
النشاط الصوري ونجوم (الدافوري)
خارطة الطريق
ناصر بابكر
•الموسم الرياضي الطبيعي يمتد في أغلب الأحوال ما بين ثمانية إلى تسعة أشهر، إذّ يبدأ في أغلب الدول ما بين أغسطس أو سبتمبر، وينتهي ما بين مايو أو يونيو في العام التالي.. ولاعب كرة القدم على المستوى الاحترافي ينبغي أن يخوض ما لا يقل عن 40 مباراة في الموسم، مع الإشارة لأن الأندية تلعب في بطولتين كحد أدنى خلال الموسم (الدوري والكأس)، فيما يكون العدد أكبر بالنسبة للأندية التي تلعب إقليميا وقارياً.
•الدوري في السودان توقف في 15 إبريل 2023 ولم يكتمل، ولم يلعب لا دوري لا كأس في عام 2024، ثم لعب دوري (صوري) في العام الحالي 2025، خاضت خلاله أندية الممتاز ما بين عشرة إلى خمسة عشر مباراة فقط، وأقيم الموسم في ظرف شهرين فقط، حيث لعبت مرحلة المجموعات في ظرف شهر وعدة أيام، ثم مرحلة النخبة في ظرف 18 يوماً فقط، مع الإشارة لأن النشاط توقف بين المرحلتين لأكثر من أربعة أشهر.
•بعد نهاية الموسم الماضي (الصوري)، أصدر الإتحاد خارطة للموسم الرياضي الجديد، وبحسب تلك الخارطة كان الموسم الجديد ينبغي أن يمتد لثمانية أشهر، حيث كان الدوري الممتاز يفترض أن يكون قد انطلق في (الأول من سبتمبر.. قبل 80 يوماً) على أن ينتهي الموسم خواتيم مايو 2026.
•الرصد أعلاه؛ يعني أن لاعب الدرجة الممتازة، يفترض أن يكون خاض ما بين (إبريل 2023) وحتى الآن (نوفمبر 2025)، ما لا يقل عن (مائة مباراة تنافسية) وذلك حال قيام موسم رياضي في الفترة من (أغسطس 2023 حتى مايو 2024)، ثم موسم آخر في الفترة من (أغسطس 2024 حتى مايو 2025)، ومن ثم موسم يفترض أن يكون قد بدأ في (أغسطس أو سبتمبر 2025)، وبإضافة المباريات المتبقية في الموسم الذي لم يكتمل بعد اندلاع الحرب، فإن الحد الأدنى من المباريات التنافسية التي يفترض أن يكون لعبها لاعب الدوري الممتاز هي مائة مباراة.
•وحال افتراض أن الأندية تؤدي عدد ثلاثة تدريبات (على الأقل) قبل كل مباراة، وعدد (50 تدريبا على الأقل في فترة الإعداد قبل بداية الموسم وفي منتصف الموسم)، فإن ذلك يعني أن لاعب الدوري الممتاز ينبغي أن يكون قد أدى ما بين (400_500) تدريب في الفترة ما بين اندلاع الحرب وحتى اليوم.
•بنظرة بسيطة، نجد أن لاعب الدوري الممتاز الذي يفترض في الوضع الطبيعي أن يكون لاعب النخبة في الكرة السودانية الذي يعتمد عليه في المنتخبات المختلفة، والذي تتسابق الأندية التي تشارك إقليميا وقارياً للظفر بخدماته، لديه فارق مباريات تنافسية يصل لأكثر من (90 مباراة تنافسية)، ولديه نقص في التدريبات يصل لأكثر من (350 أو 400 تدريب)، ولديه نقص في استمرارية النشاط يصل لـ(30 شهراً) باعتبار أن النشاط الذي لعب منذ اندلاع الحرب وحتى نهاية العام الحالي، لعب في ظرف شهرين فقط.
•السادة في إتحاد كرة القدم بقيادة دكتور معتصم جعفر وأسامة عطا المنان والبقية، بلا شك لا علاقة لهم بالتخطيط الفني، ولا يهتمون بهذا الجانب، ولا يستعينون بالمختصين لدراسة أثر هذا الوضع، ودرجة الضرر الذي يسببه إنعدام النشاط، أو حتى النشاط الصوري الذي سيستمر حتى في الموسم القادم، لأن أقصى عدد مباريات يمكن أن يلعبه فريق بالممتاز في الموسم القادم (من يناير حتى مايو 2026) لن يتجاوز عشرين مباراة فقط.
•الوضع أعلاه؛ مدمر تماماً للجوانب البدنية، ويحول لاعب كرة القدم من لاعب محترف يمارس مهنة لديها مواصفات ومتطلبات محددة، للاعب (دافوري) يؤدي نشاط ترويحي لا أكثر، ويقوم بتقضية (عصرية) تحت ستار تنافسي صوري، وبالتالي سيعاني هذا اللاعب الأمرين، حتى يكون قادراً على اللعب في مستوى تنافسي أعلى (إقليمي أو قاري)، كما لن يكون قادراً على تحمل ضغط التدريبات المستمرة والنشاط المنتظم لفترات طويلة، لأن العضلات والأربطة وكل الأجهزة الضرورية التي تعين اللاعب على عمله، بلا شك (ضعفت للحد البعيد إن لم تكن ماتت اكلينيكيا) وبالتالي تحتاج لإنعاش وعمل علمي يستمر لأشهر طويلة للغاية، ويمكن العودة لما قاله طبيب قباني، الذي يخضع اللاعب لتدريبات حتى في فترة التأهيل من الإصابة من أجل تنشيط العضلات والأربطة والقدرة على التنفس حتى لا يعاني اللاعب حينما يعود للتدريبات بالملعب، وبالتالي يسعى الطبيب المتخصص لتجنب ضرر توقف لأشهر لا تتجاوز الستة أو السبعة، فما بالك بلاعبين توقفوا لسنوات، وتعطل نشاطهم لـ(30 شهراً).
•الحديث الذي أدْلى به صربي المريخ داركونوفيتش قبل أيام، حينما أشار لأن بعض اللاعبين الوطنيين لم يكونوا قادرين حتى على إكمال الإحماء في بدايات إعداد الفريق، وشكواه في الفترة الأولى وشكوى المدربين الذين سبقوه من الضعف الشديد للجانب البدني لجل اللاعبين الوطنيين وضعف قدرتهم على التحمل، وكثرة اصاباتهم، كلها مؤشرات لآثار هذا الرصد، وذاك الواقع المؤسف، وهو واقع تحدث عنه أبياه كثيراً في الفترات الماضية، حتى في قمة نجاحات المنتخب، حينما أشار لمعضلة ضيق دائرة الاختيارات لدرجة مخيفة، لأن الأندية غير القمة بلا نشاط، ولا تستطيع تقديم لاعب جاهز للمنتخب، وهو ما يعيدني لما ذكرته قبل فترة، بشأن السنوات العجاف التي تنتظر المنتخبات السودانية، التي لن تجد جيلاً جديداً قادراً على حمل الراية من الجيل الحالي، مع الإشارة لأن جل العناصر التي تلعب لصقور الجديان في السنوات الأخيرة، تجاوزت الثلاثين بسنوات.
•ومع زيادة الإتحاد لعدد الأجانب للقمة، وفتح أبواب التجنيس على مصراعيها، فإن فرص اللاعب الوطني في الناديين اللذين كان يعتمد عليهما المنتخب ستضيق، في وقت تضيق فيه فرص السودانيين في ليبيا من عام لآخر، وبالتالي فإن كان ما تعيشه المنتخبات حالياً واقع سيئ، فالقادم لمن يحلل المعطيات، أسوأ بكثير، بل كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأن الكرة السودانية دخلت بالفعل نفق مظلم لن تخرج منه بسهولة، والسبب أن الإتحاد والتخطيط كطرفي نقيض لا يلتقيان، وطالما أن الاستهتار هو السائد، وطالما أن فكر الإتحاد لا يتجاوز النشاط الصوري بحثا عن أموال (فيفا)، بعيداً عن النشاط الجاد الذي يعين على التنافس الخارجي، ويدعم المنتخبات، فإن الحصاد سيكون كالعلقم.