وللكلام قيود
صمت الكلام
فائزة إدريس
*من أبرز الأشياء التي تعكس مايعتمل في دواخل المرء هو الكلمات والحروف التي يلقيها على من يتحدث إليه، وهي تختلف حسب الموقف والحدث الذي يتم التحدث فيه. فكما لكل سلوك وفعل على وجه البسيطة أسس وقواعد وقيود كذلك لابد أن يكون للكلام ذات الأسس والقيود حتى تسير الأمور على أكمل وجه بين المتحدث والمتحدث إليه.
*وحينما يتبع أحدهم الأسس السليمة في الكلام فإنه ينأى بنفسه من الوقوع في أخطاء، وذلك مثلاً عندما تكون طاولة الكلام في أمر ما قد يقود للغضب، فالتحكم في النفس حينئذٍ عين الصواب حتى لايتفوه المتكلم بكلمات قد لاينوي قولها ولكن حمى الغضب قد تدفعه إلى خطرفات وكلمات لاتكن في حسبان السامع، فتتسلل العدوى للمتحدث إليه ويختلط الحابل بالنابل وتقوم قيامة غضبهما ولاتقعد فيصل كلامهما أونقاشهما إلى طريق مسدود وربما تتقطع حبال الوصل بينهما.
*وكذلك في بعض الأحيان قد يتملك الحزن شخص ما، لأسباب ما، فحين يشرع في الكلام والسرد والحكي للبعض فإنه يكون في حالة يرثى لها، فيمسى مسار لشفقة من تحدث إليهم وهو ربما يكون في غنى لتلك الشفقة ولكن مابين سطور الحروف والكلمات التي تفوه بها خيوط من الضيم والأسى فباتت مدعاة لشفقتهم، فعدم البوح والكتمان في المواقف الحزينة أبلغ وأجدى.
*وغير ذلك هنالك لايحصى ولايعد من المواقف في تاريخ البشرية التي تستدعي الإنسان للكلام، وحتى التفاصيل الصغيرة التي تمر بحياة المرء في يومه تدعوه إلى الكلام عشرات المرات في اليوم الواحد، فالكلام هو طبيعة البشر التي جبلوا عليها ولاغنى لهم عنه.
*ولكن مع ذلك فالصمت في الكثير من الأحيان في العديد من المواقف أفضل لكل الأطراف سواء متحدثة أومنصتة.
*وهنالك أحاديث نبوية شريفة تشير إلى التجمل بالقول الحسن والصمت فيما عدا ذلك، ومنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليك بُحسن الخلُق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده، ما تجمَّل الخلائق بمثلهما), وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: (من سلم المسلمون من لسانه ويده),
وقوله (ص) : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيرا أو ليصمت)
*وهنالك زمرة من أقوال الحكماء والأمثال في ذات الشأن تمتليء بها الكتب والمخطوطات فعلى سبيل المثال وليس الحصر:( الكلام كالدواء؛ إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل)، (في كثرة الصمت تكون الهيبة)، (الصمت هو الصديق الوحيد الذي لن يخونك أبداً)، (من كَثُر كلامه قل احترامه)، (إذا تم العقل نقص الكلام)، (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)، وهكذا نجد الكثير من العبارات على ذات المنوال.
نهاية المداد
إنّ الحروف تموت حين تُقال
(نزار قباني)