قلعة المخابرات العامة … يا جبل مايهزك ريح

فنجان الصباح 
أحمد عبد الوهاب 

*(فن الحرب) كتاب قديم للفيلسوف الصيني ومؤرخ العسكرية الشهير ( صن تزو), ومن أحفاد أحفاده الكاتب جيان وانغ تشي الذي كتب الأسبوع الماضي يقول إن الجنجويد الهمج الرعاع ظنوا إنهم قد أخضعوا السودان بينما( كانوا يساقون كالفئران إلى مصيدة نصبت لهم بإحكام).
*يحفظ الصينيون لأهل السودان أنهم الذين انتقموا للصين من الجنرال اللعين شارلس غوردون الذي أخضع الإمبراطورية الصفراء وذبح أكثر من مليون صيني, ثم نصب له دراويش فقراء لا يملكون قوت يومهم مصيدة على أسوار القصر الجمهوري بالخرطوم وذبحوه مثل أرنب مذعور, ومن يومها صار القصر الجمهوري مزارا لأهل الصين.
*من يبلغ صاحب كتاب( فن الحرب) أن الجيش السوداني وجهاز مخابراته يغنون للكلاش والمدفع أب ثكلي منذ 17 شهرا
أسمعني نشيدك
ووريني في (الفن) تجديدك
*فبين واحد من أقوى جيوش المنطقة, وواحد من أخطر أجهزة المخابرات في افريقيا, يتم سحق عظام الأوباش ونصب شرك( أم زريدو) للجنجويد الرعاع تتار الصحراء, مصيدة معدة باحكام, لا أجد لها تفسيرا غير الإعدام.
*مع جهاز المخابرات العامة السوداني أحد أذكى وأدهى وأخطر أجهزة التجسس في القارة السمراء تستطيع – أنت كسوداني – أن تمشي الخيلاء متبخترا أمام منصات أعتى أجهزة التخابر والجاسوسية الإقليمية والدولية, ورأسك مرفوع في السماء
وبزيارة عجلى للتاريخ تستبين لك الحقائق, ولكن يمكنك الاكتفاء منها بثلاث قصص نجاح باهرة لهذا الجهاز الخطير.
*دوليا – كان الإرهابي العالمي الذي دوخ أوربا وأمريكا قد اختطف وزراء منظمة أوبك أغنى منظمة في التاريخ, ولا ينجو الوزراء من الذبح إلا بكرامة البليلة وبعد دفع ديات تزن كروشهم ذهبا.. ثم يتبخر الإرهابي العالمي، وتدوخ أجهزة التجسس الغربية كلها وهي تبحث عبثا عنه, ولا تجده, وحتى قيل يومها ( إن القيد الحديدي الذي سيوضع على يدي كارلوس لم يصنع بعد)
*ثم.. وبعملية نوعية ذكية وناعمة كان رجال المخابرات السودانيين في مريديان الخرطوم يضعون القيد المصنوع في السودان في يدي الرجل وقهوته لاتزال ساخنة, وفوهات مسدساتهم باردة, وتنتهي قصة الرجل الأسطورة, ويبدأ فشلهم المجلجل ونجاحنا الساحق.
*وداخليا- كان الحزب الشيوعي الذي يصف نفسه ب(ملح الأرض) يذوب كفص ملح عند كل إنقلاب ويدخل قادته تحت الأرض من عهد الجبهة المعادية – زورا-للاستعمار مرورا بعهد عبود والنميري, ونصف عمر الإنقاذ,ولكن لحظة تاريخية فاصلة يجد فيها سكرتير الحزب الراحل نقد ومعاونوه في مخبئهم أنفسهم أمام كبار ضباط الجهاز الذين يعطونهم الأمان ويطلبون منه إلغاء خدمة الذوبان والاختفاء, والخروج للشمس, ولعصر مابعد البروسترويكا, والحرب الباردة.
*وإقليميا- كان فصيل عسكري لدولة جارة يمشط الصحراء بحثا عن مطلوبين في منطقة تتلاقى فيها حدود ثلاث دول فإذا هم أنفسهم يصبحون من طالبين لمطلوبين (رهائن) تحت رحمة السموم والعطش وبنادق لعصابات الصحراء المتوحشة القادمة من دولة ثالثة, ولكن كان جهاز المخابرات العامة السوداني في الموعد, كان كعصار المفازة يحيط بهم ويهبط عليهم كالقدر, يحيد المجموعة الإرهابية ويستنقذ الفصيل العسكري كالشعرة من العجين.
*والأمثلة أكثر من أن تأتي تحت حصر, ولكن يكفيك من القلادة ما أحاط بالعنق, ومن (شرك أم زريدو) ما أحاط بالجنجويد الذين لن ينجو منهم أحد مالم يختاروا حلا واحدا ولا ثاني له, إما الإستسلام أوالموت الزؤام.
*إن أجهزة الأمن والمخابرات في كل الدنيا تعمل كما يعمل جهاز المناعة في الجسم البشري وكما تفعل زرقاء اليمامة وهي تحدق في المدى وترى شجرا أو شرا يمشي من بعيد, في حين يصر المغفلون على النظر إلى ماتحت أرجلهم.
*ومثل هذه الأجهزة الواعية والعيون الصاحية غير مرغوب فيها لدى دول الاستعمار في نسخته القديمة أو الجديدة, وغير مرغوب فيها أيضا لدى الوكلاء الأشرار والعملاء الصغار. مايفسر لك لماذا عند كل انتفاضة ثورية مسروقة، أو هبة عبثية مصنوعة كان جهاز المخابرات هو المستهدف أولا
بالتصفية والحل, ولماذا في كل مرة ينجو بأعجوبة ويذهب الأشرار إلى مزابل التاريخ.
*إن قصة نجاة هذا الجهاز رغم الكيد الدولي الخطير والحقد المحلي والاقليمي الكبير لهو إحدى الأعاجيب وإحدى كرامات هذا الوطن الأسمر الكريم
*لقد كان نبأ حل هيئة العمليات في أول عهد آل (قحط) قد تزامن مع نبأ رحيل آخر خال في أسرتي، وكانت دموعي المدرارة تسيل ولا أدري هل لرحيل الخال العزيز أم لحل هذه هيئة العمليات؟.
*إنها ذكريات مرة وأحداث مؤلمة مهدت لهذه المحنة التي تتصدى لها بلادنا بهذا الجهاد الأغر المحجل والحفاظ المر والصمود العذب. بدماء الشهداء ودعاء الصالحين ودموع الصابرين.
*إن هذه المحن تعطينا دروسا للتاريخ بأن لا نفرط في مؤسساتنا القومية التي بنيناها من ليل الأسى ومر الذكريات وان نعض عليها بالنواجز.. لكي لا يعبث بها أحد حزب أو جماعة أو فرد, بل تبقي ثابتة وصامدة, تتغير الأنظمة وتجئ حكومات ويذهب حكام, وتبقى هذه المؤسسات عامرة وقادرة لاتزعزعها أعتى العواصف والأعاصير, تتدفق عطاء مثل النيل.
*إن الجيش لا يكرهه إلا خائن, وإن المخابرات لايبغضها إلا عميل, والشرطة لا (يعاديها) إلا حرامي, والوطن لا يخونه إلا العملاء والخونة واللصوص, نعم ليبقى الجيش قويا
ونعم ليبقى جهاز المخابرات صامدا
وياجبل مايهزك ريح