
أسرار وراء الأسوار … حكاية تلفزيونية قديمة
بعد .. و .. مسافة
مصطفى أبو العزائم
*كان بالأمس معي في زيارة عائلية ، أخي وصديقي الأستاذ أحمد المعز خوجلي الرشيد ، أحد أعمدة قناة الشروق في نسختها الأخيرة قبل التوقف ، تحدثنا حول موضوعات كثيرة ، منها العام ومنها الخاص ، وكثير منها يتصل بأداء القناة وشقيقاتها من قنواتنا الفضائية الأخرى طوال تاريخها المهني.
*وتناولنا ضمن ما تناولنا عرضاً درامياً قدمته قناة الشروق قبل سنوات ، كان عبارة عن فيلم تلفزيوني أو دراما سودانية ، حول رجل أخرس ظل صامتاً لمدة تجاوزت الخمسة عشر عاماً ، لم يعرف عنه أهل القرية التي وفد إليها ، وأحتمى بمسيدها وخلوتها أنه نطق كلمة واحدة ، بل تعاملوا معه على أنه معتوه ، ينظر لكنه لا يبصر ، ويسمع وكأنه لا يعي ، كان بإختصار درويشاً مقطوع اللسان ، وأطلقوا عليه إسم السر.
*شاهدت مثل غيري ، جانباً كبيراً من هذا العمل ضمن متابعتنا للإنتاج الدرامي السوداني الآخذ في التطور كماً وكيفاً منذ فترة طويلة ، رغم الكلفة العالية لمثل هذا الإنتاج ، الذي لن يجد قطعاً رعاية تقلل من أعباء إنتاجه المادية مثل تلك التي تجدها برامج المسابقات أو البرامج الغنائية.
*نعود لأمر تلك الدراما التي أدى أبطالها والذين قاموا بتمثيل شخصياتها أدوارهم بإقتدار عالٍ ، وتقمص يوشك أن يجعل المتفرج على العمل أو الذي يتابعه ، يوشك أن يجعله يوقن بأن الذي يحدث أمامه حقيقة ، وليس تمثيلاً ، بدءاً من دور (السر) مروراً بدور (عمدة الحلة) ثم شيخ المسيد ، إنتهاء بأعيان وعامة الحلة ، وأناسها الذين يعيشون على الهامش من الرجال والنساء.
*ما يلفت النظر، بل ما يشد الإنتباه في ذلك العمل الدرامي، هو الفلسفة التي إنطلقت منها الفكرة، والمتمثلة في أن الأخرس تكلم .. وقال كلمات زلزلت كيان الناس، وضعضعت ثبات الحلة ، فقد نطق ، وقال إنه يعرف, يعرف وعندما سأله شيخ المسيد ماذا يعرف (؟) قال إنه يعرف السر.
*إنقلبت أحوال الناس فلكل من أهل القرية سره الخاص ، سره الذي يحرص على ألاّ يطلع عليه أحد ، لذلك أبقى الشيخ ذلك الناطق إلى جواره في المسيد ، وأصبح الرجل متابعاً من قبل الذين كانوا يتحدثون أمامه دون خشية، أو يتصرفون أمامه كأنه غير موجود ، ظهر اللصوص، والجناة، والزناة ، وأصحاب الضمائر والفضائح الميتة، وبدأت المطاردات لإسكات الصوت الجديد، الذي يعرف صاحبه كل شيء ، لكنه لم يكن يتكلم، وحاول البعض إغتياله حتى يدفن معه السر، ويضمن قاتله أن الجميع سيقع في دائرة الإتهام ، وأن كل أهل القرية يستفيدون من إختفاء (السر) الإنسان ، والسر الخاص الذي يقض مضجع كل واحد منهم.
*الفكرة جميلة .. الأداء التمثيلي فوق درجة الإقناع بينما الرؤية الإخراجية كانت واضحة وبسيطة ومعّبرة ، غير تأثيرها على كامل المشهد البصري للمتفرج.
*على كل، تحية للدراما السودانية وهي تتقدم إلى الأمام ، والتحية لكوادرنا الدرامية من كُتّاب قصة وسيناريو، وممثلين وفنيين مخرجين .. والتحية لمؤسسات الإنتاج وللفضائيات التي ترعى هذا العمل الكبير, وتحية لأخي العزيز الأستاذ علي مهدي الذي قابلته قبل يومين في تدشين كتاب (صلاح عمر الشيخ بين الصحافة والسياسة) بمقر جمعية إسناد بالقاهرة ، وهذا سيكون موضوعنا القادم بإذن الله تعالى، فقد قدم لنا الصديق العزيز والزميل الوفي الأستاذ صلاح عمر الشيخ، خلاصة تجربته في عالمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر ، والتحية له هو على هذا الجهد العظيم المقدر
*اليوم صيام عن السياسة، إمتناع عن التعليق على مسار ما جرى في نيروبي، وما سوف يجري خلال الأيام القادمة، والذي نتوقع أن يكون زلزالاً يدك بعض الحصون الآيلة للسقوط أصلاً