آخر الأخبار

البرهان وقرار اللحظة الفاصلة.. توحيد البندقية تحت راية الجيش

عمرو خان

*في خضم حرب الكرامة التي يخوضها السودان اليوم ضد التمرد، يطل علينا الفريق أول عبد الفتاح البرهان بقرار بالغ الأهمية، بل يمكن وصفه بالقرار المصيري، حين أعلن إخضاع جميع الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب القوات المسلحة لقانون الجيش السوداني. هذا القرار لا يقف عند حدود التنظيم العسكري فحسب، بل يلامس جوهر أزمة السودان الممتدة منذ عقود: ازدواجية السلاح، وتعدد مراكز القوة، وما ترتب على ذلك من فوضى في المشهد السياسي والأمني.

*لقد عانى السودان كثيرًا من تجربة قوات الدعم السريع التي خرجت إلى العلن سنة 2005، تحت غطاء محاربة التمرد في دارفور, ومع مرور السنوات، تمددت تلك القوة على حساب سلطة الدولة، حتى صارت جيشًا موازياً يلتهم المساحات الاستراتيجية في قلب السودان, وبعد سقوط نظام البشير، بدا المشهد أكثر خطورة حين رفض قائدها حميدتي مقترح دمج قواته في الجيش خلال عامين، مصرًّا على فترة زمنية تصل إلى عشر سنوات, كان هذا الرفض جرس إنذار مبكر على أن النوايا أبعد من مجرد تأجيل تقني، بل محاولة لزرع كيان مستقل قادر على منافسة القوات المسلحة وربما إزاحتها.

*ومع انكشاف المخطط، كان واضحًا أن الدعم السريع لا يسعى إلى تكامل أو تنسيق، بل إلى التمكين والتمدد، مستفيدًا من عامل الزمن ومن دعم خارجي متشعب الأطراف. لكن الجيش السوداني، بصلابته وتاريخه العريق، وقف سدًا منيعًا أمام هذا الطوفان، وقدّم خيرة شبابه وقادته في معارك الدفاع عن الأرض والهوية والسيادة, لقد أجهضت بسالة الجيش مشروعًا كان يهدف إلى سلخ السودان عن تاريخه الوطني ومؤسساته الراسخة.

*اليوم، ومع اقتراب لحظة الحسم، يأتي قرار البرهان ليضع نقطة نظام على مشهد طويل من الانقسام. فالجيش ليس مجرد مؤسسة عسكرية، بل هو العمود الفقري للدولة السودانية منذ الاستقلال، وحاضن الشرعية الوطنية في مواجهة كل المغامرات. إخضاع الحركات المسلحة لقانونه يعني بداية جديدة تعالج أخطاء الماضي، وتمنع تكرار سيناريو الجنجويد الذي ما زالت البلاد تدفع ثمنه.

*القرار أيضًا رسالة سياسية للداخل والخارج على السواء, للداخل، هو تعبير عن إرادة بناء دولة مؤسسات، لا مكان فيها لتعدد الجيوش ولا لانتشار السلاح خارج سلطة الدولة, وللخارج، هو إشارة قوية بأن السودان ماضٍ في مسار استعادة سيادته بعيدًا عن صفقات أمراء الحرب ورهانات الدول الطامعة, إن اللحظة الراهنة تتطلب حسمًا، والبرهان بقراره هذا يضع أسس معادلة جديدة: إما جيش وطني واحد يحمي الجميع، أو لا دولة.

*إنها لحظة فاصلة، أشبه بقطع الطريق على انحراف تاريخي. فإذا كان الماضي قد شهد تراخيًا في التعامل مع ظاهرة المليشيات، فإن الحاضر يستدعي جرأة في تصحيح المسار والسودان، وهو يقاوم الخيانة ويتشبث بنصر قريب، بحاجة إلى أن تُوحَّد البندقية وتُضبط بوصلة السلاح، فلا تنحرف مرة أخرى نحو الطموحات الشخصية أو الأجندات الأجنبية.

*قرار البرهان ليس مجرد إجراء تنظيمي، بل خطوة تأسيسية في مشروع إعادة بناء السودان على أسس أكثر صلابة فالتاريخ لا يرحم، والأوطان لا تقوم إلا على جيش واحد، راية واحدة، وإرادة وطنية واحدة.

*كاتب صحفي مصري