مشاعر اللهفة ، تغوص أقدام الحيرة في وحل الامنيات.
يتأبطني و يرتحل بي بعيدا إلى مدن لم تسقط عليها راياتي، أتوه في شوارع العتمة يضيء لي قنديل الشعر فاتلو قصائدي،يدندن معي بنغمات كنت قد نسيتها يوما في زحمة المشاعر.
هو الليل رفيق وحدتي و تجليات روح ما انفكت تغازل البلاغة فتدهش بحضورها معترك حياتي.
ما كان علي ان اتأخر
كنت احسب ان الايام تنتظرني
فكم كنت غافلة عن سرقة ليست بالحسبان
زمن… يتسرب من بين اصابع الانتظار، يحدق بي معلنا رحيله، و ها انا بين دفتيه معلقة دون حراك.
يهرب فاهرول خلف خيبات رسمها انكسار مساري فكنت المتأرجحة على حبل التمني،أكون او لا اكون،و لم اكن إلا حيرة تتهالك و ترتمي في حضن الوحدة.
_________________________
قِراءة تأويلية ( ٢ / ٢ )
تساؤلات الفكر والمنطق/في رواية تطفل المدينة.
– المدينة واجترار الاوهـام –
للكاتب والمفكر / أبوالقاسم الطاهر.
✍️ إبراهيم دربات
ونتواصل الجزء الثاني من القراءة
®️ الزمـان والمكـان :
تجري أحداث هذه الرواية ( تطفل المدينة / المدينة واجترار الاوهام) في المُدن التي تُشكل أوهامًا مجترة، والمُدن تزدهر والأخرى تفتقر..
الزمن في هذه الرواية، الزمن الروائي سيطر عليه شخصية الرواي، التـاريخي مجهول وفقًا لتطفل المُدن واوهـامها، النفسي سيطر عليه نفسية الكاتب.
©️ قراءة عامة :
يقول مقدم الرواية ( عبدالرازق إبراهيم) ان هذه الرواية رحلة عميقة عبر عقول شخصيات تتصارع مع واقع معقد..
حقيقةً الكثير من الكُّتاب يكتبون، ولكن السؤال ماذا أرثُ من هذه الكِتابات، من قبل الغوص في الأعمال الأدبية من الضرورة ان تبدأ بالمضمون والمفهوم الذي يتضمنه العمل الادبي، من دون تمجيد رواية تطفل المدينة، المدينة واجترار الاوهام من أصعب الأعمال التي قرأتها لكاتب سوداني، يتناول عدة مواضيع متداخلة مع بعضها البعض، ومن ثم الخروج من عالم السرد إلى عالم الوهم، وإلى عالم الحقيقية، تطفل المدينة عمل دارمي فلسفي يجعلك تغوص في عالمٍ مجتر، الكاتب في روايته هذه أراد أن يضع القـارئ في رحلة في قارب شِراعها مثقوب، وسأل نفسه كيف يمكن النجاة من الغرق المأمول..
رواية تطفل المدينة، المدينة واجترار الاوهام محاولة لفضح الغطاء السياسي والاجتماعي للمدينة.. في رواية أجوك طفلة المطر للكاتِب عاطف عبدالله، ازال الستار عن اللون السياسي للزملاء في الحزب الشيوعي.. لكن أبوالقاسم الان يكشف القناع عن الوهم والحقيقة، وبين القرية والمدينة.
في رواية تطفل المدينة (المدينة واجترار الأوهام) ، يقدم الكاتب والمفكر السوداني أبوالقاسم الطاهر عملاً أدبيًـا يتجاوز السرد التقليدي، ليغوص في أعماق الفلسفة والرمزية، مستعرضًا العلاقة المعقدة بين الإنسان والمدينة.
®️ تسـاؤلات المنطق والفكر في الرواية :
– ما المقصود بتطفل المدينة؟
– هل المدينة كيان متطفل على الإنسان، أم أن الإنسان هو المتطفل على المدينة؟
– كيف تجتر المدينة الأوهام؟
– هل هي صانعة للأوهام أم مستهلكة لها؟
هذه التسـاؤلات تدفع القارئ إلى التفكير في دور المدينة في تشكيل الوعي الفردي والجمعي، وكيف يمكن أن تتحول المدينة من فضـاء مادي إلى كيان معنوي يؤثر في الإنسان ويعيد تشكيل هويته.
من خلال هذا العنوان، يدعو الكاتب القـارئ إلى رحلة فكرية تستكشف كيف يمكن للمدينة أن تكون مصدرًا للأوهـام، وكيف يمكن لهذه الأوهـام أن تؤثر في فهم الإنسـان لذاته وللعـالم من حوله.
في الرواية، لا تُصوَّر المدينة كمجرد مكان، بل كرمز لفكرة أكبر:
– المدينة كمرآة للـذات: تعكس المدينة الحالة النفسية للإنسان، وتُظهر التناقضات والصراعات الداخلية التي يعيشها.
– المدينة كصانعة للأوهـام: تُظهر كيف يمكن للمدينة أن تخلق تصورات غير واقعية عن الحياة، مما يؤدي إلى خيبة الأمل والاغتراب.
من خلال هذه الرمزية، يقدم الكاتب نقدًا للمجتمع الحديث، مسلطًا الضوء على التحديات التي يواجهها الإنسان في سعيه لتحقيق ذاته في بيئة حضرية معقدة.
©️مقطع من الرواية 1 :
,, كانت الحياة هي المسـافة بين الفتحتين : فتحة المهبل اثنـاء الـولادة وفتحة المقبرة التي لا مفر منها،،
هذا النص المكثف، رغم ذات التركيب اللغوي البسيط ، يحمل دلالة فلسفية صادمة بقدر ما هي صـادقة. يستخدم الكاتب استعارتين بيولوجيتين (فتحة الولادة وفتحة القبر) ليحصر الحياة بينهما، في محاولة لتكثيف مسار الوجود الإنسـاني ضمن ثنـائية البداية والنهـاية.
النص يوظف لغة مباشرة وصـادمة، تبدأ من الإشارة إلى فتحة المهبل أثناء الولادة، وهي عبارة تُثير جدلاً نظرًا لاستخدامها العاري وغير الموارب لأعضاء الجسد، ما يجعل القارئ يواجه بداية الحياة بشكل حسي وفسيولوجي. ثم ينتقل إلى النهاية فتحة القبر صورة تقليدية لكنها موحية بالرهبة.
النص يندرج تحت نمط الكتابة الوجودية التي ترى الحياة مجرد عبور، بين مجيء لا خيار فيه ومغادرة محتومة. الإنسان، بحسب هذا التصور، محصور بين فتحتين، في مسـافة هي عمره، بما تحمله من احتمالات وتنـاقضات.
باختزال الوجود الإنساني بين فتحتين، تتقلص الحياة إلى لحظة عبور في سردية لا تمنح معنى أو عمقًا سوى الفناء. هذا يمنح النص بُعدًا عدميًا فكل ما بين الفتحتين محكوم بالموت، ويضع القارئ أمام قسوة حقيقية لا يزيّنها التفاؤل.
النص لا يتعرض لفكرة الروح، أو القيم، أو الإنجازات، أو حتى الحب، وهذا يُعزز من طابعه العدمي. فالحياة هنا لا تُعرّف بما تحتويه، بل فقط بما تفصل بينه: بداية جسدية، ونهاية جسدية.
®️ مقطع من الرواية 2 :
,, التواضع هو لغز التغيير الإجتماعي، وان الإغتراب هو سرطـانها،،
هذا المقطع القصير يتألف من جملتين تحملان فكرتين متقابلتين ضمنيًا، وتقدمان طرحًا نقـديًا للتغيير الاجتماعي والإغتراب بأسلوب مكثف وسيميائي.
1- التواضع هو لغز التغيير الاجتماعي :
التواضع : يقدم المقطع هذا المفهوم الأخلاقي بوصفه عنصرًا غامضًا لكنه فاعل في ديناميكية المجتمعات.
لغز :استخدام هذه الكلمة يعطي انطباعًا بأن أثر التواضع لا يُدرك بسهولة، لكنه حاسم في مسارات التحول الاجتماعي.
التغيير الاجتماعي :يشير إلى تحولات القيم، والأنظمة، والعلاقات داخل المجتمعات.
المقطع يقترح أن القوة المحركة للتغيير لا تكمن فقط في الصراع أو الثورة أو الأيديولوجيات الصارخة، بل في خصلة إنسانية خفية وبسيطة مثل التواضع. فالمتواضع منفتح على الاختلاف، تقبل الآخر وقادر على الإصغاء، ومهيأ للارتقاء الجماعي. التواضع إذًا ليس ضعفًا، بل ذكاء اجتماعي.
2. الإغتراب هو سرطـانها :
الإغتراب: يحيل إلى شعور الفرد بعدم الانتماء أو فقدان الصلة بالذات، أو بالآخر، أو بالمجتمع ككل.
سرطانها: استعارة مرضية قوية، تصف الاغتراب بأنه عامل داخلي ينخر في بنية المجتمع بصمت، تمامًا كما يفعل السرطان في الجسد.
المقطع يعلن أن أكبر خطر على المجتمعات هو شعور أفرادها بالانفصال النفسي والاجتماعي عنها. هذا الانفصال يُفقد المجتمع مناعته، ويقوّض تضامنه الداخلي، مما يفتح الباب أمام الانهيار القيمي والسياسي والروحي.
بين التواضع كلغز إيجابي، والاغتراب كسرطان سلبي، يتشكل ثنائي يُؤسس لقراءة اجتماعية حادة:
– التواضع هو بذرة التغيير البنّاء،
– والاغتراب هو بداية الانهيار الخفي.
©️ مقطع من الرواية 3 :
,, من الاستحالة أن تدع رجلًا آخر يتفرج على مفاتن زوجتي مهما كانت درجته العلمية،،
من الاستحالة: تعبير قطعي حازم، يعكس موقفًا ثابتًا لا يقبل التفاوض.
رجلًا آخر يتفرج على مفاتن زوجتي: استخدام لفظ يتفرج ذو دلالة بصرية شهوانية، ويركز على الجسد كموضوع للفرجة، لا للوجود الإنساني الكامل.
مهما كانت درجته العلمية: هذه الجملة تأتي لإبطال أي تبرير محتمل يستند إلى المكانة الاجتماعية أو الفكرية، وتُبرز أن الخصوصية الجسدية مقدسة فوق كل الاعتبارات.
النص ينتمي إلى خطاب محافظ، يُولي أهمية قصوى لمفهوم الغيرة والملكية الزوجية، ويضع الحدود الصارمة حول الجسد الأنثوي داخل مؤسسة الزواج. يفترض أن الزوجة تمثّل مجالًا خاصًا لا يجوز اختراقه، حتى من قبل الأكاديميين أو المختصين، ربما في سياق طبي أو فني أو حتى اجتماعي.
هذا المنظور يُظهر المرأة كرمز للشرف والخصوصية الذكورية، ويعيد إنتاج علاقة الهيمنة في صيغة الدفاع، لا في صيغة الحوار.
النص يصطدم مع منظومات الطب والتعليم والفن، حيث يكون أحيانًا التفاعل مع الجسد أمرًا علميًا بحتًا، لا يحمل دلالات جنسية أو تجاوزًا أخلاقيًا.
يطرح تساؤلًا عن مدى قدرة المجتمعات على الفصل بين الجسد بوصفه موضوعًا علميًا/فنيًا، والجسد بوصفه موضوعًا جنسيًا أو شرفيًا.
رواية تطفل المدينة (المدينة واجترار الأوهام) للكاتب والناشط الثقافي أبوالقاسم، هي عمل أدبي غني بالمعاني والتـأويلات، يدعو القارئ إلى التفكير العميق في العلاقة بين الإنسـان والمدينة، وكيف يمكن لهذه العلاقة أن تشكل الوعي وتؤثر في الحياة اليومية.
©️ إقتباسـات من الرواية :
,, قد اكون ابن الشجاع، ولكنني مسـالمُ للغاية واعشق التسـالم ولا أجيد القتال البتة،،
,, فإن لم أكن شـابًا ولا طفلًا، ولا عجوزًا وجردوني من كل شيء لقبوني باليتم مثلما تم تحويل والـداي من اسم إلى جثمان،،
,, كانت الحياة هي المسـافة بين الفتحتين : فتحة المهبل اثنـاء الـولادة وفتحة المقبرة التي لا مفر منها،،
,, النفي عند القبيلة هو أقصى وافظع عقوبة يتلقاها الفرد في المجتمع،،
,, انا ذاكرتي أعلى من ذاكرة السمكة في النسيان، واقل نسبيًا من النـاقة في الحفظ،،
,, انا لم اسافر في حياتي من هذه القرية فكل التصورات التي بحوزتي هي عبارة عن أحكام مسبقة شكلتها من بطن الكتب والحكايات،،
,, المُدن لا معنى لها بمعزل عن الفتيـات،،
,, التواضع هو لغز التغيير الإجتماعي، وان الإغتراب هو سرطـانها،،
_________________________
نهاية حرب
زينب السيد / السودان
فى قلبي أنثى …
أخشى العبور بِقربها
فَتَزلزل داخلي بَضحكتها الفوضوية
فأحبها أكثر وأشتهي قربُها للمرة التاسعة
بعد المئة فى يومي هذا
مُنهكَة …
هكذا أبدو …
بِكَاملِ أبجديتِي أنْزَوي
فى قَوْقَعة الصمت
أشاهد المارين على الطُرُقات
وأنْتحَل شخصية زهرة…!
أتَفَحصَ أنف صبيَّة
خَانها البعض بالغياب الباهت
وبقربي نَعَلَ قديم خرج من قدم أحد الجنود
الحالمين بنهاية الحَرْب !
ليتوسدوا أحضان عِشيقاتهم
ويتركُو الخمر على حافة الكأس
وينهالوا فى التقبيل …
طائرة تقذف من السماء إعلانات اليَانَصيب
من سيربح الحرب ؟
من سيرَّبح المليون جرح ؟
من ومن ومن ؟
لما لم يكن كل من لبسوُ أجنحة الحقيقة أنبياء ؟
أحتمالات عاجزة عن التفسير
والسماء تَمطّر شيء أسود
إنهُ ليس أمل وظُلْمات
فتَمطر شيئاً أبيض
إنهُ ليس ثلجا للسلام
إنها بقايا عاطفة حواء
نُستها حِينما هَبَطت للأرض
رجال فَوْق ظهر القطار يتهامزون
ينتظرون خيباتهم بَكَل يأس
قد يعم السلام كل بِقاع الأرض
لكن فى عالم أخر
قد ننَجْو
لكن سيتورط غيرنا
قد نموت بألف خيبة
ويحيا غيرنا بقَبَلةً
وقد نقرر أن نفلت أيدينا
ويقرر غيرنا التعانق على الرَّصيف
قد تموت خطبة عَصْماء فى فم المومسات
وتعيش خطبة جوفاء من تلعثم القداس والفقهاء
قد يمرُّ خريف الذاكرة بارداً كحلم متعري
لا طائِل لهُ ليراقص أفرع البان
قد يتزلزل داخلي لكنني ثابتة بَكل ألم
لنهرب من كل شيء إلى حيوات أخرى
لنعود لنهايتنا السعيدة
ونَتعَارك بِزهرة
وينتصر الخِصْمان
ونَخسر الحرب
ويكون كل شئ أشَبَهَّ بِالخَيال .
_________________________
دوائر مغلقة
بقلم الأديبة أميره عبدالعظيم
منذ أن رسا قارب الموت، ولفظنا على شاطئ المجهول؛ تجمدت الدموع في مقاتيّ وبات لي قلم ثرثار، كلما انزلق من بين أصابعي؛ تلتقطه الحروف، فتعيده إلى سيرته الأولى.
منذ الصغر يتملكنى خوف ورهب من طائر جارح منطوي يلازمنى لا يخجل ولا يكل من وقوفه نصب عينى، لا يفارقنى، يثير إشمئزازى بنظراته الحادة وعينيه الصفراوتين الواسعتين؛ ارتبط اسمه بالخراب، عندما تلتقى نظراتى بنظراته الغائرة؛ يحل بي الشؤم وضيق الصدر …
صوته مرعب يعلو، فتفر يمامتى التى كانت تحرسنى، وترفرف بجناحيها مبتعدة!…
فى مشهد لا يغادر ذاكرتى….
ليلةٌ مُزِق فيها ردائي، لم يتبق لنفسي المهلهلة سوى شرشفٍ لُطخ بدماء شرفى، وبقايا سمومٍ قذرة علقت برحمى، ووصمة عار على جبينى…
هاجرت، وكأن الشؤم هاجر معي؛ أَعمل نادلةً فى باريس أسكب الخمر في الكؤوس…
المدير يناديني ويشير بيده إلى طاولة ( ٣) شخص ما يستحضرنى؛ وقفت أمامه، لامَست يده العفنة تنورتي، دنا منى جسده الثمل يلامس جسدى، ارتعدت مفاصلي؛ حاولت الهرب من بين مخالبه؛ انزلقت الكؤوس وانزلَقت أنا مرتطمةٌ بالأرض تتناثر روحى كما تناثرت الكؤوس شظايا جارحة فى كل مكان، الانكسار والخوف كادا أن يفتكا بي..لا أهاب الموت ولكنى أهاب الأوغاد، أكاد أفقد وعيي؛ يتضبب المشهد في حدقتيّ، ألمح في عتمته الرمادية يمامتي البيضاء
تظللنى نجوم تسطع فتضئ سمائي بوجوده؛ شاب أسمر بشرته تصيح” أنا عربى”، يدنو مُقترباً مني، وبهمسات يتخللها دفء أنفاسه
– اقتربى تمسكى بى سنخرج معاً من هذا البحر اللجي العفن الآسنة أمواجه
على حين غرة يخلع سترته الصوفية، ويرفعنى بين ذراعيه هامساً
– ثقى بى
يتملكنى هدوء حذر
هدأت قليلا، لكن سحابة سوداء تعبر فوق فكرى، طيف بومة يبتسم!
– ممكن أنزل؛ أنت رجل وأنا أكره كل الرجال
– اهدئى، نعم أنا رجل، أما من تبغضيهم فليسوا رجال
غمرنى بنظرةٍ من عينيه، لم أستشعرها منذ أن فارق والدى الحياة؛ غمرنى اطمئنان بعد أن كادت الريبة تفتك بى
– حاولي أن تثقي بى…فقط سأوصلك إلى بيتك
أغمضت عينى، تلعثمت الكلمات بين شفتيّ
رأيت قلمى يهتز وحروفى تسقط من جديد!!….
إنها أشعةالشمس توقظنى
انتفضت أين أنا؟…الفراش ليس فراشي!
ألمح البومة – على غصنٍ من أغصان الشجرة المقابلة لنافذة الغرفة – تنظر لي بعينيها الدائريتين!
_________________________
حالة جنون…ثلاثية الأبعاد
فاطمة محمود سعدالله / تونس
1…
خامرتني فكرة..
مجنونة
شبه مجنونة
أو..مجنونة جدا
لماذا لا أتسلل إلى سنفونية بيتهوفن
أقتطع لي فيها حيّزا
أتمشى فيه بين الآلات الموسيقية
أشد وترا
أحرك قوسا
أقرع طنبورا
أدوزن مع بيتهوفن نغمة شاردة
أفلتت من منصة العازفين
يد القدر تتهيأ لنصرة العدم على الوجود
وأنا..مازلت معلقة بين السقف
وبيني..
أهش على وجود يُسْحَب مني
أريد أن أكون نغمة في كل آلة موسيقية
وأحلق بخيلاء بين الغيوم
أجاور الملائكة..
أحاور “القدر”قبل أن “يقرع الباب”
أقول له:
إن جئت لتقبضني…تمهل قليلا
قليلا ليس أكثر
امنحني حيزا من الزمن
أعيد جزئي إلى كلي..
أملأ فقاعات أحلامي بما تبقى من وقت
أغسل صحون العشاء الأخير
أجمع مخطوطات
تركتها مهملة طويلا على رفوف الذاكرة
أنفض فراغا كان يملؤني
و…أتجمل للقاء
أنشر نَعْيِي على جداري
أتابع التعليقات
أعدك…
سأترك لك حق الرد…
اطرق البابَ أيها القدرُ…
2..
السقف
الصمت
الليل
ينهمر الليل بغزارة بين شقوق نافذتي
يعلقني السقف من أهدابي
و…
يُعَدِّل الصمت أوتار كمنجته
تتهيأ الأوركسترا المعتادة لملء وحدتي
بألوان
و
أصوات
ألوان تسمع حفيف أنفاسي
أصوات ترى حيرتي
خوفي
لهفتي
تفرغني منّي
تفك ضفائر كلماتي
تنفلت القصائد فراشات متوهجة
عيناي تتحولان مطرقة
تفتح ثغرة في إطار لوحة رسمها فان كوخ
نسيها الزمن معلقة في ذاكرتي
أتسلل من الفجوة
يبهرني ضوءٌ قمحيًُ اللون
أتقدم على استحياء
من تلك الشجرة
لن أوقظ “رجل الحقل” من إغفاءته
سأنظر إليه بصمت
أمد يدا افتراضية تمسح قطرات تعب
نزّت من جبينه
وأمضي…
أحمل حزمة سنابل
و..
أملأ
الحقل
ضياء
3..
سمعتك يا سيّابُ تنقر على نافذتي
مطر
مطر
مطر
فتحت رسالة الماء
وقلت للسماء
أفسحي لي الطريق
صوب القمر
لأعزف على أوتار المساء “أنشودة المطر”
فهل يسمح ليَ السياب
بجولة..بين السطور فأنا
بلا مظلة…
يعجبني السفر
عندما أصغي إليك تنوح:
” عيناك
غابتا
نخيل
ساعة السحر”
أندسُّ بين السماء والمساء
أستظل بسعفة
تمدّ فيئها من جيكور إلى قرطاج
وأنام ملء جفوني
على سرير البلاغة والمجاز
أهزّ أعْذاقَ الاستعارة يسّاقط الحلم جنيًّا
وبين إيقاع الدمع
والقصيد
أنشد:مطر..
مطر
مطر
ما أجمل الرحيل يا سيابُ
بين الفصول
وعبر التفاصيل و السهول!
بلا مظلة أنا أعانق المطر
وأفك جدائلي كطفلة مجنونة
تلاحق الشمس مبللة الأحلام
هل تمتطي الغيوم
ولا
ضرر؟
لا
ضرر.
_________________________
و جئت من سـبأٍ أشـدو بقافـيتي
د . عبّد الكريم العفيري / اليمن
و جئت من سـبأٍه أشـدو بقافـيتي
أُهـيم وجداً بذاتِ الرّونقِ الحسنِ
ونشوةُ السّكرِ تنتابُ الحشا شغفاً
كأنني تـائـهٌ فـي غفـلة الـزّمنِ
وهبتُها الروحَ و استرخصتُها ثمناً
لأجلها يرخصُ الغالي من الثّمنِ
لهوتُ دهراً طويلاً في مفاتنِها
و استقبلتني بحضنٍ دافئٍ مرنِ
و عانقتني بلا خوفٍ و لا خجلٍ
و ثغرُها جاد لي بالغيثِ والمُزُنِ
حتى توارت شفاهي في شفائفها
دخلتُ في نوبةٍ عظمى من الوسنِ
وجدّتُ في صدرها الدّفاق متّكئي
و في لمى شفتيها قد رست سُفني
أنا الـذي يا صـباباتي فـُتـنتُ بها
وهل هناك سوى عشقي من الفتنِ
والله والله لم يـُخـلق لها مـثـلٌ
فوق الثرى أبداً في سائر الزمنِ
ودّعـتُها ودموعُ الوجـدِ هاطلةٌ
أشكو النّوى وأنا في غايةِ الحَزَنِ
اللهُ يـعـلـمُ مـا فـارقـتُـها أبـداً
روحي التي في وداعي فارقت بدني
قفوا حداداً و لفّوا من جدائلِها
حولي قليلاً لأني اخترتُها كَفَني
و في ثرى روحها فلتدفنوا جسدي
و لتكتبوا فوق قبري عاشق_اليمنِ
تلوتُ للعشق في محرابها سوراً
بمحكم الذّكرِ والآياتِ والسّننِ
فهل أتاك حديث القوم من إرمٍ
ذاتِ العمادِ سواها قط لم يكنِ
أريكتي عرش بلقيس العظيم وفي
قصور غمدان مهوى كلِ مفتتنِ
ما بالُها اليوم بالأوجاعِ مثقلةٌ
وتشتكي سطوة الآلامِ والمحنِ
وتنزفُ القهرَ في صنعاء أوردتي
وتصطليني جحيم البؤس في عدنِ
تفاءلي يا ربا قحطان و ابتسمي
وعانـقـيـني لأنّ البـين أرّقـَني
بعقل بلقيس هاقد جئتُ متّشحاً
سيفَ الإرادة من سيف بن ذي يزنِ
أنا سفـيرُ بلادي فـي مـواجـِعـها
و صوتُها الحرُّ في الأقطار والمدنِ
منذ الولادة لو خُيّرتُ في وطنٍ
لقلت يا أيها الدنيا أنا يمني
*( القصيدة التي حازت المركز الأول عربيًا في مسابقة شجن الحروف والتي أقيمت بمدينة أغادير بالمغرب والتي اعتبرها الشعراء العرب في المهرجان أجمل ما قيل في حب الاوطان في العصر الحديث )
_________________________
الأنانية ليست قوة
أحمد الشامي * / جيبوتي
* مستشار وزيرة الثقافة في جيبوتي
الأنانية ليست قوة ؛ بل هي سجنٌ يمنعك من رؤية جمال العطاء ..
في زمنٍ ازدحمت فيه الشعارات حول حب الذات وتحقيق الإنجاز الفردي، اختلطت المفاهيم حتى بات من الصعب التمييز بين القوة الحقيقية والأنانية المقنّعة. نعيش اليوم في عالم يدفع الإنسان إلى التمركز حول ذاته، إلى أن يُقدّس رغباته، وأن يرى في العزلة عن الآخرين نوعًا من “التحرر”. غير أن الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون هي أن الأنانية ليست دليل قوة، بل هي سجنٌ صامت، بارد الجدران، ضيّق الأفق، يمنع الإنسان من رؤية الجمال الحقيقي الذي لا يُكتشف إلا حين يُعطي، ويُشارك، ويتجاوز حدود الأنا.
الأنانية لا تأتي دائمًا في صورة متعجرفة أو متكبرة، بل تتخفى أحيانًا في رداء “الحرص”، أو “الخصوصية”، أو حتى “حماية النفس”. لكنها في النهاية تُفضي إلى ذات الشيء: عزلة داخلية تجعل الإنسان يظن أنه مكتفٍ، بينما هو في الحقيقة محروم. فالذي يحبس نفسه داخل دائرة الأنا، يحرمها من نسيم الحياة الحقيقي: الحب، التفاعل، المشاركة، والامتنان. وبينما يظن أنه يُحصّن روحه، هو في الحقيقة يسجنها بعيدًا عن النور.
حين يعطي الإنسان، فإنه لا ينقص، بل يزداد. فالعطاء لا يُقاس بكمّ ما نملكه، بل بجودة ما نقدّمه. قد تكون كلمة طيبة، أو لحظة استماع، أو نظرة حبّ صادقة، لكنها تصنع أثرًا لا يُنسى. العطاء الحقيقي ليس استعراضًا ولا منّة، بل حالة داخلية تنبع من شعور الإنسان بالامتلاء، بالرضا، وبالرغبة في أن يكون سببًا في سعادة الآخرين، مهما كان المقابل.
في المقابل، الأنانية تُفقِد الإنسان لذّة الوجود، إذ لا يرى في من حوله سوى أدوات أو منافسين. لا يستطيع أن يحب بصدق، ولا أن يفرح لغيره، ولا أن يواسي من يتألم دون أن يشعر بأنه يضحّي بشيء. يتقوقع على ذاته، ويتحوّل مع الزمن إلى كائن خائف، يحسب كل خطوة، ويقيس كل علاقة بميزان الربح والخسارة.
لقد خُلِق الإنسان بطبعه ميّالًا للعطاء، ومجبولًا على التفاعل. منذ ولادته، يبدأ في تلقي الحب من أمه، ثم يردّه حين يكبر. في أسرته، يتعلم معنى المشاركة، وفي مجتمعه يكتشف أن الحياة لا تُبنى بالأخذ وحده، بل بالعطاء المتبادل. فحين تنمو هذه الغريزة الفطرية، يكتشف الإنسان معنى أعمق لوجوده. يكتشف أنه ليس كائنًا منفصلًا، بل جزء من نسيج واسع من العلاقات والقصص الإنسانية.
الدين نفسه لم يُغفل هذه الحقيقة. في الإسلام مثلًا، العطاء ليس فقط عبادة، بل روحٌ تسري في كل فعل، من إماطة الأذى عن الطريق، إلى تفريج كربة عن مسلم. قال الله تعالى: “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة”، في مدح من يقدّم غيره على نفسه رغم حاجته. وفي الحديث الشريف: “خير الناس أنفعهم للناس”. بل إن السعادة الحقيقية، كما أخبرنا النبي محمد ﷺ، ليست في امتلاك المزيد، بل في إدخال السرور على قلب أخيك. هذه المفاهيم نفسها نجدها في كل ديانات الأرض، لأن العطاء قيمة إنسانية عابرة للثقافات.
وليس غريبًا أن تؤكد الدراسات النفسية الحديثة هذه المعاني؛ فقد أثبتت أن الأشخاص الذين يُمارسون العطاء، ولو بشكل بسيط، يتمتعون بصحة نفسية أفضل، ومعدلات اكتئاب أقل، ونظرة أكثر تفاؤلًا للحياة. لأنهم، ببساطة، يشعرون بأن لحياتهم معنى، وأن وجودهم لا يمر عبثًا.
الأنانية لا تُفسد فقط ما بين الإنسان ونفسه، بل تُعكّر صفو العلاقات من حوله. الأناني لا يرى سوى ذاته، ولذلك لا يستطيع أن يُكوّن علاقات متوازنة أو صادقة. كل علاقة تصبح عبئًا، وكل عطاء يُعامَل كخسارة. ومع مرور الوقت، ينسحب الناس من حياته، وتبهت الألوان من عالمه، لأنه اختار أن يعيش في دائرة ضيّقة، لا تتسع إلا له.
بينما الإنسان المعطاء، حتى وإن قلّ ماله أو ضاق وقته، تظل حياته أكثر امتلاء، لأنه يزرع في القلوب بساتين من الحب والتقدير، تُثمر له حين يحتاجها. إن أجمل ما في العطاء أنه لا يُنسى، وأن أثره يعود دائمًا بطريقة أو بأخرى. وما من إنسان أعطى بصدق إلا وجاءه المقابل من حيث لا يحتسب.
وهكذا، يتّضح أن العطاء ليس تضحية، بل استثمار في النفس وفي الآخرين. وأن الإنسان لا يرتقي بكثرة ما يملك، بل بكثرة ما يمنح. وإن أردنا مجتمعًا صحيًّا، متماسكًا، نابضًا بالرحمة، فعلينا أن نُعيد الاعتبار لهذه القيمة، وأن نعلّم أبناءنا أن السخاء ليس ضعفًا، وأن مشاركة الآخرين ليست خطرًا، بل هي الطريق الحقيقي إلى السعادة.
في النهاية، يمكن القول إن الأنانية ليست سوى ظلّ خوف، بينما العطاء هو وجه الحب الحقيقي. الأناني قد يملك المال، القوة، والمكانة، لكنه يفتقد السلام الداخلي. أما المعطاء، فحتى وإن قلّ رزقه، يشعر دومًا أنه غنيّ بما يملك، لأنه يُنير عتمات الآخرين، فينير الله له دربه.
العطاء شمسٌ تشرق من الداخل، لا تحتاج إذنًا لتُضيء. فلنكن من أهل العطاء، لا لأننا نملك الكثير، بل لأننا نملك قلوبًا حيّة تعرف أن الحياة لا تكتمل إلا حين نمنح جزءًا منّا للآخرين.
_________________________
انكسار
رؤية يحيى إدريس عكاشة / السودان
بعض الوجع لا يُقال، يختبئ في تفاصيل صغيرة، في تنهيدة مُعلّقة، في نظرة شاردة، في ابتسامة نحملها كقناع كي لا ينكسر وجهنا أمام أحد.
أحيانًا لا نحتاج إلى كلام كثير، فقط نريد من يفهم صمتنا، من يقرأ ارتباكنا، من يربّت على قلوبنا دون أن يطلب تفسيرًا.
هناك شعور يُشبه الحنين، لكنه ليس حنينًا، هو اشتياق لما لم يحدث بعد، لأمانٍ لم نعرفه، لصوت يُشبه “أنا معك” دون شروط، دون خوف، دون انتظار للخذلان.
كبرنا فجأة، لم نعد نبكي أمام أحد، ولم نعد نحكي كل شيء.
تعلمنا أن نُخفي وجعنا تحت ضوء الهاتف، أن نواسي أنفسنا برسالة محذوفة، أو بنص كتبناه ولم ننشره.
نحن أولئك الذين ضاعت بعض أجزاءهم في منتصف الطريق، أخفوا الحزن في صندوق مغلق، وكتبوا على بابه: “لا تفتحه أنا بخير.”
لكن الحقيقة؟ لسنا بخير تمامًا، نحن فقط نتعايش، نرتق أرواحنا كل مساء، وننهض كل صباح ونحن نحمل ما لا يُقال.
ورغم كل التعب، لا زلنا نُحب الحياة بطريقة ما.
نزرع وردة في قلب مُتعب، نضحك بين كل جرح وجرح، ونُواصل، فقط لأن في داخلنا شيء يرفض الاستسلام.
_________________________
ثلاث قصص قصيرة جداً :
ديك في مقهى يتلاعب في لوحة غير متناسقة
بقلم : الدكتور خلف كمال / مصر
١
مقهى
على مقعدين في مقهى منزوٍ يجلسان يتهامسان، تفوحُ رائحةُ الوله في حديثهما
شقتك جميلة فعلا، صوت العصافير غطّى حديثنا!
– انت الأجمل
– ربما تكون غالية الثمن
– لاشيء امام رقتك
– ستكرر ين زيارتك لي؟
– تحت امرك
حين مرّ النادل
طلب منه فنجانين من قهوة ثم اردف:
لطفا نريد أن نسمع شيئا من القرآن الكريم!
٢
لوحة ٌ غيرُ متناسقة
جلس في قناةٍ تليفزيونية نافشاً ريشه ، واضعاً قدما على أخرى ، يساله المذيع فيجيب عن إمكانيات العدو ؛ عدد لواءاته واسمائها ،
اسلحته الثقيلة والخفيفة ،
طائراته ، وامتلاكها الفضاء ، قنابله التدميرية ، لكنه حينما وجه إليه سؤالا : هل هناك وجهُ مقارنةٍ بين العدو وبينكم ..؟
تفصد عرقا ، فتحدث عن امجادنا في حطين وعين جالوت ..!
٣
(ديك)
سألني سائق التاكسي : ياسيدي ماذا تصنع لو رايت اهلك بين احضان غريب؟!
قلت كيف أصنع؟!
هذا لايحتاج سؤال
ساكتب لهما النهاية ..
فجأة،..
أوقف سيارته صارخا:
:انزل هنا ،
واطلق قهقهة عالية والدموع تكسو وجهه .!
وهو يردد: ” يلعن ” ديك امك ..!