مسرحية جديدة
قصة

عبدالأمير المجر / العراق
حدث هذا قبل عقود كثيرة من الزمن .. حين كنا تلاميذ صغارا، لقد جاء رجل اشقر طويل، كان قد طوى مسافة بعيدة من مدينته قبل أن يصل مدرستنا الريفية النائية .. كان يضع في فمه غليونا، ينفث منه دخانا كثيفا يحجب عنا وجهه احيانا، لكن صوته ظل ينفذ الى اسماعنا بقوة أو ربما كنا نحن نصغي اليه بإنتباه شديد .. وقف قبالة صفنا الطويل، نحن التلاميذ الحفاة الخائفين، وراح يشير نحونا بإصبعه ليختار من بيننا تلاميذ، عرفنا فيما بعد إنهم سيلعبون ادوارا في المسرحية التي يريد اخراجها.. وقتها لم نكن نعرف المسرح ولم نسمع بشيء أسمه مسرحية .. كان عنوانها (زمن الملك الكبير) .. حين وزّع علينا الملابس ورحنا نرتديها، شعرت بالخيبة التي تضاعفت في بيتنا أو بعد أن عرف أهلي بذلك .. لقد كان دوري (الحاجب) بينما كان دور ابن جارنا (الملك)، وكان عليّ ان أمثل الدور الذي لم يحضر أبي لمشاهدته، فيما كانت أمي تبكي من فرط حرقتها وغيظها من جارتها التي كانت تباهي بإبنها الذي بات ملكا لتغيظ أم الحاجب! .. انسانا الزمن اشياء كثيرة وتوارت اشياء مثلها في اعماق الذاكرة، لكن الناس ظلوا يسموننا (بيت الحاجب)، فيما كانت تسمية جارنا (بيت الملك) .. يا إلهي، أية لعنة هذه وكيف اتخلص من هذا الطوق الثقيل الذي ظل يشبعني حيفا وقهرا .. إذ حتى حين كنت اتعارك مع إبن الجار هذا وأصرعه، يقول الناس إن (الحاجب) تعارك مع (الملك) أو ضربه!
في أحد الأيام وبعد أن تقدمت بنا السنون كثيرا، جاء الى قريتنا، التي باتت شبه مدينة، رجل طويل وممتلئ بعض الشيء .. لم يمسك بيده غليونا ينفث منه دخانا كثيفا ولم يكن أشقر، لكن ملامح وجهه ذكرتنا بالمخرج القديم .. جاء يسأل عنا نحن أبناء مدرسة تلك القرية .. وقال إنه من مركز دراسات يحمل اسم المخرج الكبير الذي رحل منذ سنين .. وفي ذكرى رحيله يريد المركز أن يقدم مسرحية جديدة تعرض في مدرستنا نفسها .. لم أطلب منه دور الملك هذه المرة لأتخلص من حيف (الحاجب) الذي صار كناية لي، ولم يقل هو لإبن جارنا (الملك ) أن يعيد تأدية الدور .. لقد طلب منّا وهو ينقل الينا تحيات المركز بأن نحضر، بوصفنا روّادا وأدينا أدوارنا في المسرحية القديمة بنجاح .. نحضر لمشاهدة المسرحية الجديدة التي ستعرض هناك، وقد اخبرنا بيوم العرض!