عمل غير صالح

من المسافة صفر 
د.سلوى حسن صديق 

*رغم قسوة الظروف التي عاشتها بفقده والده لم تيأس يوما فقد كانت صاحبة عزيمة وإرادة فولاذية لازمتها منذ صغرها رباها عليها والد حكيم.
*جاءت به من القرية وأخذت تعمل في كل المهن من أجل أن يعيش كريما.
*لملمت جراحها وتحدت نفسها وباعت كل شئ من أجله, شبابها وحبها للحياة حتى أصبحت محل حفاوة الأسر والمعلمين في المدارس.
*كلما تخطي عتبة تكرمها المدرسة فيتبارى الخطباء في شكرها وشحذ همتها.
*شب عن الطوق وكبرت معه أحلامها حتى أكمل دراسته الثانوية.
*ما بين قرار دخوله للجامعة أوالعمل حلت بالسودان الكارثة.
*جاءت الثورة الزائفة, أول ما استهدفت من الشباب إبنها فارع الطول قوي البنية
*أخذوا ينفخون في فراغ عاطفته وحبه للتباهي وإستعجاله للحياة.
*ثم جعلوه إيقونتهم يدخلون به ويخرجون به من دار إلى دار ومن زعيم إلى آخر حتى تمكنوا من شغاف قلبه.
*كانت تراقبه ثم أخذت تحذره بعد أن لاحظت أنه إبتعد عن الطريق المستقيم.
*ثم تطور الأمر فاصبح الكبار يأتونه في سكنه المتواضع ثم أصبح يخبئ الأشياء كأنه مروج مخدرات في إحدى الأفلام.
*لقد خرج الأمر من يدها لم يعد إبنها ذاك الإبن الوادع الهادئ الحنين الذي يسبقها لحمل (القفة)حينما تأتي نهاية يوم عملي شاق ثم تحكي له القصص فيضحكان معا بعد تناول الوجبة المعروفة.
*يحفزها دائما بقوله( بكرة تفتح) ثم تشاركه وتبادله وهي مبتسمة بقولها (بكرة أحلى).
*قامت الحرب اللعينة جاءها بعد غياب يومين عن البيت وهو يرتدي الكدمول اللعين.
*تأكدت أنه وقع في الفخ, ترجته باكية ولكنه كان محلقا بعيدا.
*توالت الأحداث خلال عام ونصف نزح أغلب أهل الحي فاضطرت للخروج معهم مكسورة الخاطر حزينة تمنت ألا تراه ولا تسمع عنه شيئا.
*هاتفته ثم خرجت معهم قلبها مقبوض وعينها دامعة لم تبح بسرها للنازحات والعشيرة الجديدة ولكن كانت النسوة حولها يعلمن أن وراءها سرا دفينا وحزنا مقيما.
*كانت تذهب بالتلفون بعيدا لتحادثه ولكنه يرفض حديثها.
*أصبحت تتابع أخباره من قروب الحي تقرأ ولا تشارك.
*تتمني أن تموت ألف مرة قبل أن تقرأ ما يكتب عنه, ولكنها كانت تتعشم خيرا لا تعرف له طريقا مثلها مثل الأمهات تحدثها نفسها به.
*ياللحسرة كل اللعنات تصب عليه صباح مساء من جراء أفعاله.
*كل قتلى الحي كانوا بسبب إرشاده، حتى الشقيقين المهندس والدكتور اللذين قتلتهما المليشيا، كل البيوت التي نهبت والعربات وحوادث النظاميين, لقد أفرغ الحي من كل شئ حتى أصبح مستباحا للأوغاد يفعلون به ما بدا لهم.
*ذات صباح زارهم طيران الجيش فبدأت رحلة الهروب إلى شرق النيل.
*أول ما فعلوه وهم يغادرون نظافة المكان من آثارهم والنظافة عندهم تعني القتل, تناول أحدهم سلاحه فارداه قتيلا, لم ينتظروا ليدفنوه أو يستروه, بعد مغادرتهم تبرع بعضهم بدفنه.
*قرأت الأم الشقية الخبر في قروب الحي
بكت كما لم تبك من قبل ثم باحت بسرها للنسوة *
*غادرت المكان رغم الرجاءات ولكنها عزمت المسير عساها تتقوي على الإبتلاء الكبير.