قراءة في رواية ( السيد والحشرة ) للإماراتي محمد بن جرش  

 

بقلم : سامر أنور الشمالي / سوريا

 

الرواية من احدث الفنون الأدبية في الإمارات العربية المتحدة، ولكنها بدأت تشق طريقها الخاص في السنوات الأخيرة، وتسعى إلى إثبات حضورها على مساحة السرد العربي الذي حقق انجازات بارزة جعلت الرواية تتصدر المشهد الأدبي العربي منذ عقود. ولكن هذا الطموح المشروع تعترضه المعوقات لقلة الأدباء الذين كتبوا واستمروا في كتابة الرواية في الإمارات، فظلت أعمال الكثيرين من كتابها في مجال التجارب الشخصية لا غير، وذلك عكس الكتابات في مجال القصة القصيرة أو الشعر التي حققت انجازات لافتة وهامة، ليس على صعيد المشهد الأدبي في الإمارات، بل على صعيدالمشهد الأدبي العربي أيضا.

***

صدر للأديب الإماراتي (محمد بن جرش) مجموعة من الكتب في أجناس مختلفة قبل دخوله عالم الرواية مع روايته الأولى (السيد والحشرة) التي أثارت انتباهي بالفعل، وهذا ما دفعني إلى كتابة هذه الدراسة التي تحاول إلقاء الضوء على تجربة هذا الأديب الطموح بشكل خاص، وبالنتيجة تسهم في تسليط الضوء على أحد جوانب واقع الرواية المعاصرة في الإمارات.

(الرواية تحت المجهر)

قام ببطولة الرواية بطل مثالي، وهو الشاب(أحمد) صاحب القلب الطيب، والمهذب الهادئ الذي يميل إلى العزلة، وهذا يتناسب مع عمله الذي يلزمه البقاء لساعات طويلة ينظر من عدسة المجهر لمراقبةالكائنات الدقيقة. أما هوايته فهي صيد السمك من النهر في ضاحية المدينة حيث يعيش مع أمه المريضة التي يكن لها كل المحبة والتقدير حتى إنه: (إذا ماقرّر الزواج فسيكون من أجل أن تعتني زوجته بأمه في أيامها الأخيرة) ص37. فلم يغرم هذا الرجل بامرأة من قبل. ولكنه وقع في الحب ذات يوم عندما رأى (حسناء) مع رفيقاتها: (مجموعة من الفتيات يقتربن منه على صهوات جياد عربية قوية، ينظرن إليه باسماتٍ وكأنّهنّ من الحور العين قد انسللن من الفردوس خلسة. ترجّلت بعضهنّ برشاقة، واتّجهن إليه، تتقدّمهنّ فاتنة ذات جمال إغريقي ترتدي مثلهنّ ملابس الفروسية، وتمسك عصا رقيقة بيدها وضعتها تحت إبطها، وكلمته بصوتٍ ساحر) ص17. ويجهل(أحمد) أنها الابنة الوحيدة لـ(السيد) الذي يكاد يمتلك كل شيء في المدينة، ورغم ذلك لا يتورع عن العمل في تجارة الأسلحة وتهريب المخدرات، فهو لايخش القانون لأنه يقدم الرشا بسخاء إلى الشرطة.

كان (أحمد) مجرد موظف محدود الدخل في مختبر الأبحاث البيولوجية إلى أن اكتشف مبيد اللنمل الأصفر الذي ظهر في المدينة واخذ يلحق الأضرار بمزارع (السيد) ويثني عليه رئيسه في العمل، ويصارحه بأن الاكتشاف سينسب إلى(السيد) صاحب المخبر. ولا تجدي اعتراضات(أحمد) الذي يجد أن ذلك الرجل صاحب السطوة سرق جهده، كما سرق كل ثروات المدينة من قبل.

يزج بـ(أحمد) في السجن حيث يتلقى الاهانات، فيشعر بالذل للمرة الأولى في حياته. ثم يخرج من السحن. والمفارقة أنه يدخل قصر(حسناء) حيث يلتقي بـ(السيد) عندما ظهر دون توقع ليقول لابنته إنه عاد إلى القصر لعلمه بدعوتها لـ(أحمد) ويسخر من الشاب الفقير الذي أحب الابنة الوحيدة للملياردير.

ويعرف (أحمد) أن (السيد) أمر بإطلاق سراحه من السجن مقابل قبول ابنته قطع علاقتها معه.

وتؤكد (حسناء) لوالدها أنها لم تنكث بوعدها، وأن هذا اللقاء مجرد لقاء أخير.

ويمتلئ قلب (أحمد) بالحقد بعدما خسر المرأة الوحيدة التي أحبها، كما خسر كرامته في السجن، وبات يشعر أنه حشرة! كما وصفه الضابط و(السيد) فاخذ يخطط للانتقام. وبدأ بالتنفيذ عندما قدم إجازةمن المختبر لمدة شهر، واستدان مالا من صديقه الوحيد العم (حسن) صاحب المقهى الذي يرتاده أحيانا، واشترى أجهزة للمختبر الذي أنشأه في منزله بقصد تعديل جينات النمل الأصفر وتحويلها إلى سلالة تقاوم السموم التي اخترعها سابقا، وذات أجسام صلبة تقاوم العوامل الخارجية، إضافة إلى خاصية التكاثر السريعة. وكانت النتيجة خروج نمل متوحش شره لالتهام اللحوم!.

أرسل (أحمد) صندوقا مغلفا كهدية إلى الضابط الذي حقق معه وعذبه في السجن، وكان في داخله النمل المفترس. ومات الضابط، وتسبب في موت ثلاثة أشخاص أبرياء. وعندها أدرك (أحمد)هول ما جنته يداه. ولكن ندمه على التسبب في قتل الأبرياء اقتصر على وقوعه في الحمى لبضعة أيام، فلم يعد يوجد ما يرده ويردعه عن الانتقام.

ثم أرسل (أحمد) صندوقا من النمل إلى قصر (السيد) فافترسه ورجاله. وكذلك (حسناء) التي رفضت مغادرة المدينة عندما اتصل بها (أحمد) كما رفض التحذير نفسه العم (حسن) ولم نجد ردة فعل(أحمد) متناسبة مع تسببه في مقتل حبيبته، وصديقه الوحيد، أو الأبرياء الذين كان يتحدث عن الانتقام لهم: (لن تخمد نيران الكراهية في قلبي قبل أن أنتقم من السيّد. ليس لي فقط، وإنما للمظلومين كلهم.) ص109.

وتنتهي الرواية بمغادرة (أحمد) وأمه المدينةدون أن يخطر له العمل على إنقاذ سكان المدينة الذين عانوا مثله من ظلم (السيد) لسنوات طويلة، لاسيما أن صاحب المشكلة ورجاله قد ماتوا.

(خواطر هوامش على الرواية)

نجح الروائي (محمد بن جرش) في الهيمنة على عناصر السرد وضبطه بحسب رؤيته الفنية الخاصة، وقد اختار ضمير الغائب العالم بكل شيء، إضافة إلى تدخله المباشر بالتعليق من حين لآخر.ورغم ذلك اكتفى برصد الأحداث من الخارج دون الغوص في أعماق الشخصيات: (ما يزال أحمد محتفظًا بالأفكار الغيبية، ما جعله بالنسبة لجيرانه وزملائه شخصًا غريب الأطوار. فهل الغرابة أن تحتفظ بالمشاعر الإنسانية؟ لا عجب أن يشعر بالحب، ولكن كيف له أن يقع في الحب هكذا بسرعة؟حب فتاة مجهولة لا يعرف عنها أي شيء؟) ص43.

على الرغم من صغر حجم الرواية فإنها لاتخلو- في بعض المواطن- من وصف ساكن غير مبرر، ولا يستثمر تقنيات السرد المتحركة. وكان الأجدر التخلص من تلك الزوائد لصالح ابتكارأحداث جديدة تثري النص: (رفع عينيه عن المجهر، وأخذ نفسًا عميقًا، ثمّ تناول الملفّ الذي يحتوي على المعلومات، ووضعه تحت إبطه، ومضى نحو مكتب مدير قسم الحشرات، ودلف إلى المكتب مباشرة، ووضع الملفّ على مكتب مديره) ص48.

الأحداث في بداية الرواية كانت ذات صيغةمعروفة في الدراما الرائجة على شاشات التلفزيون، أي وقوع شاب فقير في حب الابنة الوحيدة لمليونير شرير يسعى للتفريق بينهما. والمؤلف أدرك هذا التشابه وأجراه على لسان إحدى شخصياته: (لم أشاهد فيلمًا رومانسيًّا منذ زمن طويل) 85. ولكن سرعان ما أنقذ المؤلف عمله عندما تطورت أحداث روايته، وشخصياته أيضا، مبتعدا عن الأنماط الشائعة.

وربما كان من الأفضل لو توسع المؤلف في معالجة موضوع العالم الذي طور سلالة من النمل الذي غزا المدينة متسببا في كارثة عالمية. وبذلك كانت الرواية ستصبح من الخيال العلمي، وكان هذا سيسجل للكاتب في مدونة الرواية الإماراتية لأن هذا النوع من الروايات غير شائع في تاريخ الرواية العربية. ولعله يفعلها في رواية قادمة، وهذا متوقع برأيي من أفكار الكاتب التي تمزج بين الثقافة العلمية، والشغف بالأدب.

المرجع:

العنوان: السيد والحشرة

المؤلف: محمد بن جرش

الناشر: دار كتاب للنشر والتوزيع- الطبعةالأولى- الإمارات 2021