
أنا حرااامي!
حكايات ممنوعة _ الشيخ يوسف الحسن
قررت وتحت إلحاح تعذيب الضمير الذي يطاردني هذه الأيَّام أن أقدم نفسي إلى محكمة جرائم الفساد لعلي أطهر نفسي في المقام الأوَّل، وأفتح طريقاً جديداً غير طريقة (التحلُّلْ) وهي الاعتراف بقصد (التطهُّرْ)، لذا لملمت أوراقي ولبست ملابسي لكني جلست في كرسي بحديقة منزلي قرب الباب يحاصرني تردد وخوف، وحتى أقطع الطريق أمام هذه الهواجس أشعلت سيجارة بينسون وجلست أدخنها وأنا أتابع دخانها يخرج عن فمي كثيفاً ثم وهو في تصاعده يتفرق ويضعف حتى يختفي تماماً عند سقف العريشة التي أجلس داخلها.
دخلت على قاضي محكمة الفساد التي كان مقرها من محاسن الصدف أنها قريبة من منزلي وأنا أحمل في يدي أوراق وفوايل عديدة، وقبل أن يرفع القاضي رأسه ليرد على تحيتي ودخولي في الموضوع (توووش)، جرَّني رجل الشرطة وقبضني بقوة من ذراعي وهو يحدثني بأن البداية من وكيل النيابة الذي يجب أن أفتح عنده البلاغ، وعند باب الوكيل كان المكان خالياً تماماً من البشر، فدفعني للداخل وهو يحذرني “يا خينا البلاغ الداير تفتحوا دة لو كان كاذب أو كيدي حا يغتس حجرك وحا يجرجرك ويجرجر الناس الوراك”.
ولأن المحكمة كانت فاااضية ولا مخلوق واحد مشتكي أو مشتكينو حايم فيها ومافي زول غيري أنا وأهل المحكمة بكافة تخصصاتهم الذين عادة ما يأتون فترة الصباحية وينتظرون حتى ساعة الفطور ثم ينصرفون فقد تنبه القاضي الذي كان يطالع صحيفة لحظة دخولي عليه وجرجرتي من أمامه من قبل الشرطي، وصرخ فجأة في رجل الشرطة بأن يحضرني إليه قبل قيامي بفتح بلاغ “أسمع ألحق الراجل دة جيبو قبل يعمل أي إجراء”، وفعلاً جرَّني الشرطي مرَّة أخرى من ذراعي وهو يستأذن الوكيل “مولانا قال يجيبوهو ليهو”.
ومرَّة أخرى وقفت مرتبكاً أمام (مولانا القاضي) وهو لازال يتصفح الصحيفة اليوميَّة بتدقيق شديد فيبتسم مرَّة ويقطب جبينه مرَّة أخرى، ثم فجأة أزاح الصحيفة ووضعها بعنف على التربيزة ومع صوت الصحيفة أصابتني خُلعة شديدة وتراجعت إلى الخلف فأمسك بي الشرطي، فبلعت ريقي ووضع القاضي نظارة القراية ولبس النظارة الأخرى وهو يرمقني من أرجلي حتى رأسي ولعنت في سري فكرة الاعتراف والتطهُّرْ وقلت (هسة عليك الله في أمان الله رايق وفايق فاتح علي طاقة من جهنَّم مالي، ياخ سيبك الله غفور رحيم”.
ولم يخرجني من لولوة نفسي النقناقة غير صوت القاضي وهو يتحدث إلى “أيوة يا خينا عندك شنو هنا جايي تشتكي منو”، فتمالكت نفسي وقلت له (جايي أشتكي فلان الفلاني بتهمة الفساد)، فواصل مراقبته لحركتي ما أوحى إليَّ أنه يشكك في قواي العقلية، وسألني “دة منو كمان؟” فقلت له: (دة أنا شخصياً أنا حرامي عديل كدة سرقت وافسدت واجرمت وسرقت أموال الشعب وطالب تحاكموني محاكمة غليظة عشان تطهروني من الفساد اللي أنا أفسدتو)، فضرب التربيزة توو حتى حاولت الهروب وهو يقول “باين عليك فاضي شغلة”.
وعند الباب وأنا أحاول الفرار قبضني الشرطي ومولانا يناديهو “جيبو جيبو”، ومرّة أخرى نظر إلي نظرته التي تطيِّر الصواب وقال لي أها ورينا فسادك دة قوول ويرفع سماعة الهاتف يتحدَّث مع طرف آخر “أيوة ما عندي حاجة أطلع أنا راجيك” ويعود إلى “أها يا باشا قول أنا سامعك واختصر”، فأحاول أنا (كنت موظفاً حكومياً لسنوات طويلة وكنت أداوم لساعة ساعتين يومياً، ثم صرت لا أداوم نهائياً وعملت في وظيفة أخرى بالقطاع الخاص وصرت لا أحضر للمؤسسة الحكومية إلا لقبض المرتبات أو الحوافز أو البدلات).
ينهرني القاضي “ياخينا سيبك من سيرتك الذاتيَّة خُشْ في الموضوع” وأواصل أنا بتلعثم (بعد عشرين سنة خدمة بالمؤسسة ولمن وصلت الدرجة الأولى الممتازة نزلوني وشلت ضماني الاجتماعي، ومشيت فتحت شركة تجاريَّة وجاي جاي أخدت عملية تمويل كبيرة من البنك، ولمن جا الأجل ما أديتهم ولا مليم، قاموا أدوني عملية تانية عشان يساعدوني أحلحل التانية، وأدوني تالتة عشان أحلحل الأولى والتانية، ولمن زهجوا ودايرين يدقوا الجرس لقوا الرهونات مضروبة، جوا أدوني رابعة وخامسة عشان أحلحل الديون كلها).
وأتمالك شجاعتي بعد أن لاحظت أن القاضي سرح عني وأصبح يقلب في الصحيفة التي أمامه وقلت (يعني الحكومة بتديني مرتبات وحوافز وبدلات ودورات لي عشرين سنة من غير ما اشتغل والبنك شايل منو مية مليار ولسة بيدوني بنية حلحلة الفاتو، وخليك من دة كلو الأسوأ…) فيصرخ القاضي وهو يقف منتصباً ليسلم على أحدهم يدخل علينا “الأسواء هو إنك تزعج المحكمة بي كلامك الفارغ البتقول فيهو دة، والأسوأ إنك حا تاخد مية سوط عشان ما تزعج المحكمة تاني” وبينما كان خارجاً كنت أنا أنال عقوبتي وأصرخ.
(إنتوا اسمعوا الجلد مش طهور)؟!
(خلاص أعمل نايم على كدة)!!