
المعاملة كيف ؟ “الحلقة الرابعة”
من المسافة صفر _ د.سلوي حسن صديق
القرار الذي إتخذه ومعه الاسرة بعدم الخروج من بيته بعد نشوب الحرب لم يكن إعتباطا وإنما لظروف موضوعية حتمها حال الوالدة وعمرها الذي يعوق حركة سفرها حتي للاماكن القريبة إضافة لعدد افرادالاسرة والذي يتجاوز مع بعض اطرافها اربعة عشر فردا شأن كل الاسر السودانية وهو امر طبيعي.
في سودان الخير المسئوليات كبيرة يحملها اربابها بلا شكوي او كشف حال كما يقولون .دائما السترة حاضرة والحياة جميلة بكل الناس.
حتي جاء هؤلاء الاوغاد وبدأت الحسابات الغريبة اين نذهب ؟ وكيف نحافظ علي كل الاحباب فنبقيهم احياء ان قدر لهم معافيين حتي تنجلي الكربة؟
كان هذا شعاره ولذلك إختار ان يبقي في شرق النيل مرغما وسط هؤلاء الاشخاض غريبي الاطوار والافعال والمظهر.
ذاك اليوم خرج صاحبنا ضحي في مشواره اليومي لجلب حاجاتهم الضرورية بما تيسر وقد تعودوا ان يعيشوها كيفما شاءت الاقدار فالحلول صفرية ومنعدمة احيانا.
في الطريق قابلوه،
هم في تلك المناطق لهم تقسيمات ادارية ومسميات.
قالوا له تذهب معنا لمكاتب الإستخبارات..
ردد صاحبنا حسبنا الله ونعم الوكيل يا الله ..
هذا هو المكان الذي يخشاه ويتجنب ذكره المقيمون,
قصصه تشبه قصص المردة والشياطين التي يحكيها بعضهم ليخيف بها اخرين إستغفالا او يحكيها (دجال) الحلة المعروف بالخيال الواسع .
ومن هناك بدأت رحلة المجهول.
خمسة ايام بلا امل كل يوم يتبادل ادوار الإستجواب فيها اشخاص يرتدون تلك الرتب الوهمية والاسئلة هي نفسها.
في اليوم السادس افتعل محدثنا (شكلة) حتي يحدد مصيره. بعدهاجاءت الطامة.
كان الوقت نهارا . عصبت عينيه ثم قذف به في عربة مكشوفة.
إلي اين الله اعلم..
لم تستغرق الرحلة وقتا طويلا يبدو ان المسافة قريبة .
انزل وهو معصب واقتيد الي الداخل.
ثم فتح عينيه بعد ان فركهما للحظات ليري.
وجد نفسه في قبو وهو في مدرجه في البداية واغلب الناس وقوفا لضيق المكان، وسط هذه المجموعات الكبيرة التي تصل لمئات .. لا اضاءة ولا كوة ينفذ منها بصيص نور.
فرك عينيه مرة و اخري ليتأكد ان المشهد حقيقي.
( يارب رحماك )
قالها في نفسه مرات وعيناه تتنقل بصعوبة بين المعتقلين.
الوهن باد في كل شئ العيون متدلية وعاجزة مثل صور مرضي سؤ التغذية.
سأل اقرب جار كيف تقضون حاجتكم ؟
اشار اليه محدثه الي جرادل في ذات القبو…
الان فسر في نفسه سر الرائحة المنبعثة من المكان.في البداية كاد ان يختنق..حشرج ولكن حتي القريب لايستطيع ان يسعفه فالماء هو السلعة النادرة في هذا المكان الغريب.
اما الوجبة فهي ثلاثة كمشات من الارز المسلوق وهي وجبة واحدة خلال اليوم.
خمسة عشر يوما لم يستاك او يستحم وغيره قضي شهورا وبعضهم عاما وزيادة في ذات الملابس الرثة والاجسام التي ينهش فيها القمل وحشرات اخري بمسميات لا يعرفونها .
يواصل صاحبنا:
اعذروني انني لا ااستطع ان اكمل لكم تفاصيل كثير من القصص والتي تنتهي في بعضها بفقدان الحياة وحتي فقدان الحياة بلا حرمة. لا احد يستطيع ان يشارك احدا مرور اللحظات الاخيرة بعمل او اسعاف اللهم الادعاء مكتوم او دمعة يابسة تخرج من عين زائغة ربما تتحجر في الخد او تنتظر في الحدق، الاصوات نفسها مبحوحة وضعيفة،أني لاصحابها بالقدرة علي رفعها
الحمد لله ان أيامي لم تطل فقد اجتهد زملائي وأصدقائي في تعجيل خروجي بعد ان توسط بعضهم لدي قادتهم فخرجت وفي النفس الم وحسرة وفي الحلقة غصة علي من بقي من اخوان وجيرة في المعتقل الغريب الذي يشبه معتقل ابو غريب بل هو اسوأ..
وبعد :
قصةصاحبنا كما وصفها هي سلسلة من قصص ظلم الانسان لاخيه الانسان ستظل شاهدة وابطالها شهود علي كذبة كبري إسمها المنظمات الاممية او الإنسانية وحقوق البشر .
اقسي ما سمعته من محدثي ان اعمار المعتقلين تبدو متساوية لا تستطيع ان تفرق بين الشيخ والشاب فقد تآكلت الاجساد وبقيت الارواح معلقة بالسماء.