وداعاً الأُسطى محمد حامد

واحة المنصة

يكتبها اليوم

عبدالعزيز إبراهيم محمود

*كانت (فرندات) سوق ( جبل اولياء ) تجذب زوارها ، وكانت المطاعم التي بداخلها تنادي على زبائنها ،  فتأسرك برائحة طبيخها.

*وليس ببعيد عن تلكم (الفرندات) كانت (الإستارترات) و(الميكنيتات) وضفائر توصيل كهرباء تلكم السيارات، تئن وتترنح من شدة أعطابها، لكنها سرعان ما تعمل في أوانها، لأن الماهر والحاذق (محمد حامد) معلم المعلمين، وكهربجي الكهربجيين، ما أن تلامس يديه تلكم الأدوات المعطوبة، حتى تعود فتعمل كما صنعها الخواجة (وكالة بس).

*كنتُ ممن يزور (محمد حامد) في مكان عمله بـ(سوق جبل أولياء)، متعللاً بقرابة وصداقة تلاميذه الذين كانوا تحت إمرِته، فقد كنت استمتع بمهارته في العمل، ومن باب آخر كنت ُممن ينتظر عطاءه.

*كان عطاء (محمد حامد) سخياً محفزاً، فبعد أخذنا للمال نهجم على تلكم (الفرندات) حيث الرغيف الساخن والطعمية بالشطة الرهيبة.

*منطقياً لا أستحق العطاء، فالمال خاص بتلاميذه، لكنه لم يكن يحرمني العطاء، بل كان يقسم لي كما يقسم لهم, كان ذلك قبل اكثر من عشرين عاماً مضت.

*ثم تمر السنين ويدورالدهردورانه ويستحكم داء السكري في جسد (محمد حامد) وتبدأ رحلة المعاناة ،ورحلة جلوس رجل وثاب نشط الفكر والجسد، مغامر في ضروب الحياة رغم معاكستها له.

*بعد عدة عمليات بُترت كِلتا ساقية، تحطمت آماله ،واصبح جالساً في سريره منتظراً ميعاد أجله، أليس كذلك؟.

*لا  أبدأ لم يكن (محمد حامد) كذلك بل كان مثابراً نشطاً متحركاً بـ (موتره) وفي احاين كثيرة يكون جالساً ممسكاً (بمكينتة) او (استارتر) ليعيد من عملها وألقها.

*ذات نهار كنت جالس معه نتجاذب أطراف الحديث، وكأنه عرف ما يدور في خُلدي فأسكتني بقصة معبرة فيها العبرة وفيها الصبر والاحتساب:

*يا عبدالعزيز يا ولدي الكُرعين ديل عاشن زمنن وادّن حقهن، يا عبدالعزيزأنا عشت شبابي معتز ومفتخر بحالي وبي قوتي ،أنا مرة من المرات جاي كداري من بهناك لي اللاماب(حالياً مستشفى بست كير) لي( ود ابودروس) كداري،  مزاج وشبع بس، وعجباني صحتي بس، اتحركت بعد صلاة العشاء بزمن لمن وصلت البيت في (ود ابودروس )الآذان الأول أذن، شربت الشاي من يد أمي ورجعت في صباحي طوالي للشغل.

*حتى نضع القارئ الحصيف في الموضع الصحيح فإن المسافة بين (بست كير) و (ودابودروس)ربما تصل لمسافة 40 كيلو متر ،تزيد أو تنقص.

*عاش (محمد حامد) ردحاً من الزمن وخلال ال15 عام الأخيرة من حياته، دفن ثلاثة من أبناءه في ريعان شبابهم، فوراهم الثرى ، صابراً محتسباً، ضارباً موعداً معهم في الجنة.

*ظل (محمد حامد) مؤذناً ومهتماً بمسجدنا سنين وسنين حتى اقعده المرض.

*كذلك ظل لسانه يلهج بالدعاء والذكر، فرغم مرضه ومعانته فقد كان محتسباً الأجر لله تعالى

وبعد…

*بوفاة العم (محمد حامد) وهو إبن عم للوالد( الجمل) ورفيقه في شبابه ،كما أنه متزوج من عمتي مباشرة، يكون قد انفتح جرح في القلب من ألم الحسرة والفِراق، ظللنا نُسكِّنهُ ونُضمِّدهُ حتى لا يؤلمنا، فأبت مشيئة الله تعالي إلا أن نستذكر ذاك الجرح.

خالص التعازي لأسرتي،وأشد التعازي لعمتي ولإبن عمتي الغالي الحبيب(مصطفى محمد حامد)  (بوب) ، وبنات عمتي، وأبناء أخوان وأخوات الفقيد ولكل الأهل.

*اللهم تجاوزعنه وأدخله فسيح جناتك مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

(إنا لله وإنا إليه راجعون)