
في ذكرى محمود .. هو الاختار دنيتو وهو المخير في اختياره
وجع ضرس
عبد الكريم محمد فرح
قال أفلاطون 🙁 مَن حزِن فليستمع للأصوات الطيبة فإن النفس إذا حزنت خمد منها نورها، فإذا سمعت ما يطربها اشتعل منها ما خمد).
تعلمتُ كُل شيئٍ من غناء محمود، ثمة أشياءٌ لا تستطيع البوح بها تجدها حاضرة عند محمود، كان صوته دائم الحضور في كل تقلبات الحياة، كان مؤنسي عند الفراق وزميلي في الصحبة والرفقة وشريكي في الحب ولياليه وانيسي بالوحشة والاغتراب وملاذي في الحزن والهم والقلق، كان رفيقي في حياة الجدّ والهزل. لم يفارقني يوماً ولم اتركه ساعة.
فمحمود غنى لكل الناس الذين كانوا على أستعداد لسماعه، غنى للحرية والكرامة والانسانية، كان في غنائه نصيراً لأي شخص، ربما تجد أن محمود يغني ليك وحدك ..دائماً ما يأتيك احساس التملك مع محمود وكأنه يخاطبك:
من خلف شباك الحزين تحمل من الورد العطوف
السلوي في ضمة حنين والذكرى في رحلة سراب
لتسمع مع السراب في البوم شايل جراح، مع السراب وقت النزوح، غنى للنزوح والحروب والتشرد :
مع السراب ،، وقت النزوح
مرساي ،، يتوهج ويروح
امشي في الريح ذي نجماً وقت ظلال الليل يلوح
وانزح ذي عوالماً شافها دوب
وما ادراك ما النزوح يا محمود ،،
سامرني وغيري في ليالي الغربة وكنت أسهر واسمع:
من اجل تحقيق الوصول بركب مراكب المستحيل
ومهما ما المشوار يطول أمشي على الدرب الطويل
عشان أحقق يا زمن امالي والحلم الجميل
ولما ارجع للوطن يعود معاي مجدي القبيل
تعلمنا معه لهجات السودان وطُفنا معه في سياحة عامة حول كردفان الغرة وصوت الكِرن وراقصين التويا وام كحيل النسيم المر بالليل،، وعرفنا معه غزال القوز وست اللهيج السكري وانتِ الجمال بتقدري وجوه القلوب بتعسكري.
تغنى للشمال والجنوب والغرب والشرق، كان حديقة وخريطة تنبأ بالوحدة ورفض الشتات، غنى لجوبا وحبيبي لاقيتو يوم في موقف ياي. وتحدث عن جونقلي وبحر الزراف
وقالوا لي سرو سر غامض ما قدرتا احلو
يا جونقلي حاشا ما نسوك اهلك تضافر وهندسو
وعندما تعشق حد الجنون وتهبك الايام محبوبة تبكي الأمرين حباً وعشقاً وتتعلم عند محمود معانى الفراق وتجي (راقد سلطة) وتسمع
إنحنا ما درنا الفراق والله ما درنا الفراق البيه جيت فاجأتنا
عايشين علي ريدك سنين في لحظة جيت بس خنتنا
ولك الاختيار ربما تتماسك وتقنع نفسك وقلبك وتغني بصوت ٍواحد مع الحوت:
يعوضك الله روح بالفيك، منو الغير الله عاد بجزيك
ولا تسأل هي راحت وين، تروح إن شاء الله في ستين
ولأن للعشق ايام وليالي وصولات وجولات وتنبؤات ولحظات تأمل ربما يطوي بعضها وتحمل كل منها معنى جديد لتتماسك بالأفعال باللحظات لتتوق للحظة البداية التي تعني:
الكنت قايلو فات زمان رجعتو بي طعم الغنا
احلام صباي والذكريات هومتا بي بالدندنة
اتاري في جواي نغم وهنا القليب يدق هنا
ناسي الزمان اتغيروا لكني ما اتغيرت انا ،،
ونحكي عن الحبيبة عن الوطن وربط الحب بالملامح السودانية في المسادير والأغاني وعن المحنة يصدح محمود:
يا الدسيتي ملامحك فيا..فيني ملامحك باقية علم
ياما نظمتك أحلى قصيدة ..في الدوبيت مسدار أو نم
أنا مشتاق والشوق أتعدى..كل مراحل الكيف والكم
يا ماضينا وكل الحاضر ..يسري هواك في مجرى الدم
وفي رحاب محمود تشاهد أقمار الضواحي وتحمل بذلك الوطن الذي تجسده الاغاني وتشكله الأمنيات
يصحو على حلم راجع يكتبو في الفضاء الشاسع
يحلموا بوطن واسع أقمار الضواحي النور
تربينا حول الحوت في خالي بالك وسكت الرباب ويا عمر وسيب عنادك ويا مفرحة ويا مدهشة وسبب الريد، وكنا في بواكيرنا نبحث عن درر الحقيبة في قائد الأسطول وعلى النجيلة والحجل بالرجل ذاد انفعالنا ولنتفاعل معه وهو يغني لهيب الشوق وما تشيلي هم وعاش من شافك ثم اكتبي لي ونور العيون وعامل كيف ويخرج الساكن والمركون بجولة بالقطار المر وفيهو مر حبيبي وتباريح الهوى ووسبب الريد عينيك وعنيا وهم الجارو عليك وعليا.
ولعل ما جعلنا نغوص في تلك العوالم هو أن تتشكل شخصيتي وأصدقائي حول برتاح ليك، شايل جراح وعدت سنة واتفضلي لنكبر مع خوف الوجع وابقوا الصمود والحنين وساب البلد وكلمتني عيونك.
هي تفاصيل حياة كاملة تتخللها موسيقي محمود، بصوته وحضوره الجميل كان لحناً شكّل وجداناً للكثيرين ومضى، لكنه حفر بدواخلنا نموذجاً لنعيش به أبد الآبدين.
صنع الفنانون أغنيات وألحان وأنت صنعت مجداً وأي مجدٍ صنعت يا محمود..