الرجل الذي تنهكه النهايات

 

قصة : حسين بن صبح

 

“سلام ميرة، اتصلت بك ولم تجيبي، أنا مسافر الآن؛ تحديدًا أنا أصعد درجات سلم الطائرة، عينيّ لا تزالان غارقتين بالدمع، أتمنى أن تكوني بخير. مع السلامة.”

هذا هو “المسج” الأخير الذي استلمته منه؛ لا أزال أحتفظُ به في ذاكرتي، بالإضافة إلى ذاكرة جوالي. إحساسي الداخلي يقول إنه كان صادقًا في تلك المشاعر. أعرفه جيدًا رجلًا تنهكه النهايات، يتعب كثيرًا في مراسم الوداع. حتى عندما رآني مرة أُهم بالرحيل، أعاد حقائبي إلى غرفتنا وقال: “لو أردتِ يومًا الرحيل – أرجوك – دون أن أراك.”

ألححت عليه في طلب الطلاق رغم أنه لم يحصل بيننا أي خلاف، ولم يزل لسانه يومًا أو يرفع صوته غاضبًا، بل كان هادئًا أنيقًا وسخيًا ومطلعًا مثقفًا. كان لدينا في ركن صالة الجلوس الفسيحة مكتبة جميلة بها أنواع من الكتب والروايات العذبة.

استغربت ذات يوم عندما فتحت أكثر من رواية ووجدته يتوقف قبل نهايتها بعدد من الصفحات، سألته؟! أجاب: “النهايات تتعبني يا ميرة!”

كان يثق بي وأحيانًا يُدللُني، ولا أذكر أنه أرهقني بطلباته. كان يقبل يدي بعد كل وجبة طعام أعدها له، وكان يُسمعُني كلامًا لذيذًا جميلًا تتمناه أي زوجة. أمر مدهش!… رجل بكل تلك المواصفات ثم أُلحُ في طلب الطلاق منه!

ولكن.. هذه هي الحقيقة، فقد ألححت في طلب الطلاق لسبب قد يراه البعض بسيطًا إلا أنه في غاية الأهمية بالنسبة لي. كان يرددُ كلمات الغزل تلك دون أن ينظرَ إلى عيني، وكنت أراه شارد الذهن كثيرًا.

لم أشعر أنه صادقًا في أحاسيسه معي، ببساطة كنت أشعر أنه لم يكن يحبني! لذا فضلت منزل أهلي عن البقاء معه. ليلة البارحة سألتني شقيقتي الصغرى عن رأيي في العريس الذي تقدم لها – كنت حينها في لحظة تفكير عميقة – وقلت دون أن أعي: “حذار! لا تتزوجي رجلًا كان ضحية لحب سابق.”