الدكتور المحبوب عبد السلام في حوار مثير مع أصداء سودانية
- إنقلاب الحركة الإسلامية في 1989 مثل أكل لحم الخنزير
- النخب كلها تستعجل للسلطة وليس الإنقاذ وحدها
- الجنوب انفصل بسبب قوانين سبتمبر و نيفاشا رغبة الحركة الشعبية
- الإسلام السياسي استنفد أغراضه وينبغي أن يكون هناك فكر جديد
- عبد الرحمن مختار كان معجبا بالترابي وكان يضع صورته في الصفحة الأولى فاعترض بعض الاسلاميين
- أبوبكر محمد أحمد هو من جندني في الحركة الإسلامية
*مرحبا بك دكتور المحبوب في منصة أصداء سودانية.. ؟
– مرحبا بك وشكرا على الإستضافة … بداية أنا نشأت في مدينة أمدرمان وأثر ذلك على دوري في الحياة وتخرجت في جامعة القاهرة كلية الفلسفة ثم درست علم الإجتماع في باريس وتخصصت في الدراسات الاسلامية في لندن.. وأنا مهنتي كاتب.
*كنت قياديا في الحركة الاسلامية وفي إتحاد الطلاب بجامعة القاهرة فرع الخرطوم ؟
– صحيح أنا انتميت للعمل العام في وقت مبكر، وانضممت للحركة الإسلامية منذ منتصف السبعينات وعمري 14 سنة، وشهدت ثورة شعبان وأنا اعتبر نفسي أكثر أصالة من كثيرين في الحركة الاسلامية.
من الذي جندك في الحركة الإسلامية ؟

– هو الشيخ الراحل أبوبكر محمد أحمد الذي توفي قبل نحو عام، وهو من شمال السودان (شايقي) وتربى في طوكر، جاء لأمدرمان وكان له بالغ الأثر على جيلي في أمدرمان ، أنا وحسين خوجلي ومطرف صديق ، وقد بدأ عمله في حي العمدة و ود نوباوي ، وكان للأستاذ أبوبكر الفضل في إخراج جيل شديد المنهجية، ولذلك كنا منفتحين داخل الحركة الاسلامية، ومنذ البداية.
وكان ذلك من تأثير تلك البيئة، ولابد أن أكتب عن الراحل ابوبكر، وهذا تقصير مني, لما التحقنا بمدرسة أمدرمان الأهلية كنا وبحكم الجوار لكلية التربية نكتب لطلاب الكلية صحفهم الحائطية أثناء انشغالهم بالامتحانات، مما جعلنا ننفتح على اهتمامات أخرى.
*ايما تجربة كبيرة تحتاج لتقييم, والباحث في تاريخ الحركة الإسلامية يلاحظ أن الانشقاقات قد ضربتها منذ عهد الرشيد الطاهر بكر، مثلها مثل الأحزاب الأخرى؟
– إذا عدنا لجيلنا اعتقد إننا كنا محظوظين، فقد تعرفنا على قيادات ورموز العمل الوطني، والتقينا عددا من هذه القيادات مثل محمود محمد طه وزرناه في منزله مع الاخوة الجمهوريين وتعرفنا على الترابي معرفة وثيقة والصادق المهدي والمايويين كبدر الدين سليمان و منصور خالد وأحمد عبد الحليم, ورأينا الأزهري ونحن أطفال.. باختصار لم نفقد سوى الإمام المهدي
كما كنا نزور الاستاذ محمد عبد الله برات رحمه الله، في مكتبه وهو روائي- ان جاز التعبير – وكان في حالة محاضرة دائمة وخطابة, كما التقينا الدكتور جعفر شيخ إدريس- له الرحمة – والذي كان قد انشق عن الحركة لخلافات، وهذا يذكرني بمقولة قالها لي الطيب صالح، أنت انسان كويس وعدد لي بعض الأسماء مثل غازي صلاح الدين والكرنكي ولكن( ماذا يحدث لكم عندما تجتمعون) ، والعمل السياسي والاجتماعي والرياضي تحدث فيه انشقاقات، والشخصية السودانية مختلفة، وهناك بعض الاضطرابات والتباينات ونراها حتى على مستوى الأسر والأحزاب السياسية كذلك، النخبة السودانية مولعة بالانشقاقات وهذا يقودني لتأثر السودانيين بالتجربة البريطانية بتوصيف محمد ابو القاسم حاج حمد لأن الانجليز (يمكن ان يخرجوا اداريا ناجحا لكن عادة لا يخرجون مثقفا ناجحا ومميزا)، فالاستاذ محمود محمد طه-كمثال- كان يمكنه لولا البيئة السودانية أن يصبح مجددا كالامام محمد عبدو أو مصلحا اجتماعيا ولكن.. والمنافسة تاريخيا قديمة كانت بين بني أمية و بني هاشم وعقدة التفوق والمنافسة تحدث معها انشقاقات و عنف لفظي وقطع للوشائج ،أنا أرى ان معظم الاختلافات الشخصية من هذا البعد، ورغم ان الإسلام يطلب من المسلم أن ينأى عن الاختلافات وان لايغضب, ولكنا نساير غضبنا و اختلافاتنا ، ومثلا إذا اخذنا مقالات الدكتور أمين حسن عمر عن الترابي نجده يتحدث عن الترابي و عقدة الانداد ،فقد جاء الرجل متأخرا وصار اولا برأي البعض الذين عابوا عليه تردده في الدخول للحركة لما طلب منه الدخول, وفي فترة جبهة الميثاق أحدث التحول النوعي بعدما حسم امر زعامة الحركة لصالحه ، وتكوينه جبهة الميثاق وتقلده منصب الأمين العام وهو بعد في الثلاثين من عمره، وكان الصحفي عبد الرحمن مختار معجبا بالترابي وكان يضع صورته في صدر الصفحة الأولى لجريدة الصحافة ، ولكن جاءه (كبار) من الحركة الاسلامية وقالوا له لا نريد أن تضع صورة الترابي في صدر الصحيفة كل يوم، وقال لهم باستغراب لماذا و أنا أقدم لكم خدمة وأرفع صور زعيمكم. ولكنهم كانوا كما قال( لايريدون ذلك حتى لا يغتر الترابي) في هذه الظروف.
*هل الروح الانقلابية برأيك جزء من طبيعة الحركة الاسلامية ، سيما وقد بدأت بانقلاب الرشيد الطاهر الذي أدانته ولكنها عادت بانقلاب ١٩٨٩م فهل استعجلت السلطة ؟
– نعم صحيح.. النخب كلها تستعجل السلطة، حتى الضباط يستعجلون السلطة والانقلابات الأولى كانت قياداتها العسكرية برتب متدنية ، وفي تاريخنا نعلم أن المحجوب في كتابه (الديمقراطية في الميزان) ذكر ذلك.. ومع انه كان ضد الطائفية فقد اصبح قائد حزب الأمة وأصبح رئيس الوزراء, وواضح انه تأمل الطريق الآخر فوجده طويلا.. ولذلك دخل مع حزب الأمة لأنه أحد الاحزاب المهيمنة.. ومعلوم هيمنة حزبي الاتحادي و الأمة على الساحة السودانية لقد كان المحجوب يدرك جيدا انه لا يستطيع ان يعمل حزبا لوحده، فانتمى لحزب الأمة لانه حزب متجذر، والناس توالي بولاء طائفي او ديني، ولكن الترابي استطاع ان يشق طريقه ويشكل حزبا وكان يمكنه ان يقود عملا جماهيريا متدرجا يصل به للسلطة، واغلب السياسيين لا يعتبرون أن دورهم هو التغيير الاجتماعي والسياسي ، يتعجلون السلطة ويتركون التاريخ يكتب ما يريد المهم الوصول للسلطة، ان تعجل السلطة مرض نخبوي، واغلب السياسيين لا يطيقون العمل الجماهيري المتدرج، والسعي للاستيلاء على السلطة مرض من أمراض النخب.
أسباب الخلافات بين الأحزاب السياسية داخلها ومع الآخرين غيرة و حسد ومنافسة بين القيادات وجعلت هذه الانقسامات تحدث
*هل الانقلابات كان عندها أسباب و ماهي مبرراتها، وهل صحيح ان الأحزاب أعدت مؤامرة على الحركة الإسلامية ؟
– الظرفان التاريخيان منفصلان للغاية حالة الرشيد الطاهر كنخبة وقانوني ومثقف وهو كان مراقبا عاما للتنظيم وكان يرى أنه إذا ألزم نفسه في إطار جماعته حتى يبلغ السلطة، فهذا هدف تفنى دونه الاعمار، ولذلك تآمر مع احزاب ومع يساريين ، لكن في حالة الانقاذ كانت أجهزة الحركة الاسلامية اجهزة قوية وتؤمن بالسلطة بديلا للاسلام وكانت تريد السلطة ، والترابي ما كان يود السير في هذا الطريق ولكن كثرت عليه الضغوط ووجد أدلة من حال السياسيين، وواحدة منها هي مذكرة الجيش، وانا ارى ان الحساب لا يمكن ان يكون كذلك ، الانقلاب خطأ كبير مثل ما ذكر الترابي انه (مثله ومثل أكل لحم الخنزير)، و كان يفترض ان تكفر الحركة عن الذنب سريعا.. ولكن لم يكفروا عن الذنب باتاحة الحريات وماحدث بعد الانقلاب هو سبب فشل الاسلاميين ، والافكار لم تنضج ، نريد ان نستوعب نشاط الوحدة مثل استصحاب النشاط الثقافي و الرياضي والشمول ، لان الحالة الحضارية تتطلب ذلك، ولا تستطيع ان تقدم نظاما ديمقراطيا و تجربة ناجحة في محيط دكتاتوريات وشموليات وفي حالة حضارية متدنية ، ويجب ان تحسب هذه الأشياء.
*من خلال تجربتك في الحركة الإسلامية هل تعتقد أن السلطة افسدت الحركة ، وأن الانقاذ لم تستطع تقديم نموذج رشيد للحكم؟
– الفشل يكمن في التناقض الجذري في فكرة اللإسلام السياسي والحديث، الحركات الإسلامية قامت في أول القرن الماضي، والقرن الذي قبله ولايمكن ان يستمر نفس الفهم في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين ، أين الخطأ وأين المباينة ، هل الفكر الإسلامي يستوعب التحول الهائل في المناهج ، العقل الذي اخترع طائرات عابرة للقارات وصواريخ وفجر الذرة واحدث ثورة اتصالات ضخمة ، هو نفس العقل الذي أحدث ثورة في الاتصالات وغيرها ، وابن خلدون كتب تاريخ الممالك في القرن العاشر الميلادي ، ورأى ارهاصات التحولات الكبرى القادمة ولذلك حاول ان يسجل الماضي، والبنا يمكن ان ينشئ جماعة كما انشأ النبي جماعة في المدينة ،ولكن بعد ذلك التحول، مثلا النظام الاقتصادي الحديث المعقد ، والحركة الاسلامية حكمت ثلاثين عاما هل قدمت مناهج متطورة كما عمل شخص واحد في ماليزيا غير مناهج التعليم فغير الحياة كلها وغير معادلات النظام السياسي، ومنتوج الحركة الاسلامية الفكري لم يكن كافيا، وكان هناك طموح أكبر من اللازم كان يجب ان نعمل مشروعا على قدرنا ونطوره ولكن شطحنا.
*لو رجعنا لتطبيق الشريعة الإسلامية وقوانينها التي بدأت في مايو وظلت القوانين موجودة إلى ان جاءت الانقاذ تعتقد ان طريقة تنفيذها، برغم من وجود الحركة الإسلامية في حكومة مايو واستمر هذا الأمر إلى أن وصلنا إلى الانقاذ واستمر .. هل النقد الذي تم لها في تطبيق الشريعة وكان غير مقبول, هل كان فيها نقص ـوعجلة ؟

-عندما اتأمل في تطبيق الشريعة زمن نميري ، كان النميري يريد ان يجري بعض التغييرات حتى يستطيع ان يحكم سنوات أخرى ولم تكن الخطوك تفكيرا نابعا من أجل التغيير وعندما شرع في القوانين كان يخاف ان تنسب الى غيره ولذلك أتى بقانونيين شباب,
واذا سألتني لماذا انفصل الجنوب,أقول لك انه انفصل بسبب قوانين سبتمبر، صحيح هناك اسباب أخرى ولكن في نيفاشا كانت رغبة الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق بأن تترك الخرطوم كما هي في السابق ومحررة من القوانين الإسلامية لأنها برأيهم تحولهم إلى مواطنين درجة ثانية وكانت هذه معضلة نيفاشا وكادت ان تنهار.. وانا عندما كتبت عن نيفاشا في كتابي ناقشت هذه القضية، لقد كان اجتهادهم فيها قاصرا وكان الشيخ راشد الغنوشي قد اتصل بي وقال لي لو عندك مدخل للذين يتفاوضون في نيفاشا قل لهم( ان راشد يقول لكم اذا كان هناك تعارض بين وحدة السودان وقوانين الشريعة تنازلوا عن القوانين لصالح وحدة السودان) ، ونحن نعرف ذلك وكل الأحكام والقوانين منذ نزول القرآن وتحول الأحكام.. في السورة الواحدة يتبدل الحكم عدة مرات، وهنالك أسئلة كبيرة للدولة والفكر و الاجتهاد دون ذلك.
*هل عندك رأي في الإسلام السياسي ؟
– نعم.. لقد استنفد اغراضه, أي شيء في سياقه التاريخي مفهوم ولكنه تجاوز مدته .. لما قامت الحركات الاسلامية كانت مهتمة بتصحيح العقائد وان لا تتمسك بغيرها، وبعد الاستعمار خاطبت السياسة وشيخها حسن البنا كان مرشحا للبرلمان ، الاسلام السياسي استنفد اغراضه وينبغي ان يكون هناك فكر جديد ، وهنالك كاتب هندي معاصر للمودودي قال إن هناك صحفيا يكتب عن الإسلام بمنتهى السطحية.
*مازال الناس يقارنون بين ما يطبق في الدول الإسلامية والغرب اذا كان يستنكرون تطبيق الشريعة الاسلامية, بينما هناك رجوع للدين والتدين في دول مثل أمريكا وبريطانيا رجعوا يستخدمون الدين ويشترطون على المؤسسات الإلتزام بالدين المسيحي؟
– هذه بعض الحجج التى يذكرها الاسلاميون ،الخلاف فارق حضاري ، الدستور الفرنسي في مقدمته ترى الطقوس الدينية التى تواكب تعيين رئيس الجمهورية في الماضي و كيف تحول ذلك تجاه العلمانية ، الدستور البريطاني وهو غير مكتوب ، اراؤه تقر رأس الكنيسة و رأس الدولة كذلك ، ولكن فكرة العلمانية تعدلت والعلمانية هي لا تعني انك تخرج الدين عن الحياه كافة. والا لماذا يوجد في ألمانيا حزب اسمه الاشتراكي المسيحي، لأن في الدين هنالك قيم تنفع في السياسة وهنالك صدق ووفاء و محاسبة هذه قيم دينية والأخلاق ، وتنفع هذه القيم السياسية.