حقائب السودان المدرسية تتحوّل إلى أعمال فنية

في السنوات الأخيرة، تحوّل “وسط البلد” في القاهرة، إلى مركز للمعارض الفنية المهمة، ومن بينها معرض للفنانين السودانيين اللاجئين في مصر، محوره المرأة السودانية التي رحلت عن وطنها بسبب الحرب.

تنظم المعرض المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، بالتعاون مع مؤسسة “كلتشرفيتور- آرت دي إيجيبت”، ومنظمة اليونسكو، بمشاركة 20 فناناً من السودان، يمثّلون أصوات النساء في مناطق الصراع.

تزيّنت جدران قاعة مبنى “آكسس آرت سبيس”، بلوحات تحمل توقيع فنانين سودانيين، عبّروا عن تجربة الحرب واللجوء، وتناثرت أحلامهم في قاعة العرض، وعلى الحقائب المدرسية، الشيء الوحيد الذي حملوه فوق ظهورهم في رحلة الفرار، فتحوّلت إلى رمز لفراق الوطن، ومكاناً يرسمون عليه تجربة اللجوء.

وحش الحرب
أمام لوحتها “وحش الحرب”، التي يغلب عليها اللونان الأسود والرمادي، تقف هالة نور الدين، لتتحدث عن الضغوط النفسية التي عاشتها، وقرار الفرار والنجاة بأولادها في رحلة برّية شديدة الصعوبة.

لوحة هالة المظلمة، صوّرت وحشاً يجثو على الأرض بجسده الضخم، ويشقّ جانبها ضوء ذهبي تراه نافذة الأمل والنجاة.

شاركت الفنانة بالرسم على حقيبة مدرسية تحوّلت إلى رمز للاجئين. وفي العام الذي فرّت فيه من السودان، لم يذهب أولادها إلى المدرسة، بل استخدمت الحقائب المدرسية كي تضع فيها الأشياء التي تحتاجها في رحلة الهروب إلى مصر؛ لهذا رسمت على الحقيبة سور بيتها، وفوقه قطتها التي تركتها في السودان، وهي تتمنى العودة إليه بأقرب وقت.

حقيبة الأحلام
“تحمل كل حقيبة مدرسية حياة صاحبها؛ ماضيه وحاضره ومستقبله”، تقول ريان جمال، الفنانة السودانية الشابّة، التي رسمت على إحدى الحقائب شخصية بألوان وردية، تمثّل النساء، وأمامها مدينة، تعلوها لوحة فان جوخ “نجوم الليل”.

تضيف: “تعبر اللوحة عن أحلامنا التي تبخّرت ولم يبق منها إلا ذكريات وأوراق ثبوتية، تحدّد إذا كنا سنعيش أو سيكون لنا أصلاً مستقبل”. وتؤكد أن مشاركتها في المعرض أتاحت لها “فرصة التعبير من دون كلام، وبلغة الفن التي يفهمها كل العالم”.

النساء بريشة الرجال
على الرغم من أن الفكرة الأساسية للمعرض تركّز على النساء اللاجئات، لكن الفنانين الرجال كانوا حاضرين في المعرض، وعبّروا عن معاناة المرأة في الحروب.

الفنان التشكيلي علاء الدين عبد الرحمن صالح، الذي جاء إلى مصر برّاً بعد أحداث 15 أبريل، فعبّر عن مأساة السودان من خلال لوحتين تحملان اسم “ظاهرة للحزن والزين”.

الأولى عن رحلته البرّية القاسية إلى مصر، ويغلب عليها اللون الأصفر وسخونة الشمس والنزوح وسط طابور من البشر، وهو يعتبر أنه محظوظ بنجاته بعد تلك الرحلة في الصحراء.

يقول: “لا شيء يدوم على حاله، والأمل في العودة دائماً موجود، فالمجتمع السوداني متماسك، ويفتقد لمّة العيلة في الوطن، وهو ما جسّدته في اللوحة الثانية؛ فبعد التعب تظهر السعادة باللقاء، والشاعر يقول “وإيه الدنيا غير لما الناس بخير أو ساعة حزن”.. ولهذا فنحن متأكدون أننا سنعود”.

“السودان مهم وموجود”
نوريا سانز، مديرة مكتب اليونسكو الإقليمي في القاهرة، تؤكد على التعاون مع “آرت دي إيجيبت” منذ عام 2019، “وذلك يعود إلى ثقتنا في الدور الذي يمكن أن تسهم به الفنون المعاصرة في مواجهة التحديات الرئيسة للمجتمعات، وفي حالة السودان، لدينا مئات الفنانين السودانيين الذين يعيشون في مصر وخارجها، ومن خلال عملنا، نحاول تقديم الدعم لهم، وتوجيه رسالة هامّة أن “السودان مهم والسودان موجود”.

وأوضحت نادين عبد الغفار، من مؤسسة “كلتشرفيتور- آرت دي إيجيبت”، أنها تتعاون للمرّة الثانية منذ بداية الأزمة، مع الفنانين السودانيين، “إيماناً بالروابط الوثيقة التي تجمع بين شعبي مصر والسودان، والفن وسيلة عالمية، توصل رسالة المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني”.

وحول تركيز فكرة المعرض على معاناة المرأة قالت: “المرأة هي الشخص الذي يحكي التفاصيل الصغيرة، فتصل الرسالة بمنتهى الوضوح. ويكفي أن ننظر إلى ما رسمته السيدات على الحقائب المدرسية، وكيف حوّلن المأساة إلى لوحات بديعة وصادقة”.