قراءة في كتاب (هذا جيشكم) للكاتب والصحفي محجوب عروة

هكذا نجوت من الإعدام بسبب تهريبي ميثاق الجبهة الوطنية للسودان عبر مطار الخرطوم؟
نقد: قرار إنقلاب 19 يوليو 1979 لم يصدر من المكتب السياسي للحزب الشيوعي
مدبر إنقلاب حسن حسين القاضي عبد الرحمن إدريس يخدع جهاز امن نميري ويهرب من المعتقل
مؤامرة 15 ابريل 2023 أثبتت ان بلادنا بشعبها وبجيشها بلدا قويا متماسكا

قراءة- التاج عثمان
جاء في مقدمة الكتاب البحثي الذي أصدره مؤخرا الأستاذ الصحفي محجوب عروة انه يبحث ويوثق للأدوار العسكرية السودانية منذ الحضارات القديمة التي تعاقبت في تاريخ السودان، حيث سطر المؤرخون ان العسكرية السودانية إمتلكت وجسدت عناصر القوة والشجاعة والنجاعة والبسالة والفاعلية والنخوة في جميع تلك الحضارات ومساراتها الحديثة وكانت لها أدوار عظيمة بارزة ومشرقة حيث ثبت اليوم بما لا يدع مجالا للشك بعد مؤامرة 15 ابريل 2023 ان بلادنا بشعبها الشجاع وبجيشها العظيم بلدا قويا متماسكا وصامدا رغم الأعاصير عكس ما يوصف انه بلد هش
مع نقد:
الكتاب عبارة عن بحث يضم 19 فصلا و 196 صفحة ويكشف أسرارا تنشر لأول مرة عن الإنقلابات العسكرية، وهو في هذه الجزئية يتحدث عن إنقلاب 19 يوليو 1979 المعروف بإنقلاب الشيوعيين، بقوله:
“سالت الزعيم الشيوعي الأستاذ محمد إبراهيم نقد حين زارني مشكورا في صحيفتي السوداني قبل مصادرتها بواسطة نظام الإنقاذ عام 2010.. لماذا وافق حزبكم الشيوعي على إنقلاب 19 يوليو رغم ادعائكم الديمقراطية؟، فرد علي الأستاذ نقد قائلا: (الحقيقة التي لا يعرفها الناس ان قرار إنقلاب 19 يوليو 1979 لم يصدر أساسا من المكتب السياسي للحزب، بل بسبب ضغوط ضباط تنظيمنا في الجيش الذين قالوا لنا ان النميري شرع في فصل الضباط الشيوعيين من الجيش، والحل الوحيد طالما لا زالت لنا قوة فالأفضل ان نتغدى به قبل ان يتعشى بنا، فحدث ما حدث وإضطررنا للقبول).
ميثاق المعارضة:
من الأسرار التي وردت في الكتاب وتنشر لأول مرة مشاركة الكاتب في التجهيز لأحداث ثورة شعبان يحدثنا عنها المؤلف الأستاذ محجوب عروة بقوله: من ذكريات مشاركتي في التجهيز لأحداث ثورة شعبان حادث طريف وذلك عندما كنت اقضي في المملكة العربية السعودية شهر العسل وهناك قابلت زعماء المعارضة في منزل الأستاذ عثمان خالد مضوي، وعندما اخبرتهم بقرب عودتي للخرطوم سلمني الشريف حسين الهندي مكتوبا طلب مني تسليمه لدكتور الترابي ليقوم بمراجعته وضبطه، وكان المكتوب يحتوي على (ميثاق الجبهه الوطنية لحكم السودان) في الفترة الإنتقالية في حالة سقوط النميري ونظامه بثورة شعبان الشعبية المسنودة من الجيش.. وعندما وصلت مطار الخرطوم حاملا معي ميثاق الجبهه فوجئت بان رجال الأمن عقب ختم الجوازات يطلبون من القادمين الوقوف في صف للتفتيش الشخصي فلم أدري وقتها كيف اتصرف حيث تأكد لي انهم سيكتشفون ميثاق المعارضة في جيبي، وكان من المستحيل ان أقذف به بعيدا فحتما سيشاهدني رجال الامن من حولي يراقبون القادمين بدقة.. ولما بقى أربعة اشخاص امامي في الصف سألت الله ان ينجيني وكانت زوجتي تقف بجانبي لا تدري شيئا فإستجاب الله لدعائي، حيث رأيت خلف رجل الامن اهم واقرب وزير للنميري هو د. بهاء الدين محمد إدريس شقيق زوجة عمي البروفسير هاشم عروة واعرفه منذ المصاهرة عام 1965 فالهمني الله بان اشير إليه بالتحية وحين رد علي بإبتسامته المعهودة ورأي رجل الأمن ذلك المشهد تركني أذهب لبهاء الدين للسلام عليه دون تفتيش، فكيف يجرؤ رجل أمن ان يوقفني لمقابلة أقرب وأخلص شخص للنميري، فقمت بسحب زوجتي متجها نحو د. بهاء مدعيا إكمال السلام عليه ثم خرجت مسرعا لخارج المطار فنجاني الله من سجن مؤكد لسنوات وربما إعدام لو عُثر على ميثاق المعارضة في جيبي.. وفي المساء ذهبت للترابي والذي كان في حالة إعتقال تحفظي بمنزل السيد الصادق المهدي جوار مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون، فتسلقت الحائط العالي خلف المنزل حتى لا يراني رجل الأمن الحرس وسلمت الترابي الميثاق”.
القاضي الهارب:
خصص الكاتب الفصل التاسع لإنقلاب المقدم حسن حسين عام 1975 ويروي من خلاله الطريقة الغريبة والجريئة التي هرب بها مدبر الإنقلاب والذي كان معتقلا تحت حراسة مشددة من جهاز أمن النميري.. يقول:
إنقلاب حسن حسين كما علمت لاحقا، حيث انني كنت وقتها في ليبيا، نفذته عناصر عسكرية في الجيش بتدبير من القاضي عبد الرحمن إدريس ومشاركة بعض المدنيين على رأسهم إبن دفعتي وصديقي عباس برشم الذي إستشهد في المحاولة.. وبعد هروب مدبر الإنقلاب القاضي عبد الرحمن إدريس من السودان عقب المحاولة الإنقلابية الفاشلة التقيته في لندن وكنا نسكن معا بأحد المنازل أعده لنا مشكورا المرحوم حامد بخيت بلندن، روى لي مولانا عبد الرحمن إدريس الذي أطلق نظام مايو عليه لقب (القاضي الهارب) كيف قام بمغامرة طريفة للهرب من الإعتقال وتفادي حكم الإعدام عندما إكتشف جهاز الأمن انه المخطط لإنقلاب المقدم حسن حسين.. روى لي كيف هرب بطريقة لم تخطر على بال ضباط الأمن الذين إعتقلوه، فشرح لي القاضي الهارب قائلا:
عندما كان معتقلا بمقر جهاز الإمن حيث اعتقل في شهر رمضان وكان يتناول الإفطار مع ضباط وجنود جهاز الأمن في باحة مقرهم داخل مبنى الجهاز لاحظ عندما كان يسمح له بالذهاب إلى المرحاض قبيل الإفطار ان المرحاض من النوع القديم به فتحه واسعة تحت مكان الجلوس وتحته الجردل، وكان هناك دش الماء للإستحمام فإنتهزها فرصة عندما سمح له الذهاب للمرحاض كالعادة اليومية قبيل الإفطار فإدعى المغص ليسمح له بمزيد من الوقت داخل المرحاض، فقام بفتح صنبور الدش بأقصى درجة كي يظن الحراس انه يستحم ويثقوا بوجوده ثم قام بسحب الجردل إلى الخارج وهرب من فتحة المرحاض وإختفى لعدة أيام عند شخص مقرب له والذي مهد له الهروب إلى اثيوبيا ومنها إلى لندن.
عسكريون أفذاذ:
من خلال الفصل التاسع عشر إختار الكاتب بعض العسكريين مشيرا انهم سطروا أعظم المواقف وسجلوا أسمائهم نيابة عن ضباط وجنود الوطن بأحرف من نور، وهم كما أشار المؤلف:
الفريق إبراهيم عبود, اللواء الخواض محمد أحمد, المشير عبد الرحمن سوار الذهب, الفريق أول عوض ابنعوف, ويضيف قائمة أخرى لعسكريين أوضح أنهم انقذوا الوطن من أخطر مؤامرة وهم: الفريق أول عبد الفتاح البرهان.. الفريق شمس الدين كباشي, الفريق ياسر العطا, الفريق مالك عقار, الفريق إبراهيم جابر, الفريق أحمد إبراهيم مفضل مدير جهاز الأمن والمخابرات العامة.
إهداء وشكر:
يقول الكاتب تحت عنوان (إهداء وشكر): أهدي هذا البحث إلى شرفاء الجيش السوداني العظيم وقوات الأمن والشرطة والمستنفرين والذين تصدوا لأخطر مؤامرة على الوطن ومهروا الوطن بأرواحهم، وأخص ضباط وجنود القوات المسلحة الذين تصدوا (يوم البسالة)، 15 ابريل 2023 للمتأمرين المجرمين فأفشلوا مخططا إنقلابيا كاد ان يدخل البلاد في دوامة الفوضى والإنهيار وضياع سيادة الوطن وكرامة أهله ونهب موارده.
كما أهديه لكل شهيد من المدنيين الذين إغتالتهم أيدي الإجرام من مليشيا الدعم (الصريع) والمرتزقة.. وأشكر كل من ساهم في صدور هذا البحث الذي يؤرخ لأدوار العسكرية السودانية بإختلاف أشكالها خاصة التي لولاها لما نجحت الثورات فكاد ان ينالها جزاء سنمار إلا ان وعي الشعب السوداني وجيشه اجهض تلك المحاولات.. كما أهدي هذا البحث بشكل خاص لشقيقة بلادي مصر شعبا وحكومة الذين إحتضنوا ودعموا شقيقا بما لم يفعله آخرون، جزاهم الله خير الجزاء.