هل جاء وقت الحساب.. بعثة تقصي الحقائق الدولية تكشف عن انتهاكات مروعة للجنجويد بالفاشر
تقرير- الطيب عباس
كشفت عضو بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، سلمى ساسي، بعض ملامح تقرير بعثة تقصي الحقائق حول انتهاكات مليشيا الدعـم السريع في السودان.
وقالت سلمى، خلال حديثها لبرنامج الحصاد الإفريقي مع الإعلامي حساني بشير على شاشة القاهرة الإخبارية، إن التقرير أظهر أن الدعـم السـريع وميليشـيات متحالفة معها استهدفت المدنيين بشكل منهجي، وارتكبت عمليات قتل متعددة بهدف بث الرعب في السكان.
يشار إلى أن البعثة شكلها مجلس حقوق الإنسان، في أكتوبر 2023 استجابة للأزمة الإنسانية الناجمة عن النزاع المسلح المستمر في السودان، وفق القرار. A/HRC/RES/54/2
تقرير البعثة الذي جاء متزامنا مع الانتهاكات المروعة للمليشيا في الفاشر، ينظر له مراقبون على أنه (القشة) التي ستقصم بعير الجنجويد إلى الأبد، حيث تناول التقرير بالتفصيل أبرز الانتهاكات التي شملت هجمات على مدينة كتم، ومخيم كساب للنازحين في شمال دارفور، ومخيمات الحصاحيصا في وسط دارفور، ما أدى إلى مقتل العشرات وفرض حصار شامل على حركة الناس والسلع الأساسية.
وأوضحت المسؤولة الأممية، أن التقرير وثّق كذلك هجمات متكررة على أحياء مدنية ومخيمات النازحين في مدينة الفاشر نفسها، تضمنت قصف مناطق سكنية ومراكز خدمات، واستهداف مرافق حيوية مثل المستشفيات والمدارس والأسواق، بالإضافة إلى استهداف متطوعين وعاملين في المجال الإنساني وعرقلة وصول المساعدات، ما وضع مئات الآلاف من الأشخاص تحت تهديد المجاعة وانعدام الرعاية الصحية.
جرائم عرقية:
تقرير بعثة تقصي الحقائق تحدث بشفافية حول الجرائم العرقية التي ارتكبتها المليشيا بدارفور، وأكدت ساسي أن الانتهاكات شملت أعمال عنف على أساس عرقي ضد قبائل مثل الزغاوة والفور والمساليت، إضافة إلى حالات متعددة من العنف الجنسي، بما في ذلك الاغـتصاب والاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي.
وأوضحت أن اللجنة رصدت حالات اختطاف نساء وفتيات من مواقع مختلفة بولايات دارفور واحتجازهن لعدة أشهر، وتعرضهن لعنف جنسي متكرر.
وأشارت إلى أن هذه الانتهاكات طالت السيدات والأطفال على حد سواء. وختمت ساسي بالإشارة إلى أن توثيق هذه الانتهاكات، يسلط الضوء على الأزمة الإنسانية الحادة في دارفور، ويؤكد الحاجة الماسة إلى تدخل عاجل لضمان حماية المدنيين وتوفير المساعدات الأساسية.
إخفاء الجريمة:

في محاولة لإخفاء جرائمها المروعة في شمال دارفور، لجأت مليشيا الدعم السريع أمس، لإجبار المواطنين على دفن الجثث المتناثرة في طريق الفاشر – طويلة.
وقال موقع (دارفور 24) نقلا عن شهود عيان، إن مليشيا الدعم السريع أمرت سكان قرى شمال غرب مدينة الفاشر بجمع ودفن مئات الجثث الملقاة على الطرقات بين الفاشر وقرية قرني والمناطق المجاورة.
وأضاف الموقع، أن الدعم السريع أصدرت أوامر للإدارات الأهلية في قرى الريف الشمالي الغربي، من بينها (قرني، حلة أرباب، أم جدول ومنطقة وانا)، بإحضار السكان للمشاركة في دفن الجثث التي تعود لمدنيين قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من الفاشر بعد إيصال مساعدات للنازحين.
لكن هذه المحاولات البائسة يراها مراقبون لا تستطيع إخفاء جرائم المليشيا التي تم رصدها حتى من الفضاء، وفي أحدث تقرير له، نشرت مختبر جامعة ييل الأمريكية، أمس الأحد، صورا بتاريخ 13 و 17 نوفمبر الجاري عبر الأقمار الصناعية يظهر استمرار تخلص المليشيا من الجثث في الفاشر.
ووفق المختبر فإن الصور تظهر أن التخلص من الجثث تم في موقعين، أحدهما داخل المستشفى السعودي والثاني في حي الدرجة الأولى بمدينة الفاشر، أخر الأحياء التي كان يحتمي بها المدنيين.
في غضون ذلك، قال مدير منظمة مناصرة ضحايا دارفور آدم موسى أوباما، استنادا على رواية شهود عيان وسكان محليون، إن مراقبتهم للأوضاع بالفاشر، كشفت عن وقوع انتهاكات مروعة من قبل مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين.
وكانت المليشيا قد عمدت بمشورة أبو ظبي إلى إخفاء الجرائم بالفاشر، عبر حملة إعلامية ممولة قادتها المذيعة تسابيح مبارك خاطر، لكن الحملة تحولت لمادة للسخرية بدلا من تنظيف جرائم الجنجويد.
وفي أحدث محاولة لها، قال شهود عيان إن مليشيا الدعم السريع أقدمت على استجلاب سكان من مناطق نفوذها وجلبهم للتوطين في الفاشر بدل السكان الأصليين، وهم المواطنين الذين ظهروا أمس، خلال مؤتمر صحفي لمستشار قائد الجنجويد عز الدين الصافي من داخل مدينة الفاشر، منحدثا عن تقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية لسكان المدينة، بينما السكان الأصليين يتوزعون بين الدبة وطويلة وشرق دارفور والأغلبية محتجزين في الفاشر نفسها، حيث تقدر قناة العربية وفقا لمصادرها الخاصة، أن نحو 160 ألف سوداني لا يزالون محاصرين في الفاشر تحت سيطرة مليشيا الدعم السريع.
عقب هذه المحاولات الفاشلة، جاء تقرير بعثة تقصي الحقائق الدولية لينهي هذه التصرفات الساذجة لإخفاء انتهاكات لا يمكن إخفائها، حيث لا يمكن بكل بساطة إخفاء مدينة كاملة من الوجود نظرا إلى أن كل شارع في الفاشر يقف شاهدا ضد جرائم الجنجويد.
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، دكتور الفاضل محمد محجوب، أن محاولات المليشيا الفطيرة لإخفاء جرائمها أشبه بالفرفرة التي يعقبها الموت، مشيرا إلى استحالة إخفاء الجريمة في هذه العصر، حيث يمكن مشاهدتها من الفضاء وهو ما حدث فعلا.. واعتبر الفاضل تقرير بعثة تقصي الحقائق الدولية هو بمثابة وضع السكين على رقبة الدعم السريع، مشيرا إلى أن اللجنة المشكلة بقرار من مجلس حقوق الإنسان تتمتع بمصداقية وقبول لدى مجلس الأمن الدولي والمنظمات الأممية الأخرى، ما يعني أن عقوبات جديدة ومفصلية ستوجه للمليشيا وداعميها استنادا لهذا التقرير، الذي من المؤكد أنه سيرصد معظم الانتهاكات ضد المدنيين، بما في ذلك الموجودين تحت سيطرة المليشيات.