(أصداء سودانية) تكشف التفاصيل كاملة..إختفاء غامض لـ(11) سوداني وسط صحراء أبو حمد

  • تعطلت سيارتهم قبل عام ولم يتم العثور عليهم لا أحياء ولا أموات حتى الأن
  • (3)أطفال ضمن المفقودين.. ومحادثة هاتفية من مجهول زادت الحادث تعقيدا

تحقيق ــ التاج عثمان:
غموض مريب يحيط بحادثة إختفاء (11) لمواطنين سودانيين بقلب الصحراء منذ عام كامل دون ان يعثر عليهم لا أحياء ولا أموات.. آخر إتصال للمجموعة كان بتاريخ (30) يونيو 2024 حيث إتصل أحد افراد المجموعة ويعمل مهندسا بالسودان بزوجته من منطقة الآبار على الحدود السودانية ـــ المصرية أخبرها أنهم غادروا المنطقة المذكورة في طريقهم للحدود المصرية.. بعدها إختفت المجموعة ولم يعثر لهم على أثر حتى الان.. (أصداء سودانية) تكشف التفاصيل الكاملة لهذه الحادثة والجهود التي بذلتها القنصلية السودانية باسوان والسفارة بالقاهرة وأسر المفقودين بالسودان ومصر لحل لغز أكبر وأغرب حادثة إختفاء جماعي في الصحراء على الحدود السودانية المصرية.
الهروب للمجهول:


نهاية يونيو 2024 تحرك مجموعة من المواطنين من أبو حمد في طريقهم للحدود المصرية عبر التهريب بعربة بوكس، في رحلة لم يدر بخلدهم أنها سوف تكون رحلة هروب للمجهول.. المجموعة مكونة من 11 شخصا هم: عائشة هرون عبد الرحمن إسماعيل (72) سنة ــ هدى آدم إبراهيم عبد الرحمن (36) سنة ــ شريف حسن شريف نصر الله (41) سنة ــ سماحة مرتضى يوسف (42) سنة ــ محمد مرتضى يوسف (35) سنة ــ بخيت يحى موسى (27) سنة ــ عبد الحميد زكريا محمد (22) سنة ــ ناهد حسن آدم عمر (33) سنة، يرافقها أطفاله الثلاثة وهم: الطفلة آية أحمد عبد الباقي عبد الله (7) سنوات ــ الطفلة آلاء أحمد عبد الباقي عبد الله (5) سنوات ــ الطفلة أحباب أحمد عبد الباقي عبدالله (3) سنوات ــ بجانب ثلاثة من الشباب الآخرين كانوا ضمن المجموعة سوف نتعرف على حكايتهم من خلال سرد هذه الواقعة الغريبة .. بمعنى أن عدد افراد المجموعة الذين غادروا أبو حمد في طريقهم لأسوان كان عددهم (14) مواطنا، منهم (3) أطفال إلا أن عدد المختفين (11) منهم سائق البوكس.
شهود عيان:
من هنا نترك شهود العيان وهم ثلاثة من الشباب كانوا مع ركاب بوكس التهريب يروون تفاصيل ما حدث بقولهم: إنطلق بوكس التهريب يحمل في جوفة 17 من الركاب، وكانت نقطة الإنطلاقة من مدينة أبو حمد.. توغل البوكس في عمق الصحراء والكل كان يمني نفسه بسرعة الوصول لمقصدهم مدينة اسوان، ولكن على بعد حوالي 45 كيلو متر من مدينة اسوان تعطلت العربة عطلا ميكانيكيا كبيرا لا يمكن إصلاحه إلا داخل ورشة، ولكن اين هي الورشة والبوكس بركابة في قلب الصحراء النائية الموحشة.. كان الوقت نهارا ودرجة حرارة الصحراء تفوق الخمسين درجة مئوية، ولذلك ترجل الركاب من البوكس ووجدوا شجيرة صحراوية صغيرة جلسوا تحتها ونصفهم تحت أشعة شمس الصحراء النارية الحارقة، عدا رؤوسهم حيث ان ظل الشجرة كان لا يحمي كل المجموعة من الشمس، وأنزلوا معهم مؤنتهم الغذائية وكمية كبيرة من المياه كانت بحوزتهم.. وكنا ثلاثة من الشباب من ضمن الركاب وقررنا معا التوغل في الصحراء علنا نجد عربة تنقذ ركاب البوكس من هذا الموقف الذي وجدوا أنفسهم فيه وهم في قلب الصحراء.. فتركنا بقية الركاب أسفل الشجرة قرب أحد الجبال ومعهم كمية كبيرة من الطعام والمياه، وبالطبع لم ننسى حمل كمية من الطعام والماء معنا، ثم توغلنا سيرا على الاقدام في قلب الصحراء بحثا عن عربة تنقذ ركاب البوكس من المصير المجهول الذي ينتظرهم وسط تلك الصحراء الملتهبة.
مفاجأة غير متوقعة:


يواصل الشباب الثلاثة سردهم لتفاصيل هذه المأساة بقولهم: ظللنا نسير طيلة ما تبقى من اليوم تحت درجة حرارة مرتفعة لكننا لم نجد أي عربة في طريقنا.. وفي اليوم التالي إبتسم لنا الحظ فشاهدنا من على البعد زوبعة غبار فعلمنا أنه لا بد أن يكون غبار خلفته إحدى العربات التي تجتاز الصحراء، فقمنا بالركض ناحية مسارها والحمد لله شاهدنا السائق فتوقف لنا وأخبرناه بما حدث، وعلمنا منه أنهم يعملون في الذهب بتلك المنطقة، ووافق على التوجه معنا لإنقاذ الركاب ونقلهم لاسوان والتي كانت تبعد عنا حوالي 45 كيلو متر.. فقادنا السائق للمكان الذي تركنا فيه بقية الركاب، لكن فوجئنا بمفاجأة غير متوقعة كانت في إنتظارنا.. لم نعثر على الركاب الذين تركناهم تحت إحدى الأشجار أسفل الجبل، إختفوا جميعا ورغم بحثنا الدؤوب عنهم وصياحنا لهم وسط الجبال إلا إننا لم نسمع سوى صدي اصواتنا يتردد من الجبال التي تحيط بالمنطقة، لم نعثر لهم على أي أثر ولا حتى عربة البوكس المتعطلة، لكننا عثرنا على الطعام والمياه في نفس المكان فجن جنونا, وبعد بحث مضني اصابنا اليأس من وجودهم وإختفائهم الغامض وكأن رمال الصحراء إبتلعتهم, وتحت إلحاح سائق بوكس الدهابة غادرنا المكان إلى اسوان تدور في رؤوسنا العشرات من علامات الإستفهام عن سر إختفاء الركاب الغريب والذي لم نجد له تفسيرا واضحا خاصة أننا لم نجد لهم أي أثر يمكن ان يقود إليهم.
الهاتف الأخير:
إلتقيت بزوجة المهندس (شريف حسن شريف نصر الله)، والذي كان من ضمن ركاب بوكس التهريب الذين إختفوا في قلب الصحراء، كما ذكر الشهود الشبان الثلاثة، وروت لي جانب من هذه المأساة، ونمسك عن نشر إسمها حسب رغبتها، قالت زوجة المهندس المختفي:
صراحة حضرت لمصر عبر التهريب بسبب ارتفاع قيمة التأشيرة (الفاحش)، برفقة والدي ووالدتي، ولم يكن سبب توجهنا لمصر اللجوء بل العلاج.. وصلنا اسوان في مايو 2024 وتركت زوجي في السودان على ان يلحق بنا في اسوان بعد شهر من سفرنا أي في يونيو.. وكان يتصل بي عبر الهاتف، وآخر مرة إتصل فيها كان يوم 30/6/ 2024 وقال لي أنهم تحركوا مع مجموعة من المواطنين من منطقة الآبار على الحدود السودانية ــ المصرية في طريقهم لأسوان، لكنهم لم يصلوا وإنقطعت أخبارهم تماما.. بعدها قام بعض أهل الركاب المختفين بإستئجار بوكس من اسوان وإنطلقوا يبحثون عنهم في المنطقة التي تعطلت فيها عربتهم لكنهم للأسف لم يجدوا اثرا لهم.
بعدها بحثنا عنهم في مستشفيات اسوان والسجون وأقسام الشرطة لكننا لم نعثر عليهم.. فحررنا خطابا للقنصلية السودانية باسوان أرفقنا معه خطابا من الأمن المصري بمدينة اسوان، وللحق القنصل السوداني باسوان، عبد القادر، جزاه الله خير الجزاء، تفاعل مع قضية المواطنين السودانيين المختفين وظل يتابع القضية عن كثب، حيث جلست معه برفقة والدي ووالدتي، وقدم لنا كشفا لشهري يونيو ويوليو بأسماء عدد من المواطنين السودانيين الذين قضوا نحبهم من العطش بعد ان تاهوا في الصحراء لكننا لم نجد إسم زوجي معهم ولا بقية الركاب الذين كانوا معه ببوكس التهريب، وأخبرنا القنصل أن الركاب لم يموتوا من العطش او الجوع حيث كانت معهم كمية وافرة من المؤون الغذائية والمياه.. كما قلنا للسيد القنصل، بعد 10 أيام من عدم وصولهم لاسوان خرج بعض أهلهم ببوكس وبحثوا عنهم في نفس المكان الذي تركهم فيه الشباب الثلاثة وكانوا يتجمعون فيه أسفل شجرة تحت الجبل لكنهم لم يعثروا عليهم.
بعدها ــ والحديث لا يزال لزوجة المهندس المختفي ــ خاطب القنصل السوداني بأسوان السفارة السودانية بالقاهرة بخطاب، فتفاعل السفير السوداني (عماد الدين عدوي) مع قضية السودانيين المختفين وكلف موظفا بالسفارة يدعى (أبو العلا) لمتابعة الحالة.. بعدها تم إرسال خطابات للسجون بكل مصر تحوي كشفا بأسماء المختفين ولم يعثر على أحد من المختفين.. والملف الان بطرف نائب السفير عدوي، وحتى الان لم تظهر أي معلومة تفيد بحقيقة الإختفاء الغريب لزوجي ومن كان معه من السودانيين.
المحادثة المشبوهه:
زوجة المهندس الذي كان ضمن المختفين فجرت في وجهي مفاجأة أخرى، قائلة:” في ديسمبر 2024 إتصل بي شخص مجهول وقال لي بالحرف: (زوجك معنا بأحد المناطق وأوصافه كذا وكذا، وانا أتحدث معك الان من رقمه الواتساب والذي أعطاني له زوجك)، ثم قطع الإتصال.
*وهل فعلا الرقم الذي إتصل به الشخص المجهول هاتف زوجك؟
ــ أجل هو نفس هاتف زوجي الواتساب
*سألتها مستفسرا: الم يقل لك أي شي آخر؟
ــ أجابت: لا لم يسترسل في الحديث معي إطلاقا
*الم يطالبك بفدية؟
ــ لا، قلت لك يا أستاذ أنه قطع الإتصال سريعا وكأنه كان يخشى ان يسمع حديثه معي أحد الأشخاص في المكان الذي كان يتحدث منه.
*هل لاحظتي أي غموض في حديثه معك؟
ــ ماذا تقصد بالغموض؟
*أقصد هل كان مضطربا متلعثما في الكلام؟
ــ أجل، لاحظت انه كان خائفا، وقال لي هل يوجد شخص بقربك وانتي تتحدثين معي؟!!، فاجبته بالنفي إلا أنه أنهى المكالمة بسرعه.
*كيف كانت لهجته عندما تواصل معك عبر الهاتف؟
ــ لم أتبينها، كلامه لم يكن واضحا وكأنه كان يضع منديلا على الموبايل أثناء تواصله معي، ولذلك كنت اسمع صوته متضخما ومتقطعا.
*الم يتصل بك مرة أخرى؟
ــ لا لم يتصل بي ثانية إطلاقا
*وكيف تفسرين أسباب إتصال الشخص المجهول بك؟
ــ لا أدري والله، فلقد تزاحمت في رأسي الأسباب عن سر إختفاء أولئك المواطنين بما فيهم زوجي.
*الم يدر بخلدك ان الشخص المجهول الذي إتصل بك كان ينوي طلب فدية مثلا لإطلاق سراح زوجك؟
ــ هذا إحتمال وارد لا استبعده، لكنه قطع المحادثة سريعا
المحرر:
هذه تفاصيل واقعة إختفاء مجموعة السودانيين في صحراء أبو حمد في حادثة غريبة تعد الأولى من نوعها.. فإحتمال وفاتهم في الصحراء عطشا مستبعد، كما ان إحتمال تحركهم من مكانهم أسفل الجبل الذي تركهم فيه الشباب الثلاثة أمر مستبعد ايضا لأنهم لو تحركوا بحثا عن طريق للخروج من قلب الصحراء لحملوا معهم الطعام والمياه التي كانت بحوزتهم حسب شهادة الشبان الثلاثة.. أخيرا أتسائل مع أسر السودانيين المختفين: هل قامت السفارة السودانية بالقاهرة بإغلاق هذا الملف الغامض.