آخر الأخبار

المغتربون أرسلوا لأهلهم بدول النزوح (15) مليار دولار خلال سنتين فقط

دموع غُربة تحولت إلى حياة

حضرة المسؤول ــ د. علاء الدين النور

 

ــ دموع غربة تحولت إلى حياة فخلال عامين فقط من عمر هذه الحرب، أرسل المغتربون السودانيون لأهلهم بدول النزوح المختلفة ما يقدّر بأكثر من 15 مليار دولار

ــ 3 مليون لاجئ سوداني فرّوا إلى مصر والسعودية وقطر والإمارات وتركيا وتشاد وإثيوبيا وأوغندا ورواندا وغيرها، هؤلاء اللاجئون، الذين يشكلون حوالي 600 ألف أسرة، تكفّل بهم المغتربون بمتوسط 500 دولار شهريًا، ما يعادل 7.2 مليار دولار خلال عامين.

ــ أما النازحون داخليًا، وعددهم أكثر من 9 مليون، أي ما يقارب 1.8 مليون أسرة، فقد وجدوا في أقاربهم بالخارج من يسندهم بمبلغ متوسطه 200 دولار شهريًا، أي ما يقارب 7 مليار دولار

هذه الأرقام لا تعني مجرد تحويلات مالية عابرة، بل تعني أن المغترب السوداني صار البنك المركزي الحقيقي للشعب السوداني، فبينما خذلت الدولة مواطنيها، وتواطأت المنظمات الأممية بصمتها أو بتواطؤها، كان المغتربون هم الذين سدوا الفجوة، ومنعوا كارثة المجاعة التي كانت تتنبأ بها تقارير الأمم المتحدة.

ما حدث لم يكن صدفة، بل (ملحمة تكافلية)، إنه انعكاس لقيم عميقة متجذرة في وجدان السودانيين.. ما فعله المغتربون يجسد قيمة الأسرة السودانية الممتدة،

ففي الوقت الذي تفككت فيه الأسرة في المجتمعات الغربية، حتى صار المصطلح نفسه شبه منقرض، ظل السودانيون يتمسكون بترابطهم العائلي، في عالمٍ يسير بخطى سريعة نحو (الفردانية) والانعزال، بينما ظل السوداني لا يرى نفسه إلا من خلال أهله وعشيرته وناسه.. لقد أثبت السودانيون أنهم ليسوا مجرد شعب من شعوب العالم الثالث، بل هم شعب متفرد في إنسانيته، مهد حضارات، ومصدر دروس للأمم التي تظن نفسها متقدمة.. المغترب السوداني لم يرسل المال من فائض ثروته، بل من عرق جبينه، ومن قوت يومه، هناك من اقتطع من راتبه البسيط ليدفع إيجار بيت نازح في القضارف.. هناك من حرم نفسه من أبسط رفاهيات الغربة ليؤمّن رسوم مدرسة طفل في القاهرة أو عنتيبي.. هناك من فضّل أن يعيش بالغربة على الحد الأدنى، فقط ليبقى أهله في الداخل مرفوعي الرأس، لا يمدون يدهم في الطرقات.

إن ما حدث في السودان درس للعالم بأسره، لا العرب امتلكوا هذا القدر من التكافل العائلي، ولا الأفارقة ولا الآسيويون قدّموا مثل هذه التضحية.. الشعب السوداني وحده، مهد الحضارات الأولى، أثبت أنه قادر على حماية نفسه بنفسه، حتى دون دولة ولا منظمات ولا هيئات أممية.. العالم كله مدعو لدراسة هذه التجربة الفريدة: كيف استطاع شعب أن يصمد لعامين كاملين في وجه حرب طاحنة ونزوح بالملايين؟ فقط بفضل تحويلات أبنائه في الخارج.. المغتربون السودانيون لم يعودوا مجرد (داعم إضافي) للاقتصاد، بل صاروا العمود الفقري لبقاء المجتمع نفسه، ولهذا فإن أقل ما يجب أن نفعله لهم هو

ــ صون أماناتهم، وألا نسمح للطفيليين وغيرهم أن يسرقوا منهم مدخراتهم وأموالهم

ــ إلغاء كل الضرائب والجمارك على مدخراتهم ومقتنياتهم التي يجلبونها لأهلهم

ــ اعتبار المغترب شريكًا أساسيًا في صياغة مستقبل السودان، لأنه هو من دفع الثمن الحقيقي لبقاء الوطن.

أيها المغتربون، أنتم حراس الكرامة، يا من تحملتم الغربة والبعد والحرمان، أنتم لستم فقط أفرادًا يرسلون المال، أنتم خط الدفاع الأول عن كرامة السودان.. أنتم الذين أثبتم أن هذا الوطن لا ينكسر، حتى لو اجتمع عليه المتآمرون في الداخل والخارج.. وإننا نعدكم، أن معركتنا القادمة ضد كل من يحاول أن يهدر عرقكم أو يقلل من شأن عطائكم.. سيُكتب في التاريخ أن السودان لم يسقط في هذه الحرب بفضل جيشين: جيش المغتربين في الخارج، وجيش الصامدين في الداخل.. ومعا لن نهزم ابدا.