حقا … إنها مهنة المتاعب

واحة المنصة

يكتبها اليوم – الزبير نايل:

‏‎عندما كنت طالبا في كلية الإعلام وتطرق أذني أو أقرأ عبارة (الصحافة مهنة المتاعب) كنت ابتسم وأقول لنفسي، وأين التعب في نقل الأحداث والأخبار من داخل صالات أنيقة واستديوهات باردة وأضواء تكسب الوجوه لمعانا وبريقا.. ولماذا يبالغ الصحفيون في تضخيم عذابات وظيفتهم دون سائر المهن.

‏‎كنت أردد.. أين هذا التعب من تعب مهنة أبي الذي كان ينهض من النوم قبل الفجر ولا يعود إلى فراشه إلا بعد حلول الظلام بعد أن يمضي سحابة نهاره يندح جبينه بالعرق في عمل شاق وتحت شمس حارقة وأثقال هم أسرته فوق كتفيه.. وأين هذا التعب من أولئك المغلوبين الذين يستخدمون ظهورهم لتوفير  لقمة ٍ لبطونهم، وأين من تعب الذين وظيفتهم التعامل مع الدماء والأشلاء وقلق إنقاذ الأرواح.. وغيرهم وغيرهم.

‏‎تشكلت صورة زاهية لدي عن المهنة عندما بدأت ممارستها، وجدت فيها شرف التصاقها بقضايا الناس ونقل أنات الموجوعين، آمالهم وتطلعاتهم، صرخات الذين يرسفون في أغلال الظلم.. وصوت المفجوعين المكتوم ساعة الكوارث، وفوق ذلك فهي وسيلة تبصير وتثقيف ومشعل ينير عتمة كهوف‏‎ السياسة ويبطل دسائسها بمعلوماتها الموثوقة إن التزمت بميثاق شرفها وضميرها المهني والأخلاقي.

‏‎ومع مرور الأيام استبان لي صدق هذه المقولة بل وجدت فيها ما هو أكثر رهقا وعنتا، خاصة الذين يعملون في مؤسسات إخبارية ويطاردون الأحداث على مدار الساعة فى هذا العالم المزدحم بالظلم والظلامات.

فمتاعب هذه المهنة ليست قاصرة على المراسلين بخوذاتهم وهم يخاطرون بحياتهم في ميادين الحروب وخطوط النار وإنما تشمل زملاءهم الذين يجلسون ساعات طوال يسابقون الزمن لمعالجة الصور وربط الأحداث ووارد الأخبار في عالم يلد مصيبة في كل دقيقة.

 ‏‎والتعب النفسي أسوأ من البدني، فهو يرهق النفس ويصيبها بالكآبة، فأنت تنقل مشاهد بالغة ‏‎القسوة وتدفع بها لأعين الناس، وتقدم أخبارا تهدم أحيانا أحلامهم وتضاعف قلقهم، وتنقل مناكافات الساسة بمنطقها الأعوج وصوتها المشروخ.

كم من مشاهد مؤلمة تفطر القلوب حُجبت عن المشاهدين وتكفل الصحفي بتحمل كل أوجاعها فعكرت صفاء روحه وأسالت دموعه وأورثته الأسى.