
إدريس جماع… إبن حلفاية الملوك العبقري
في دائرة الضوء – فائزة إدريس
—————————————————–
نظارات الممرضة ألهمت قريحته فكان بيت شعره المتفرد الذي أجهشها بالبكاء
—————————
شهدت منطقة حلفاية الملوك ببحري في يناير ١٩٢٢ميلاد الشاعر العبقري الفذ إدريس محمد جماع وهو من سلالة ملوك العبدلاب فنشأ نشأة دينية، إلتحق عام ١٩٣٠ بمدرسة حلفاية الملوك، الأولية ومن بعد ذلك بمدرسة أم درمان الوسطى عام ١٩٣٤، ولم يكمل تعليمه ثم إلتحق بعد ذلك بكلية المعلمين ببخت الرضا عام ١٩٣٦ وهاجر إلى مصر عام ١٩٤٧ والتحق بمعهد المعلمين بالزيتون. وفي عام ١٩٥١ حاز على شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها والدراسات الإسلامية. ثم تمًّ تعيينه بمعهد التربية في شندي وتنقل بعد ذلك في مدارس مختلفة بالسودان، حيث عمل بها.
تتميز أشعار جماع بالوصف الفائق الجمال والبساطة والسلاسة مما سكب على شعره إبداعاً وأضفى عليه جاذبية تشد القارئ، ولعل بيته الشعري الذي فاق الخيال في الجمال وتمّ تصنيفه على أنه أبلغ بيت شعر قيل في الغزل في العصر الحديث من أكبر الدلالات على ذلك، ذلكم البيت الذي تنطق حروفه بالعبقريه فقال جماع:
والسيف في الغمد لاتُخشى مضاربه
وسيف عينيك في الحالين بتار
والذي كانت مناسبة نظمه أنه حينما ذهب الشاعر للعلاج والإستشفاء في لندن، أعجب بعيون ممرضته وكان ينظر إلى عينيها بإستمرار عندما تأتي لعلاجه، فأخبرت الممرضة مدير المستشفى بماحدث، فطلب منها أن ترتدي نظارة ففعلت ذلك، وعندما رجعت لجماع للعلاج نظر إليها وانشد : والسيف في الغمد لاتَُخشى مضاربه
وسيف عينيك في الحالين بتار
وعندما تمت ترجمته للممرضة أجهشت بالبكاء لجمال ذلك البيت.
وذلكم البيت من الشعر يوضح جلياً عبقرية الشاعر وإلهامه الشعري المميز بالرغم من الظروف المرضية
التي يمر بها حينذاك. فإذا ماقارناه ووضعناه في كفة الميزان مع بعض الأشعار لفطاحلة من الشعراء وجميعها تدور في ذات النسق ألا وهو العيون وجمالها الفتاك، قد نجد أن مانظمه إدريس جماع لايقل عن نظم أولئك إن لم يكن قد فاقهم في الإبداع. فعلى سبيل المثال وليس الحصر قال عنترة، بن، شداد:
عيون العذارى من خلال البراقع أحدُ
من البيض الرقاق القواطع
كذلك يصف الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي سحر العيون بأنها تغني عن السيوف لكنها تؤدي مهمتها دون أن تُمتشق كالسيوف في أغمادها فقال:
دع عنك ذا السيف الذي جردته
عيناك أمضى من، مضارب حده
كل السيوف قواطعٌ إن جردت
وحسام لحظك قاطعًٌ في غمده
وإبن هانئ الأندلسي يقارب بين عيون الفتاة وصرامة السيوف فيقول:
فتكات لحظك أم سيوف أبيك
والشاعر اللبناني خليل اليازجي قال:
بيض الصوارم تفدي الأعين السودا
فتلك لاتبتغي للضرب تجريدا
إذاً نستخلص من ذلك أن شاعرنا الكبير إدريس جماع بالرغم من قلة أشعاره ودواوينه الشعرية التي لم يكن لديه غير واحد منها وهو لحظات باقية إلا أنّ مانظمه من كلمات كانت فوق العادة ولعل قصيدته أنت السماء شعلة في بحور العبقرية والتي أذهلت العقاد واعجب بها.