
مأساة مزدوجي الجنسية
علي عسكوري
عادت إلى السطح مرة أخرى قضية مزدوجي الجنسية مع تعديل الوثيقة الدستورية قبل عدة أيام
أنا أحد مزدوجي الجنسية ولكنني لا أكتب دفاعا عن نفسي، فليس هنالك ما يتطلب دفاعي، إنما عن ملايين السودانيين الذين عصف بهم نظام الانقاذ ففرروا من بلادهم يبحثون عن ملجأ ومأمن لأنفسهم ولأسرهم, اتسع انتشار السودانيين في العالم هروبا من بطش الانقاذ من نيوزيلندا في اقصي جنوب شرق الكرة الارضية مرورا بأوروبا الى كلفورنيا في اقصي الغرب. وبلغ بعضهم دولتى شيلي والبرازيل في امريكا الجنوبية.
*لا أكتب دفاعا عن حق هؤلاء في تولي المناصب العامة، وهو حق مشروع لهم، إنما لدحض الإتهام الضمني غير المعلن بأنهم (خونة) لا ولاء لهم لبلدهم الأصلي.
*ومهما تحذلق من يدبجون المقالات وحاولوا اخفاء التهمة التي يلمحون لها ضمنيا، فأي قارئ – حتى لو لم يكن فطنا- يمكنه فهم ما يرمي له كتاب المقالات، اذ لو لم يكن هناك طعنا في وطنية تلك المجموعات وانتمائهم لوطنهم لما تجشم اى كاتب تدبيج مقال متسآئلا عن ضرورة حرمان مزدوجى الجنسية من تولى المناصب العامة! بمعنى انه لو لم يكن هناك شك اساسي حول وطنيتهم لما أثير ذلك السؤال ابتداء.
*للأسف لا توجد احصائيات دقيقية يمكن الاعتماد عليها عن عدد مزدوجي الجنسية، ولكن إن أخذنا عدد المهاجرين الاوائل وابنائهم بل حتى احفادهم فإننا دون شك نتحدث عن بضعة ملايين كل هؤلاء يرى بعض الكتاب انه (مشكوك) في وطنيتهم ويجب الحذر ثم الحذر منهم فولائهم لوطنهم يظل محل تسآؤل من وجهة نظر أولئك الكتاب.
*في الحقيقة لم يكن السودانيون في أي يوم يتطلعون إلى الحصول على جنسية بلد آخر منذ الاستقلال وحتى العام 1989م, كان اصحاب الجنسيات المزدوجة عدد محدود جدا من أبناء المبعوثيين للدراسات العليا الذين ولدوا في بريطانيا أو امريكا حيث كانت قوانينهما تسمح بحق أي طفل مولود على أراضيمها الحصول على جنسيتها بالميلاد (مثلا انجلترا حتى 1983)! يضاف لهؤلاء عدد قليل جدا ساقتهم ظروف الحياة للهجرة إلى الغرب, لم يكن عدد هؤلاء جميعا ( مولودون او مهاجرون) يزيد على بضع مئات فقط, حتى جاء انقلاب الانقاذ العام 1989
*كان نظام الانقاذ أول من عدل دستور السودان ليسمح للأجانب بالحصول على الجنسية السودانية بطريقة في غاية التساهل وذلك لاستيعاب وحماية إرهابيي منظمة القاعدة الذين استقبلتهم الانقاذ, تلى ذلك أن نظام الانقاذ لاحظ أن الكثيرين من قياداته لهم جنسيات بلدان اخرى، خاصة الكندية والبريطانية والامريكية وغيرها، فقام بتعديل الدستور ليسمح بإزدواج الجنسية للسودانيين ليمكن العديد من قيادته لشغل مناصب قيادية في الدولة.
*تنص المادة (7-4) من دستور 2005على حق أي سوداني في الحصول على جنسية أي بلد آخر.
*ظل السودانيون بالخارج يحتجون و يتظاهرون ضد نظام الانقاذ لثلاثين عاما حسوما, كثيرون منهم ماتوا ودفنوا في بلاد بعيدة لم يتمكنوا حتى من زيارة بلدهم ووداع أسرهم واقربائهم وأصدقائهم لثلاثة عقود، رحلوا بحسرة كبيرة داخلهم واصل رفاقهم النضال ضد الانقاذ حتى سقطت بعضهم عاد بعد سقوطها لزيارة أهله وبعضهم لم يعد ربما لأسباب صحية بعد أن تقدم بهم العمر، لكنهم على كل حال لم يصمتوا أبدا ضد انتهاكاتها وجرائمها في دارفور التى تولتها المحكمة الجنائية.
*لذلك لا يحتاج مزدوجي الجنسية لأحد ليمنحهم صك وطنية, وهم بأي حال ليسوا أقل وطنية من الآخرين, وإن كان الحال هو تشكيك وتلميح مستتر بضعف الانتماء أو الخيانة، يمكن في الجانب الآخر لمزدوجي الجنسية الزعم أيضا أن من عاش وشارك في الانقاذ واكتنز المال تحت سلطتها وصمت عن انتهاكاتها الجسيمة ضد حقوق الإنسان إنه فاسد لا يحق له تولى أي منصب عام.
*بينما حميدتي، عبد الرحيم، عمر الدقير، خالد سلك، مريم الصادق، صديق الصادق، جعفر سفارات ود الفكي وغيرهم يتآمرون على تدمير البلاد وإشعال الحروب فيها رغم إنهم لا يحملون جنسية مزدوجة فيما نعلم، في ذات الوقت يخرج عشرات الآلاف من مزدوجي الجنسية في لندن، بروكسل، بون، واشنطن نيويورك باريس، جنيف، ايرلندا، مدافعين عن بلادهم بحمية غير مسبوقة! مالكم كيف تحكمون.
*يضاف لذلك التزام مزدوجي الجنسية بارسال الأطباء المتطوعين والأدوية وغيرها من المعينات إلى السودان, أكثر من ذلك عاد عشرات الشباب من غرب أوروبا للمشاركة في القتال والدفاع عن البلاد.
*كل تلك المواقف الوطنية لم يهتم بها الذين في عيونهم غشاوة أو أصحاب غرض, مالكم كيف تحكمون, تفضيل قيادات المليشيا وسدنتها من جماعة قحت- تقدم الذين يدمرون البلاد على حملة الجنسية المزدوجة الذين تولوا الدفاع عن بلادهم في الخارج، أمر لا يقبله عقل ولا يقول به عاقل.
*ليس الصادم هو حرمان اصحاب الجنسية المزدوجة من تولى المناصب العامة، رغم ان ذلك من حقهم الدستورى، لكن المؤلم هو النظرة التخوينية لمزدوجيي الجنسية التى يلمح لها البعض في كتاباته وان لم يمتلك الشجاعة ليقولها صراحة.
*ختاما، لن ينصلح حال بلادنا إلا باحترام الدستور وطالما أقر الدستور أن مزدوجي الجنسية يتمتعون بكامل الحقوق مثل غيرهم من المواطنيين، لا يحق لأحد مهما كان الطعن في انتمائهم لوطنهم أو حرمانهم من حقوقهم الدستورية، أو تدبيج المقالات للتلميح بخيانتهم أو ضعف انتمائهم أو التشكيك بأنهم عملاء.
*من يعاني من أوهام تعشعش في خياله حول مزدوجي الجنسية، عليه أن يتبع السبل القانونية والطعن في مواد الدستور التي تمنحهم كامل الحقوق والمطالبة بإلغائها وليس الإختباء وراء الجمل المطاطية والتعابير المرسلة في مخالفة للدستور.
إن مثل هؤلاء الكتاب يريدون من مزدوجي الجنسية التظاهر والاحتجاج في الخارج ولفت نظر العالم لما تقوم به المليشيا من جرائم، ثم بعد أن يقضوا منهم وطرا، ينقلبوا عليهم ليقولوا لهم إنكم بلا حقوق بل مشكوك في انتمائكم ابتداء
*لماذا لم يكتبوا مثل ما كتبوا ليقولوا لهم عليكم ألا تتظاهروا مطلقا، فما يجري في البلاد لا يعنيكم لأنه أصبح مشكوكا في ولائكم، فانصرفوا لحالكم يرحمكم الله
*يجب ألا تكون الحقوق الدستورية محل جدل ومزايدة سياسية، خاصة عندما يكون المستهدفين اكثر وطنية ممن يكتبون، لأن الذي يكتب ليفرق بين السودانيين ويطعن في انتماء الآخرين دون بينة يصبح مباشرة اقل وطنية منهم، فالتفريق بين المواطنيين وتسبيط همم السودانيين في الخارج وفركشة الصف الوطني من أمضي الأسلحة لضرب الوحدة الحالية خاصة في الخارج.
*وفيما نعلم ليس من بين كل أولئك الذين تظاهروا في الخارج من أجل بلادهم طلاب مناصب عامة, لماذا إذن التشكيك في انتمائهم وولائهم! لمصلحة من تدبج المقالات التشكيكية.
*ليس بوسع بلادنا حاليا أن تخسر جهود أبنائها في الخارج وليساعدنا بعض قصيري النظر بالصمت.
هذه الأرض لنا.