
الحصاد آخر أوجاع السنابل
صمت الكلام_ فائزة إدريس
*في غضون الفترة السابقة التي سبقت الحرب في السودان كان الجميع ينعم بإقامة طيبة، كلٌ في عقر داره وإن تباينت تلك الإقامة وتباينت الديار فكلٌ وظروفه وقناعاته وإمكانياته ولكن مع ذلك يجتمع الغالبية في نقطة واحدة ألاوهي الرضا بما قسمه الله والحمد والشكر له، تلك الحياة يسودها الإطمئنان والأمان الذي ينبعث ليس بين أركان مكان الإقامة فقط، وإنما بين حنايا النفوس حيث يتملك الفرد شعور بالإنتماء للمكان الذي يقيم به.
*ونجد الكاتب الفرنسي غاستون باشلار في كتابه (جماليات المكان) يركز على كيفية تأثير المكان على مشاعر الإنسان ويتناول العلاقة بين المكان والذكريات حيث يعتبر المكان حاملاً للذكريات والتجارب الشخصية، ويعكس أهمية البيوت كأماكن تعكس الهوية الشخصية.
وذلك بالفعل يتطابق لدي الكثيرين فالبيوت التي كانت ذات يوم مكان إقامة لهم باتت مستودع للذكريات التي تضج بها أعماقهم يتخللها سيل من الأوجاع وعلامات إستفهام لما تحويه من أسئلة ليست لها إجابات جذرية فأضحى الغموض يكتنف كل شئ.
*ويرى علماء النفس أن النزوح أحياناً يؤدي لتجارب صادمة مثل فقدان الأهل والأصدقاء والممتلكات وفقدان الهوية والإنتماء والتشتت الذهني وعدم التكيف بسهولة مع الظروف الجديدة بكل ماتحويه، الأمر الذي يقود إلى مشاكل نفسية متعددة على رأسها الإكتئاب الذي أمسى جزءاً لايتجزأ من حياة البعض في هذه الفترة الراهنة.
*سلة المفقودات تلك لها أثرها السلبي في أن يبني الإكتئاب صرحاً عالياً في بعض النفوس ممزوجاً بالخوف من المستقبل المجهول والتفكير المستمر في الحاضر فتلك الشئون تجعل الإكتئاب يتوغل ويتعمق أكثر فأكثر
في الحنايا مما يؤدي إلى نتائج سلبية في نهاية الأمر.
*وتمضي الأيام وتستمر الحياة ولسان حال الكثيرين يمثله بيت الشعر: بكل تداوينا فلم يشف مابنا،، على أن قرب الدار خير من البعد.
*نهاية المداد
نظرت كأني من وراء زجاجة
إلى الدار من ماء الصبابة أنظر
فعيناي طوراً تغرقان من البكا
فأعشى وطوراً يحسران فأنظر
(قيس بن الملوح)