بعد إختياره رئيسا للوزراء …هل سينجح الدكتور كامل إدريس؟

- مطلوب من رئيس الوزراء الجديد إعادة تشكيل العقل السوداني
- الدكتور كامل إدريس أمامه تحدي بناء سودان جديد يقوم على إدارة التنوع بعدالة
- للدكتور كامل إدريس رؤية استشرافية طرحها في كتاب السودان 2020م
تقرير – دكتور إبراهيم حسن ذو النون:
أذكر في اليوم الأخير من العام 2004م حضرت ندوة لمناقشة مستخلص كتاب الدكتور كامل إدريس (السودان 2020م) إقامتها صحيفة الأزمنة نسخة الأستاذ جمال عنقرة بالتعاون مع الاتحاد العام لعمال السودان والذي كان على قيادته البروفسير إبراهيم غندور, وقد حضرها حضور نوعي مجموعة من القيادات السياسية والمجتمعية علاوة على رموز ثقافية وأكاديمية, أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر البروفسير بركات موسى الحواتي عميد كلية القانون بجامعة جوبا وقتها والأستاذ المرحوم عبدالرسول النور القيادي بحزب الأمة وحاكم كردفان الأسبق, ورئيس مجلس إدارة الهئية القومية للإذاعة والتلفزيون, والأستاذ عبدالله آدم خاطر الباحث والكاتب الصحفي, والأستاذ الشاعر التجاني حاج موسى الأمين العام للمجلس الاتحادي للمصنفات الأدبية والفنية, والبروفسير ابيقو اكوك مدير مركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا وقتها, والدكتورة هويدا صلاح الدين العتباني الأستاذة بمركز دراسات السلام والتنمية بجامعة جوبا وغيرهم, وقد أدارالندوة الأستاذ معاوية أبوقرون الكاتب الصحفي والذي كان إدارته للندوة يقدم المشاركين فيها بعبارة ( اقدم الدكتور فلان وقد تبقي لدخولنا للعام 2005م ثلاث ساعات وأربعة عشر دقيقة, ويضيف إليها خمسة عشر عاما) هي زمن الرؤية التي طرحها الدكتور كامل إدريس في مستخلص كتابه (السودان 2020م), ولعل أهم ما جاءت به هذه الندوة إنها لأول مرة تقدم الدكتور كامل إدريس في محفل سوداني غير حكومي ليعكس رؤيته للسودان 2020م, لاسيما وبلادنا كانت تستعد لاستقبال حدث تاريخي أحدث الكثير من المتغيرات في الواقع السوداني المازووم, هو التوقيع على إتفاقية سلام السودان بضاحية نيفاشا بالعاصمة الكينيية في يوم التاسع من يناير 2005م أي بعد تسعة أيام من موعد الندوة والتي بعد ست سنوات إنتهى إلى انفصال جنوب السودان في دولة قائمة بذاتها ومن ساعتها زادت أوضاع البلاد تعقيدا.
د.كامل والسؤال المهم:
ثمة سؤال مهم وهوهل سينجح الدكتور كامل إدريس في مهمته التي كلفه بها صناع القرار في السودان والمتمثلة في رئاسة مجلس الوزرا الانتقالي؟
وفي تقديري وقبل الإجابة على السؤال المهم لابد من التقرير بأن مايمر به السودان الآن يمثل منعطفا تاريخيا بسبب هذه الحرب الماثلة وبسبب أسباب الحرب نفسها والتي من الثابت إنها محاولة جديدة لإستهداف السودان وقدراته وامكانياته البشرية والمالية بواسطة قوى إقليمية ودولية وجدت ضالتها في مليشيا الدعم السريع المتمردة لتكون وكيلا عنها لأداء هذه المهمة وبالطبع فإن ذلك يمثل جزء من مخطط تقسيم وتفتيت الوطن العربي لدول هشة يسهل الانقضاض عليها كل ذلك لصالح مشروع الشرق. الأوسط الجديد الذي هندسته الولايات المتحدة الامريكية لتقوية وتعزيز دولة الكيان الصهيوني والتي تهيمن عن طريق اللوبي الصهيوني علي صناعة وهندسة السياسات وتحريك الاقتصاد في أمريكا نفسها.
هذا فضلا عن ظروف أخرى منها ماهو أني أو تاريخي وأن كانت كلها تصنف بأنها بالغة التعقيد ومن رائي أن عملية الأختيارنفسها قد جاءت بعد دراسة لشخصية الدكتور كامل إدريس والذي يستند على خلفية أكاديمية وثقافية وقانونية وعلى خبرات عملية بوزارة الخارجية السودانية وخبرات أكبر للعمل في المنظمة العالمية للملكية الفكرية والتي تعرف اختصاراب (الوابيو) ولعل الوصول لمنصب المدير العام في هذه المنظمة هو في حد ذاته يمثل ميزة إضافية لسبرة ومسيرة الدكتور كامل إدريس أما النجاحات التي حققها بالمنظمة فهي شاهدةعليه وهي الحقيقة التي لايختلف عليها إثنان كل هذه مؤشرات ليس لإختياره لمنصب رئيس الوزراء الانتقالي فحسب بل لنجاحاته المتوقعة بإذن الله
رؤية جديدة لإدارة السودان:
لأشك أن رؤية الدكتو ركامل إدريس التي طرحها قبل عشرين عاما في مستخلص كتابه (السو دان 2020م) وبرغم السنوات التي مرت عليها يمكن أن يؤسس عليها رؤيته الخاصة بإدارة فترته كرئيس وزراء انتقالي, لكن مع تحديث بعض مفرداتها لإستيعاب المتغيرات الكثيرة التي حدثت فترة العشرين عاما والتي أهمها إنفصال جنوب السودان وتداعيات ما حدث في دارفور وولوج السودان ساحة القضاء الجنائي الدولي حيث تم إتهام بعض رموز الإنقاذ وعلى رأسهم الرئيس الأسبق عمر البشير والذي رفض المثول أمامها لأسباب سياسية وأخرى قانونية شكلية ومثول إثنين من القيادات العسكرية السيد بحر إدريس ابو قردة القيادي بحركات الكفاح المسلح والذي انتهت المحكمة ببراءته, والسيد علي كوشيب القائد المنتمي للمجموعات العربية التي ساندت الإنقاذ الوطني في حربها مع حركات الكفاح المسلح والتي عرفت في الأوساط الشعبية السودانية بل حتى في الأوساط السياسية والقانونية والإعلامية المحلية والعالمية ب(الجنجويد) والذي لم تزل جلسات محاكمه مستمرة حتى الآن, وثورة ديسمبر 2018م وما اعقبها من تطورات تمثلت في إنهيار نظام الإنقاذ الوطني وتشكيل تحالف سياسي مدني عسكري لإدارة الفترة الانتقالية بين المكون المدني (قوى إعلان الحرية والتغيير) والمكون العسكري (القوات المسلحة والشرطة والمخابرات العامة والدعم السريع) وإنهيار ذلك التحالف نتيجة إجراءات 25 أكتوبر 2021م التي اتخذها القائد العام للقوات المسلحة رئيس المجلس السيادي الانتقالي وصدور الوثيقة الدستورية 2019م والتوقيع على اتفاقية سلام جوبا 2020م بالإضافة إلى استقالة رئيس الوزراء الانتقالي الدكتورعبد الله حمدوك 2021م والخلافات التي لازمت إجراءات لجنة تفكيك وإزالة تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م والخلافات السياسية التي لازمت التوقيع على الاتفاق الإطاري نهاية 2022م وأخيرا حرب 15 أبريل2023 م الماثلة وما لاحقها من آثار مادية ومعنوية ونفسية لحقت بكل السودان وتتحمل وزرها مليشيا الدعم السريع المتمردة.
والتأكيد أن رؤية الدكتور المستحدثة لإدارة السودان تستلزم قراءة المشهد السوداني بكل تفاصيله وتستدرك مشكلته التاريخية والأسباب الجذرية للحروب والنزاعات والتي أمسكت بتلابيب السودان والسودانيين.
الرؤية الصحيحة للحلول:
لاشك أن أي رؤية للإصلاح السياسي والاقتسادي والاجتماعي في السودان لابد أن تستوعب كل نقاط القوة التي يذخر بها السودان لاستصحابها في الرؤية الجديدة لإدارة الفترة الانتقالية الجديدة بقيادة الدكتور كامل, فكل نقاط القوة والفرص المتوفرة يمكن توظيفها لتكون محفزات إضافية لاستكمال كل ذلك.
فالرؤية الصحيحة تستلزم استدراك تلك نقاط القوة والفرص وتجييرها للمصلحة القومية وتأسيس مشروع وطني مفقود ومنتظر لأنه يمثل الضامن للسودان الجديد القائم على إدارة التنوع الذي يذخر به السودان بعدالة والذي أهم مقوماته قبول الآخر وتعزيز ثقافة الحوار والمزيد من الحوار بين جميع المكونات الاجتماعية والثقافية والسياسية وإلغاء كافة أشكال المغابن التاريخية.
وحتى تستكمل هذه الرؤية حلقاتها لابد من استدراك مجموعة المهددات التاريخية والتي تجددت بسبب الحروب والنزاعات التي لازمت سنوات الحكم الوطني والتي يمكن تجاوزها بحل سوداني سوداني.
حزمة نقاط الضعف التي لازمت السودان يمكن أن تتحول لنقاط قوة إذا ما تم تدارك الأخطاء التاريخية المسكوت عنها.
إعادة تشكيل العقل السوداني:
اللافت للنظر أن خطوة تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسا للوزراء قد وجدت ترحيبا واسعا محليا واقليميا ودوليا وهذا يضاعف من مسئوليته ومهامه المنتشرة, لأن هذا الترحيب الواسع يصاحبه عشم من أن يحالفه النجاح في المهمة التاريخية العسيرة, ولعل أهم مهمة تنتظر الدكتور كامل إدريس هي إعادة تشكيل العقل السوداني من جديد لأننا كسودانيين نغني للماضي ونجتر البطولات لكننا لا نعمل, نتحدث أكثر مما ينبغي ونلغي الآخر وندير اشياءنا بلارؤية ولا استراتيجية واضحة ولكن دعونا نؤسس للسودان الجديد عبر مشروع وطني متفق عليه نستدرك به كل اخفاقاتنا التاريخية قوامه إعادة تشكيل العقل السوداني ليكون منتجا.