موت حلم

بعد .. و .. مسافة 
مصطفى ابوالعزائم 

*أشرت قبل الآن إلى أنني تفرّغتُ لمدة ثلاثة أيام كاملة ، للإطلاع على بعض ما تم تدوينه عن ثورة أكتوبر 1964م، وعن أسبابها ودوافعها والنتائج المترتبة عليها ، رغم إلمامي ببعض ذلك من خلال مجالستي ومحاورتي لبعض الشخصيات التي كان لها كثير من الأدوار البارزة في التغيير آنذاك ، وقد أجريت حوارات تم نشرها في الصحف مع السيد الأمام الصادق المهدي ، رحمه الله ، ومع السيد الأمام أحمد المهدي ، والدكتور حسن الترابي رحمه الله ، ومع عدد ممن أسهموا في تلك الثورة من مدنيين وعسكريين ، وإستمعت إلى إفادات بعض أسانذتنا من كبار الصحفيين ، لكنني للأسف الشديد لم أُجْرِ أي حوار مع الراحل الأستاذ سرالختم الخليفة أول رئيس وزراء بعد أكتوبر رغم سعيي إلى ذلك ، إلى أن رحل عن دنيانا.
*حاولت الإطّلاع على بعض ما كتبه من أرّخ لتلك الفترة ، خاصةً ممن يكتبون بحياد تام دون إنتماءات سياسية أو حزبية أو طائفية ، وممن يرتكزون على المهنية ، ووجدت من بينهم غراهام توماس ، البريطاني صاحب الخبرات الواسعة في الشأن السوداني والدارس لكل الأحداث التي مر بها السودان دراسة مفصلة ، والذي تجمعه علاقات شخصية بعدد من الشخصيات السياسية السودانية ، مع خبرته كمؤرخ يتميز بنظرة عميقة لعلاقات بلاده بكل من السودان ومصر .. وهو صاحب السِفْر التاريخي القيّم (موت حلم) والذي أشار صراحة إلى أن من الأسباب التي عجّلت بالثورة طرد الفريق إبراهيم عبود لجميع رجال الدين الأجانب من جنوب السودان.
*ومن الكتب التي أعتبرها مرجعية حقيقية لأحداث ووقائع تلك الثورة ، كتاب الكاتب الإنجليزي (كليف تومسون) الموسوم ب (يوميات ثورة أكتوبر 1964م) والذي قام بترجمته وتحريره الأستاذ بدرالدين حامد الهاشمي ، والصادر عن دار المصورات بالخرطوم في العام 2020م ، والذي أعتبره شخصياً من أقيم وأصدق ما أرّخ لثورة أكتوبر ، وذلك لأن المؤلف عند إنفجار الأوضاع في السودان آنذاك ، كان يعمل محاضراً في كلية القانون بجامعة الخرطوم ، وقام بتسجيل كتابه التوثيقي من مشاهداته ومن خلال معايشته للأحداث ولقاءاته بمن كانوا خلفها ، خاصة النُخب السياسية وأساتذة جامعة الخرطوم ، وتسجيله الدقيق لكل ما دار بينه وبينهم.
*خرجت بنتيجة مهمة بعد تفرغي خلال ثلاثة أيام كاملة ، سبقتها لقاءات وتجارب عملية وشهادات سماعية منذ سنوات عملي في مهنة البحث عن الحقائق ، وأعنى عملي الصحفي ، خرجت بنتيجة مهمة وهي أننا يجب أن نعيد قراءة و كتابة تاريخ بلادنا ، خاصة تاريخ الإنتفاضات الشعبية بدايةً من الثورة المهدية ، مروراً بالحركة الوطنية ، وأدوار بعض القوى السياسية الحقيقية في مناهضة المحتل ، وغيرها ممن كان يدعم المحتل من وراء ستار ، ثم الإنتفاضات والثورات الشعبية التي جاءت بعد الإستقلال ، ومن كان يحركها ، ولأي هدف.
*ليتنا إنتهينا مما يشغلنا ويبدد جهودنا ويشتتها حتى لا نلتفت إلى البناء ، ليتنا إنتهينا من ذلك حتى نتفرغ لبناء هذا الوطن العظيم قبل أن يحقق أصحاب الأجندات الخاصة أهدافهم فلا نجد الوطن ولا المواطن ، ونفقد الأمن والأمان بسبب رعونة وجهالة بعض الساسة الذين يتقدمون الصفوف بإسم القيادة ، ولا يسعون إلى إصلاح ، بل يعملون بوعي أو بدون وعي لتفكيك البلاد وتقسيمها الذي نكاد نراه رأي العين.