
البباري الجداد ؟
د. تاج الدين عثمان
مدير عام وزارة الزراعة و الثروة الحيوانية الأسبق بولاية الخرطوم يكتب لـ(أصداء سودانية)
إذا أكملت المثل فإنه سيقودك إلى (الكوشة) ، وفي هذا ظلم للجداد ول (الكوشة) . فالنفايات هي اليوم ليست مجرد خبث ينبغي إزالته ، وإنما هي ( أموال ) وطاقة ومنتجات،، هي بزنس كبير. لكن دعك من هذا، ولنعد إلي الدجاج. فالدجاج لا يقصد الكوشة لقطع الحديد أو البلاستك أو الزجاج ، وإنما بحثاً عن مواد عضوية ، هي بقايا الطعام والمواد الغذائية التي وجدت طريقها لمجمع النفايات ، ويحولها إلى لحم وبيض. وهو كذلك يستقبل بقايا الطعام في البيت.. ويساعد علي تنظيف البيت من الحشرات والهوام، وحتي العقارب يقضي عليها بكل سهولة . إن الطلب العالي للحوم الدواجن والبيض هو سمة حديثة في المجتمع السوداني. إذ كان الاعتماد علي الدواجن المحلية التي لا تحتاج إلا لقدر ضئيل جداً من الرعاية، فهي تجول حرة تبحث عن غذائها ، وتحتمل الأجواء القاسية والظروف الصحية المتردية.
هذا هو الدجاج البلدي، الذي كانت بعض المجتمعات تعتبر أكله منقصة..
قال بن خلدون في المقدمة: أكل العرب الإبل ، فاخذوا منها الغيرة والغلظة، وأكل الأتراك الخيول فاخذوا منها الشراسة والقوة ، وأكل الإفرنج الخنزير فأخذوا منه الدياثة ، وأكل الزنج القرود فأخذوا منها حبّ الطرب) . وقال بن القيم ( رحمه الله ) ( كل من ألف ضرباً من الحيوان ،اكتسب من طبعه وخلقه، فإن تغذي بلحمه كان الشبه اقوي ).
وزاد البعض: ونحن في زماننا هذا أكثرنا من أكل الدجاج ، أكلناه فأكثرنا من البقبقة والصياح، فتداعت علينا الأمم، وأخذنا من الدجاج المذلة وطأطأة الرأس وعدم التحليق في أعالي السماء والثرثرة والصياح فقط .
والعهدة علي الراوي.. هذا هو الدجاج البلدي .
أما ما يعرف بالدواجن الحديثة فهذه قصة أخري ، قصة بدأت عام ١٨٧٣ م في أمريكا ،حين اتخذت أولي الخطوات لوضع المواصفات القياسية لسلالات الدواجن ،وانشأت الجمعية الأمريكية للدواجن في ذلك العام .
ولكن القفزة الكبيرة حدثت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين،بفضل التطور الذي حدث في علوم الوراثة وعلوم التغذية .و أدي ذلك الي ظهور صناعة حقيقية للدواجن ، بفضل الطلب العالي علي لحوم الدواجن. ولا يزال الطلب يذداد وتلاحقه التطورات حتي الآن.
؛ قادت التطورات التي حدثت في الدواجن الي إنتاج سلالات متخصصة في إنتاج اللحم وسلالات مختصصة في إنتاج بيض المائدة. وكل سلالة هي عبارة عن عائلة. في نهاية السلسلة توجد الطبقة المسماة دواجن تجارية، وهي التي تربي لإنتاج البيض واللحم . تعلوها طبقة الأمهات، وهي متخصصة بإنتاج البيض المخصب الذي ينتج الطبقة التجارية. تعلوها طبقة الجدات او الجدود، وهي متخصصة في إنتاج البيض الذي ينتج الأمهات . أما الجدود فتنتجها طبقة عليا هي الأصول والسلالات النقية لكل عائلة من هذه العوائل .. وهذه الأصول ليست متاحة للبيع ، والمتاح للبيع هي حتي مرحلةً الجدات فقط . والحقيقة إن أصول الدواجن محتكرة بصورة كبيرة، احتكاراً ربما يماثل القنبلة النووية. لانها تمثل خلاصة الجهود البحثية والعملية والتي كلفت ربما مليارات الدولارات وعلي مدي سنوات طويلة لعدد محدود من الشركات العالمية. فعلي الرغم من تطوير عدد كبير من السلالات الأصلية ، إلا إن السلالات التي تسيدت الساحة التجارية عالمياً هي سلالات محدودة فقط.والدواجن هي الطائر الأشهر علي كوكب الارض ، حيث يتواجد حوالي ( 34.4 )مليار دجاجة ، في مختلف مستويات عائلة الدجاج . ويقدر حجم سوق الدواجن عالمياً بحوالي ( 385 )مليار دولار سنوياً بمعدل زيادة سنوي مركب يقارب ( 7% ) . والمنتجات النهائية تتمثل في لحوم الدواجن وبيض المائدة. حيث تذبح سنوياً ( 60 ) مليار دجاجة لإنتاج ( 103.3 ) مليون طن من لحوم الدواجن. وهناك ( 6.4 )مليار دجاجة بياضة تنتج حوالي ( 93 ) مليون طن من بيض المائدة سنوياً