عم عوض والنظر إلى المستقبل 

 

عهدي بالاستاذ  عوض جادين محي الدين من خلال برنامج ساحات الفداء الذي كان يقدم في تسعينات القرن الماضي عبر تلفزيون جمهورية السودان والذي كان ملفت للمشاهدين في تقديم برنامج يحكي عن الحرب في جنوب السودان ويعكس تضحيات القوات المسلحة والمجاهدين من الدفاع الشعبي ودورهم في الدفاع عن الوطن ،كما شاهدته مرات عديدة في بوابات قناة الخرطوم الدولية وهي في مرحلة التاسيس العمراني والبث التلفزيون .

في العام ١٩٩٧ كنت أعمل مديرا لاذاعة جنوب كردفان من كادقلي وهي المرة الثانية التي أذهب لإدارتها واعادة اعمارها من حيث التأهيل الهندسي، استوديو ومحطة إرسال وتخطيط برامجي يتخذ من التنمية والسلام محتوى برامجي في قالب المنوعات وإنتاج دراما محلية تعكس أهمية السلام والتنمية .

في نفس العام تم نقلي الى امدرمان بتوجيه من الأستاذ عوض جادين، ثم علمت فيما بعد أن وراء هذا النقل المهندس صالح الحاج البشير وكان الهدف الاستفادة من محطات الfm برامجيا.

تقابلت مع الاستاذ عوض جادين في حوش الإذاعة وطلب مني الحضور الي مكتبه وتم تحديد الموعد الساعة الرابعة عصرا.

دار حوار بيني وبينه في كثير من الهموم والمشاكل التي تواجه الإذاعة بداية من اسطول العربات، بيئة العمل، الوضع الهندسي، المحتوى البرامجي ومستقبل الإذاعة في ظل التطور التكنلوجي،  قضيت معه وقت يحمل الكثير من رؤى ترتكز على مستقبل الإذاعة، وكيفية الاستفادة من مكتبة الإذاعة في عمل محطات إذاعة تسهم في الارتقاء البرامجي والتنوع السماعي لمستمعي إذاعة امدرمان.

كانت تجربتي الاولى مع عم عوض إذاعة ملتقي النيلين استمر النقاش حولها قرابة الستة أشهر لاختيار الاسم في اجتماعات متواصلة، الى ان ظهرت بهذا الاسم والشكل البرامجي، عملت ملتقى النيلين على محتوى اقتصادي، واتخذت من شكل المنوعات قالب برامجي وهي أول إذاعة اقتصادية في السودان، الهدف منها رفع الوعي الاقتصادي من خلال الأثر  السماعي، شارك في تنفيذ هذه الإذاعة مجموعة من الاخوان والأحباب منهم الحبيب الشفيع عبدالعزيز حسن الذي اتخذ من شعبية المفردة الاقتصادية مصطلح في خط سير البرمجة، وكان كثيرا مايقول الشفيع ويتخذ من المفردة الشعبية أداة توصيل لمفاهيم الاقتصاد المعقدة في حوارته مع فطحالة الاقتصاد في الجامعات السودانية .

لم تكن رؤية عم عوض لاذاعة ملتقى النيلين برامجية فقط، بل كانت أيضا هندسية، عملت الإذاعة على أجهزة الcd واجهزة ال،md فكانت نقلة في التعامل على ديسك التنفيذ الذي كان يلعب عليه الفني عثمان محمد عمر، وهو اول من برمج إذاعة ملتقى النيلين على الاجهزة الجديدة والحديثة في منظومة التطور التكنلوجي الذي قاده الاستاذ عوض جادين محي الدين .

التجربة الثانية مع استاذي عم عوض تجربة الفريق الأفقي على إذاعة البرنامج العام، وهي تجربة فريدة اسست الى مفهوم حرية العمل الاذاعي ومواجهة جمهور المستمعين في مناقشة القضايا الاقتصادية، الخدمية،  الثقافيه، المجتمعية والسياسية، وكل ما يهم المواطن في حياته اليومية مع المؤسسات الحكومية الرسمية والوزراء المعنيين واصحاب اتخاذ القرار، استطعنا من خلالها إيصال صوت المستمع لكل المسؤولين واتخاذ الكثير من القرارات لصالح المواطن، لعب فيها المذيعين أدوار ايجابية في الحوار وكذا المعدين والمخرجين وكل الفريق العامل الذين كانوا فريق عمل واحد كل يلعب دوره المناط به.

اما التجربة الثالثة والتي تم فيها تطبيق الرؤية المستقبلية للإذاعة هي إذاعة البيت السوداني وهي من افكار عم عوض وكان شخصي والحبيب الشفيع منفذين للفكرة بعد تطويرها، والتي رأت النور في عهد استاذي معتصم فضل في العام ٢٠٠٥ وظلت تعمل الى ان دخل الاوباش الإذاعة وتم تدمير كل فعل جميل ولطيف من قبل الجنجويد.

كما هو معلوم إذاعة البيت السوداني اتخذت من الأسرة والطفل محتوى ومن المنوعات شكل برامجي .

عم عوض لم يكن ينظر الى الإذاعة بالطريقة الكلاسيكية بل كان متمردا على كل شى،  بداية من بيئة العمل، النظرة الهندسية لاستوديوهاتها ومحطات الإرسال والنواقل بمختلف أشكال النقل الحي.

الاستفادة من المستمع كمشارك في البرمجة المحتوي البرامجي، التعرفة المالية، اختيار الضيوف، شكل الورديات والمبيت في الإذاعة، حضور الإذاعة في كل المحافل داخليا وخارجيا، التدريب واهميته التفاعلية في اتحاد اذاعات العربية، ومقترحه في تطوير وربط الاذاعات هندسيا داخليا في كل الدول العربية وربطها عربيا  عن طريق جهاز المينوس.

كانت نظرة عم عوض للإذاعة نظرة مجتمعية تحرك المجتمع نحو الأفضل في كل  نواحي الحياة اليومية وغرس روح الإنتاج بالاستفادة من العلم والتقنية التي أصبحت سيدة العالم.

عم عوض له افضال كثيرة على إذاعة امدرمان بن الجزيرة الخضراء ودنعمان..

هذا قليل من كثير مما قدمه الاستاذ عوض جادين محي الدين فأصبحت الإذاعة في عهده خلية للعمل والابداع كما فعل سابقيه من مدراء الإذاعة الا انه تميز دوما برؤيته المستقبلية .

التحية والتقدير لعم عوض كما يحلو لكل الذين عملوا معه طاقة جبارة من العمل المؤسس مصحوبة بالعلم والمعرفة والنظر دوما الى المستقبل.

متعك الله بالصحة والعافية ودمت وطني غيور علي السودان وأهله من المستمعين والمشاهدين.

تلميذك د طارق البحر

١٥يناير ٢٠٢٥ امدرمان